قانون ميسيسيبي في المحكمة العليا.. مخاوف من حظر الإجهاض كليا
تركزت الأنظار نحو المحكمة العليا الأميركية، التي عقدت، الأربعاء، جلسات استماع تخص القانون الشهير “رو ضد وايد”، الذي أتاح “حق الاختيار” للنساء الأميركيات بالإجهاض.
وأبدى قضاة المحكمة العليا رغبتهم لصالح تثبيت قانون آخر أقرته ولاية “ميسيسيبي”، والذي يحظر إجهاض الجنين بعد مرور 15 أسبوعا على فترة الحمل.
جلسات الاستماع التي دامت حوالي ساعتين، الأربعاء، بدأت بمجادلة أطلقها المدعي العام الممثل لولاية ميسيسيبي، سكوت ستيوارت، الذي قال إن قوانين الإجهاض “تتربص ببلادنا” وأنها “سممت القانون”، في حين أظهر معظم القضاة الستة من المحافظين موافقتهم على حجته.
وقال القاضي، بريت كافاناه، إن “الدستور لا يعكس أيا من حق الحياة أو حق الاختيار فيما يخص الإجهاض”.
وأضاف أنه لا يتوجب على المحكمة العليا “اختيار جانب واحد على حساب الآخر في أكثر القضايا الاجتماعية جدلا في الحياة الأميركية”.
أما القاضية، إيمي كوني باريت، دعت النساء الحوامل اللواتي لا يرغبن بتربية أطفالهن إلى عرضهم للتبني، مشيرة إلى أن عدم خضوعهن للإجهاض في هذه الحالة، لن يؤثر على مساراتهن الشخصية والمهنية، وفقا لما نقلته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز“.
من جهتها، أكدت المحامية العامة للولايات المتحدة، إليزابيث بريلوغار، الممثلة لإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، أمام المحكمة العليا على أهمية الابتعاد عن المساس بقانون “رو ضد وايد”، الذي ضمن حق الإجهاض على مدى 50 عاما.
وقالت بريلوغار في تصريحات نقلتها شبكة “سي أن أن“: “حوالي نصف الولايات المتحدة قامت، أو على الأقل توقعت، أن تطبق محددات الإجهاض في كافة مراحل الحمل، دون استقصاء الاغتصاب أو سفاح القربى”.
وأكدت أن “النساء، اللواتي لا يمكنهن السفر لمئات الأميال من أجل الوصول إلى طرق قانونية للإجهاض، سيجبرن على مواصلة حملهن والولادة التي ستؤثر بشكل جسيم على أجسادهن وصحتهن وبالطبع حيواتهن”.
وأضافت “إن رفضت هذه المحكمة مصالح الحرية التي يضمنها رو (ضد وايد) وأعيد تأكيدها في قضية (تنظيم الأبوة ضد كيسي)، فإنها ستكون خروجا صارخا عن مبادئ السوابق القضائية”.
وتنظر المحكمة العليا بأغلبيتها المحافظة التي عززتها إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، للمرافعات الشفهية حول قانون أقرته ولاية مسيسيبي، في عام 2018، ويحظر الإجهاض بعد الأسبوع الـ15 من الحمل.
وخارج أبواب المحكمة وقف مئات المتظاهرين بين مؤيدين لإلغاء الإجهاض ومعارضين لحظره.
تصريحات تلقي الغموض على مصير الإجهاض
ورغم أن المناظرات تهدف إلى التركيز على قانون ميسيسيبي، إلا أن رئيس المحكمة العليا، القاضي جون روبرتس، كان الوحيد الذي ركز عليه، وفقا لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز”.
ورجحت الصحيفة أن ينضم كل من كافاناه وباريت إلى روبرتس في التصويت لصالح إقرار قانون ميسيسيبي، لكنها قالت إنهم “بدوا مستعدين أيضا للمضي قدما في إلغاء حق الإجهاض كليا”.
من جهة أخرى، حذر ثلاثة قضاة ليبراليين من أن المحكمة العليا ستقدم على “خطأ كبير في حال إلغاء أحكام سابقة”، وفقا لما نقلته الصحيفة.
لكن كافاناه أصر على أن بعض أبرز القرارات الصادرة عن المحكمة العليا كانت بإلغاء أحكام في سوابق قانونية، ضاربا المثل بقضية “براون ضد مجلس التعليم” لعام 1954، والذي قلب السوابق القضائية التي دعمت قرارات الفصل العنصري.
وقال كافاناه إنه لو كانت المحكمة قد استمعت إلى الحجج التي تفيد بضرورة الالتزام بالسوابق في تلك القضايا، “ستكون البلاد مكانا مختلفا كثيرا اليوم”.
وردت القاضية، سونيا سوتومايور، على تساؤلات كافاناه الذي استشهد بالعديد من قرارات المحكمة التي ألغت سابقاتها، بالقول إن معظم تلك الحالات تمثلت “باعترافنا وقلب سيطرة الدولة على القضايا التي قلنا إنها تخص الأفراد”.
بينما رجحت “سي أن أن” أن يقوم روبرتس وكافاناه بالبحث “عن حل وسط”.
وذكرت أن روبرتس اقترح أن المحكمة يمكن أن تنظر إلى قانون ولاية ميسيسيبي “كمعيار جديد للصلاحية، بدلاً من قانوني ‘رو’ و’كيسي’، اللذين يشملان أكثر من 20 أسبوعا على الحمل”.
