فورين بوليسي: قصة الشيخة لطيفة تكشف عن الوجه الآخر للعنف ضد المرأة في الإمارات
“القدس العربي”: قالت الصحافية البريطانية- المصرية علا سالم في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” إن الملحمة المروعة لأميرة دبي تكشف عن سمعة بلدها الدولية.
وفي مقالها حول دبي “محبوبة الشرق الأوسط التقدمية تسيء إلى سمعتها”، أشارت إلى أشرطة الفيديو التي سجلتها الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم واستعادت محاولة هربها قبل عامين ولحظات القبض عليها الرهيبة وهي تبحر على بعد 30 ميلا من الشواطئ الهندية حيث داهم عدد من قوات الكوماندو القارب الذي كانت عليه. وبعد مقاومة وتخدير فقدت وعيها واستيقظت لتجد نفسها في دبي مرة أخرى، وهو المكان الذي حاولت الهروب منه في المقام الأول.
وتعيش الآن في فيلا تم تحويلها إلى سجن يحرسه خمسة رجال شرطة في الخارج وشرطيتان في الداخل. ولن يوجه لها اتهامات ولكنها لن ترى الشمس أبدا. فالرجل الذي أمر بالقبض عليها هو والدها، حاكم الإمارة ورئيس وزراء الإمارات وواحد من حكام الشرق الأوسط الأقوياء.
وتعلق سالم أن الحقائق الرئيسية حول الشيخة لطيفة مثيرة للصدمة بما فيه الكفاية، ولكنها مثيرة للدهشة لمن يعرف عن دبي وسمعتها كأهم الدول تقدما في دول المنطقة. وتقول إن إساءة معاملة لطيفة على يد والدها ركزت الانتباه على الصدع بين صورة المدينة- الدولة الغنية بالنفط كملجأ آمن للنساء وواقعها الخطير بما في ذلك ما تتعرض له النساء من البيوت المحظوظة.
وبعد ظهور الأشرطة قال مكتب مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إنه سيطلب من الإمارات تقديم أدلة عن لطيفة وأنها في وضع جيد. وقال وزيرا الخارجية الأمريكي والبريطاني إنهما سيتابعان عن قرب تحقيق الأمم المتحدة، ولكن العائلة الحاكمة في دبي أكدت أن الشيخة لطيفة في وضع جيد وتحظى برعاية من عائلتها، وهو زعم لا يحمل الكثير من الوزن بعد التستر على وضعها في 2018.
وآخر مرة شوهدت فيها كانت عام 2018 مع زوجة والدها، الأميرة هيا بنت الحسين وصديقتها مفوضة حقوق الإنسان السابقة ماري روبنسون. وكان الهدف من الصورة هو إثبات أنها على قيد الحياة. وبعد عدة أشهر غادرت الأميرة هيا دبي مع ولديها إلى بريطانيا حيث طلبت حضانة لهما عبر المحكمة. وكشف في أثناء المداولات أن الشيخة لطيفة محتجزة ضد إرادتها وفعلت نفس الشيء مع شقيقتها الكبرى الشيخة شمسة. مما يجعل الأميرة هيا المرأة الثالثة التي تهرب من سيطرة الشيخ محمد.
وتقول لطيفة “قدمت هيا ماري ولم تقل أبدا إنها المفوضة السابقة لحقوق الإنسان، لم تقل أبدا، ولو عرفت لقلت كل شيء” وكان كل الأمر “مدبرا وقمن بخداعي”.
وتقول سالم إن شح المعلومات عن لطيفة وخطة الهروب السابقة والتي فشلت في النهاية أثارت أسئلة حول دبي كوجهة سياسية ومركز تجاري معروفة دوليا بثقافة التسامح والحياة السهلة. وترى أن الصورة التقدمية للبلد نابعة من الواقع، على الأقل من الناحية النسبية بالنسبة للدول في المنطقة. فالمرأة تحصل على العناية الصحية والتعليم وتقود السيارة بدون مشاكل وتعمل في سوق العمل وتسافر وتعيش حياتها بدون أن تأخذ إذنا من وليها، وبخاصة لو أرادت السفر إلى الخارج.
