3 جبهات ملتهبة.. سيناريوهات المواجهة بين أميركا وخصومها
واشنطن- تواجه الولايات المتحدة 3 أزمات سياسية كبرى مع خصومها الرئيسيين: الصين واحتمال غزوها جزيرة تايوان، وروسيا واحتمال غزوها أوكرانيا، وإيران التي تتقدم في برنامجها النووي، وسط جمود المفاوضات الجارية في فيينا.
ويعتقد بعض المحللين الأميركيين أن هذه الأزمات لن تخرج عن نطاق السيطرة، في حين يرى آخرون أنه يجب الاستعداد لأسوأ السيناريوهات قتامة، والذي يتمثل في إمكانية تدحرج هذه الأزمات باتجاه صراعات عسكرية في وقت واحد أو أوقات متقاربة.
إستراتيجية الدفاع الوطني
لم تصدر عن إدارة الرئيس جو بايدن إستراتيجية جديدة للأمن القومي، واكتفى بايدن بوثيقة الدليل الإستراتيجي المؤقت للأمن القومي التي نشرها البيت الأبيض في مارس/آذار الماضي، ووفرت ملامح إرشادية عامة عن رؤية الإدارة للتهديدات الإستراتيجية.
واعتبرت الوثيقة أن الصين باتت “المنافس الوحيد المحتمل القادر على الجمع بين قوته الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية، لتشكيل تحد مستدام لنظام دولي مستقر ومنفتح”، كما أشارت إلى “التهديد” الذي تفرضه روسيا “التي لا تزال تصر على تعزيز نفوذها العالمي، وأن تلعب دورا يتسبب في حالة من الفوضى على الساحة العالمية”.
وأكدت الوثيقة أن الوجود العسكري الأقوى للولايات المتحدة سيكون في منطقة المحيط الهادي وأوروبا، فيما سيكون في الشرق الأوسط ما يكفي من الوجود الأميركي لتلبية احتياجات معينة.
ومن المتوقع أن تصدر إستراتيجية الدفاع الوطني الجديدة في الربع الأول من العام القادم، وكانت الإستراتيجية الأخيرة -التي صدرت عام 2018 في عهد دونالد ترامب- قد ركزت على مخاطر منافسة القوى العظمى مع الصين وروسيا ودول أخرى متخاصمة مع الولايات المتحدة، مثل إيران وكوريا الشمالية.
حربان أو 3 في آن واحد
خلال الحرب العالمية الثانية شارك 16 مليون جندي أميركي في ساحتي معارك منفصلتين تماما، وهو ما جعلهما كحربين كبيرتين منفصلتين في الوقت ذاته، ملايين الجنود توجهوا على مدار 5 سنوات إلى الجبهة الأوروبية عبر المحيط الأطلنطي لمحاربة ألمانيا النازية، فيما شارك ملايين آخرون في جبهة شرق آسيا عبر المحيط الهادي لمحاربة اليابان.
كذلك دفعت معارك حرب أميركا على الإرهاب الدولي عقب حوادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 إلى مشاركة مئات الآلاف من الجنود في حربين على أفغانستان والعراق، ولسنوات طويلة كانت أميركا تحارب على جبهتين منفصلتين في التوقيت نفسه.
لكن هذه الحروب لا تعد مقياسا للسيناريو الأسوأ الذي يتخوف منه بعض المراقبين، وهو محاربة دولتين قويتين (روسيا والصين) أو 3 دول قوية (روسيا والصين وإيران) في الوقت نفسه.
وذكر تقرير صدر مؤخرا أن الجيش الأميركي ليست لديه حاليا القدرة على خوض حربين كبيرتين في وقت واحد، مشيرا إلى أن الجيش الأميركي سيكون قادرا على التعامل مع صراع إقليمي رئيسي واحد وعمليات أصغر في بقية أنحاء العالم، وأن أميركا ستعاني بشدة إذا أُجبرت على خوض حربين كبيرتين أو أكثر في نفس الوقت.
كان ذلك هو الاستنتاج الذي خلص إليه تقرير “مؤشر القوة العسكرية الأميركية لعام 2022” الصادر عن مؤسسة هيريتيج (Heritage)، وجاء في 608 صفحات، واطلعت عليه الجزيرة نت.
وخلص التقرير إلى أن التهديد لمصالح الولايات المتحدة من الخارج لا يزال “مرتفعا”، حيث تواجه أميركا تحديات مما يطلق عليها البنتاغون “تهديدات 4+1″، في إشارة إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران، إضافة إلى مخاطر الإرهاب.
شكل المواجهة
ويشير التقرير إلى أن أي مواجهة عسكرية مع الصين ستكون قتالا بحريا وجويا إلى حد كبير، وهذا لا يعني أن القوات البرية وقوات مشاة البحرية لن تشارك في المعارك، لكن الصراع المحتمل مع الصين سينطوي على مساهمة كبيرة من القوات البحرية والجوية، وسوف تدعم القوات البرية ومشاة البحرية بعض عناصر المواجهات الواسعة.