وفي الوقت نفسه، دعا كافاناه ولاية مسيسيبي إلى التأكيد على أنها لا تطلب من المحكمة حظر الإجهاض تماما، أي أنها تؤكد على عدم إلغاء قانون “رو” بل تحد من الوصول إليه بشكل كامل.
وقالت الشبكة إن “كافاناه طرح أسئلة، تشير إلى أنه يميل إلى الحكم لصالح ميسيسيبي وحتى الذهاب إلى أبعد من ‘رو'”.
وتم حظر القانون الذي أقرته مسيسيبي من قبل محكمتين فيدراليتين، ما سمح بوصوله إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة.
ويسمح القانون بالإجهاض بعد 15 أسبوعا “فقط في حالات الطوارئ الطبية أو في حالة تشوه الجنين الشديد” ولا يعطي استثناء للاغتصاب أو سفاح القربى. وإذا أجرى الأطباء عمليات إجهاض خارج حدود القانون، سيتم تعليق أو إلغاء تراخيصهم الطبية وقد يتعرضون لعقوبات وغرامات إضافية.
وجاءت موافقة المحكمة على النظر في القانون بعد أن رفضت أيضا حظر قانون الإجهاض في تكساس، الذي يمنع الإجهاض بعد حوالي ستة أسابيع من الحمل، دون إعطاء أية استثناءات أيضا للاغتصاب وسفاح القربى.
وكثفت الولايات المحافظة في جميع أنحاء البلاد جهودها لتمرير التشريعات التي تقيد حق الإجهاض الذي كفلته المحكمة العليا عام 1973 بتشجيع من الأغلبية المحافظة في المحكمة، بعد إضافة ترامب ثلاثة قضاة محافظين.
وتعد قضية مسيسيبي الوحيدة حتى الآن التي سمحت المحكمة بسماع مرافعات بشأنها، من بين العديد من القضايا، التي أثارت الجدل مؤخرا.
قضية مثيرة للانقسام
ويظل الإجهاض أحد أكثر القضايا إثارة للانقسام في الولايات المتحدة، إذ يستند معارضوه إلى معتقدات دينية في دفاعهم عن “حق الحياة”، بينما يقول نشطاء “حق الاختيار” إن خيار الإجهاض مكفول بضمان دستوري يمنح النساء السيطرة الكاملة على أجسادهن ومستقبلهن.
ولا يتخذ نشطاء حقوق المرأة المؤيدون لـ”حق الاختيار” موقفا قاسيا تجاه الجنين، حيث يرى معظمهم أن اختيار الإجهاض عادة ما يكون الخيار الأقل سوءا من بين العديد من الخيارات السيئة فيما لو احتفظت المرأة بجنينها.
ويدعو أنصار هذه النظرية إلى ضرورة النظر للمرأة كشخص وليس مجرد حاوية للجنين، وبالتالي يجب أن تعطى لها حرية التحكم في الإبقاء عليه أو اجهاضه.
بالمقابل يصر دعاة “حق الحياة” على أن الحق في الحياة يجب أن يتقدم دوما على حق الفرد في المساواة أو التحكم في جسده.
ويقولون إن الإجهاض يعفي المجتمع من القيام بمسؤلياته تجاه المرأة الحامل، إذ يجب أن يوفرها الشروط المادية والصحية لرعاية الجنين.
والإجهاض قانوني في الولايات المتحدة منذ قرار المحكمة العليا في عام 1973، المعروف باسم “رو ضد وايد” لكنه بقي على الدوام موضع انقسام كبير قانون وسياسي وشعبي بين الأميركيين، مع وجود معارضة قوية جدا لدى مؤيدي الحزب الجمهوري مقارنة بأوساط منافسه الديمقراطي.
الخطوة التالية
وبعد انتهاء المرافعات الشفوية، ستنظر المحكمة العليا في القضية.
وسيجلس القضاء التسعة في المحكمة العليا لوحدهم في غرفة للاجتماعات لمراجعة القضية، هذا الأسبوع، وفقا لشبكة “سي أن أن“.
وسيجري الاقتراع وفقا لمناصب القضاة، بدءا برئيس المحكمة روبرتس، الذي سيدلي بصوته والسبب وراء قراره، بعدها تليه بالترتيب كلارينس توماس ثم ستيفن برير ثم سامويل ألتو وسونيا سوتوماير وإيلينا كايغان ثم نيل غورسوتش وكافاناه وآخرهم باريت، التي عينت مؤخرا في المحكمة.
وتقول “سي أن أن” إن آراء القضاة في الغالب تكون معروفة قبل دخولهم للاجتماع، مؤكدة أن اللغة، أو الصياغة، المستخدمة في القرار النهائي تعد “النقطة الحاسمة”.
وسيختار القاضيان الممثلان للأغلبية والأقلية في المحكمة العليا الشخص الذي سيكتب القرار النهائي، وهي عملية قد تستغرق أشهرا، تغلب عليها العديد من المسودات التي ستظل تتنقل بين غرف القضاة، على حد تعبير الشبكة.
وأشارت “سي أن أن” إلى أنه من النادر أن يتغير القرار النهائي خلال صياغته الخطية. وقد تعد إحدى الحالات النادرة على ذلك، تغيير روبرتس نتيجة التصويت عند اعتماد برنامج “أوباما كير” للرعاية الصحية عام 2012، رغم أن القرار الأولي دعا إلى إلغائه.
الحرة