وعلى النقيض من ذلك، يرى التقرير أن أي مواجهة عسكرية مع روسيا ستكون إلى حد كبير معركة جوية وبرية بالأساس، إضافة إلى دعم الأسلحة الأخرى كالقوات البحرية، لأنه لا يمكن الوصول إلى روسيا، ولا يمكن الوصول إلى أوروبا دون عبور شمال المحيط الأطلسي.
وتمكن هذه الإستراتيجية الجيش الأميركي من هزيمة خصم واحد مع منع معتد آخر -يسعى إلى الاستفادة من انشغال الولايات المتحدة بالصراع الأول- من هزيمته في مسرح منفصل، لكن هذه الإستراتيجية لم تعد مجدية، وفقا للتقرير.
وقال التقرير “إن الانخفاض المستمر في التمويل وما يترتب على ذلك من تقلص في القوة يضع الجيش الأميركي تحت ضغط كبير”.
وذكر أنه إذا ظلت التخفيضات الحالية في الميزانية العسكرية قائمة فسوف يتم خفض ما يقارب تريليون دولار من تمويل وزارة الدفاع في العقد المقبل.
وأضاف التقرير أن مستويات التهديد لا تزال مرتفعة من جانب روسيا والصين، فروسيا “تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة النووية بين القوى النووية (عندما يتم تضمين الأسلحة النووية قصيرة المدى)”، وقد أظهرت استعدادها لإلحاق الضرر بحلفاء الولايات المتحدة في أوروبا كما يتضح من تعبئتها الأخيرة لقوات ضخمة على الحدود مع أوكرانيا.
من جانبها، تقوم الصين بتحديث قواتها النووية والتقليدية بلا توقف خلال السنوات الأخيرة، وتتخذ خطوات متزايدة عدائية تجاه تايوان والدول المطلة على بحر جنوب الصين.
ويقول دوغ باند خبير السياسة الخارجية والشؤون العسكرية في معهد كاتو إن البنتاغون يحول تركيزه إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي في وقت يزيد فيه اعتماد واشنطن على شبكة من الحلفاء لدرء أي مخاطر من روسيا أو من إيران.
وأكد باند أن الولايات المتحدة سوف تكسب أي صراع بالمعنى التقليدي، ولكن التكلفة ستكون باهظة.
وفي ما يتعلق بخطر الحرب مع إيران، فقد حذر إيلان غولدنبرغ الخبير بمركز الأمن الأميركي الجديد من أن أي حرب مع إيران من شأنها أن تورط الولايات المتحدة في صراع آخر بالشرق الأوسط لسنوات قادمة.
ويرى بعض الخبراء أن تهديدات كوريا الشمالية أخطر بكثير من إيران، حيث إنها بالفعل مسلحة تسليحا جيدا ولديها الكثير من الأسلحة النووية.
ماذا لو؟
لكن، ماذا لو كان على الولايات المتحدة أن تخوض حربين ضد دول مثل كوريا الشمالية وإيران؟ ماذا لو نسقت الصين وروسيا بشكل كاف مع بعضهما البعض للمشاركة في أعمال عدائية متزامنة في المحيط الهادي وفي أوروبا؟
ويرد بعض الخبراء بالتأكيد على أنه لا يزال بوسع الولايات المتحدة أن تخوض حربين كبيرتين وتكسبهما في الوقت نفسه، أو على الأقل أن تقترب بما فيه الكفاية من تحقيق انتصار كامل، في حين أنه ليس من الذكاء أن تقوم روسيا والصين بمغامرة اختبار القدرات الأميركية، ويعتمد هذا التقييم بالأساس على التقدم التكنولوجي الأميركي الهائل عسكريا مقارنة بروسيا والصين.
من ناحية أخرى، تشير بيانات تصنيف “غلوبال فاير باور” (Global Firepower) إلى تقدم أميركي واضح، وتملك الولايات المتحدة أضخم الميزانيات العسكرية لعام 2021، حيث تتقدم في حجم الإنفاق الدفاعي بـ741 مليار دولار سنويا، تليها الصين بـ178 مليارا، في حين تأتي روسيا في المرتبة الـ11 بـ42 مليار دولار فقط.
وطبقا لتصنيف “غلوبال فاير باور” للقدرات العسكرية للدول -الذي يأتي في سياق تحليل 50 عاملا من عوامل قوة الدول والتي تصب في قدراتها العسكرية- جاءت الولايات المتحدة على قمة الدول من حيث القوة العسكرية، وكانت روسيا ثانية، وتبعتها الصين كثالث أقوى جيش في العالم، في حين تبوأت إيران المركز الـ14.
ويمكن للولايات المتحدة أن تحقق الانتصار على روسيا والصين اعتمادا على أنها لا تزال تحتفظ بأقوى جيش في العالم، ولأنها تقف في الوقت ذاته على رأس تحالف عسكري قوي للغاية، سواء في جنوب شرق آسيا ضد الصين، أو في القارة الأوروبية ضد روسيا، في وقت لا تملك أي من الدولتين حلفاء ذوي قيمة.
ومع ذلك، فالكثير من الخبراء وأعداد متزايدة من الدراسات يؤكدون أن هذا الوضع لن يدوم إلى ما لا نهاية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تحافظ على هذا المستوى من الهيمنة إلى أجل غير مسمى، وسيتعين عليها على المدى الطويل أن تختار حروبها بعناية.
المصدر : الجزيرة