وفي تقرير أخير للمنتدى الاقتصادي العالمي لاحظ أن الإمارات تأتي بالمرتبة الثانية بعد إسرائيل من ناحية المساواة بين الجنسين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولسنوات طويلة كانت الإمارات جذابة للمرأة في المنطقة.
وفي دراسة أعدت عام 2010 وجدت أن 1 من كل 8 نساء ترغب بالهجرة إلى الإمارات، وهي نسبة أعلى من الرجال، وقلن إن الأمن وحرية الحركة هما السببان الجاذبان على الهجرة إلى هناك.
وعززت الإمارات من دور المرأة فقد فتحت لها المجال بدخول الشرطة وعينتها في المجلس النيابي ولتقود الوزارات. وحتى مع هذه القفزات التي حققها البلد إلا أنه لا يزال متخلفا للوراء، فهي تأتي بالمرتبة 120 من 153 على مستوى العالم من ناحية المساواة بين الجنسين، مما يكشف عن العمل المطلوب منها والمنطقة.
وفي الإمارات فالكثير من المشاكل تذهب أبعد من حلها عبر فتح المجال للمرأة المشاركة في السياسة العامة، فالحياة العائلية تغطيها قوانين من الشريعة الإسلامية والتي تعطي الرجل حق اتخاذ القرارات الهامة في حياة النساء، سواء في الزواج أو الطلاق. وعادة ما يستخدم الرجال هذه السلطة لابتزاز النساء المطالبات بالطلاق للتخلي عن حقوقهن مقابل الطلاق. وفي العادة ما يقبلن حتى يتخلصن من حياة زوجية تقوم على الانتهاك.
وظل العنف المنزلي مقبولا كشكل من أشكال الضبط حتى 2019 وكما أكدته المحكمة العليا في 2010. وفي تعديل جديد للقانون اشترط ألا يترك العنف الجسدي علامات يمكن اعتبارها انتهاكا، وفتح المجال أمام المرأة فرصة الحصول على أمر من المحكمة يضبط تصرفات الرجل.
ويعرف القانون الجديد العنف المنزلي بأنه أي إيذاء جسدي، قولي أو بالتهديد الذي يطلقه أحد أفراد العائلة ضد فرد آخر من عائلة أخرى ويعتبر تجاوزا لولايته وصلاحياته وسلطته ومسؤوليته مما يترك مساحة واسعة أمام القضاة لتفسيره. وتعرف الحالة هذه المحاكم في الإمارات برجعيتها وعادة ما يظهر القضاة لينا مع من يرتكبون العنف المنزلي.
ولاحظ تقرير للحكومة الأمريكية أن عدم اكتراث الحكومة الإماراتية “بفعالية قوانين العنف الأسري ضد المرأة بما في ذلك انتهاكات الزوج يظل مشكلة”. وبهذا المعدل أشار تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن المنطقة تحتاج إلى 150 عاما لسدة الثغرة بين الجنسين. هذا لو افترضنا أن قيادة البلد ملتزمة بتحقيق الأهداف المنشودة. فبعد كل هذا كان الشيخ محمد هو الذي دافع وسرع قانونا لحماية الأطفال بعد قضية في 2012 اتهم فيها أب وزوجة أب بتعذيب ابنتهما حتى الموت، والآن فقد اتهم بتعذيب أولاده، ومن الإنصاف التساؤل حول صدقيته.
وبالنسبة للنساء في الإمارات فالانتهاكات منتشرة بدون قنوات لرفع أصواتهن أو التعبير عن مظلوميتهن. وقالت آلاء صديق، الناشطة الحقوقية الإماراتية، إن هناك حالات أخطر من قضية الشيخات “لقد صدمنا (لسماع القضية) والجميع يتمنى أن تكون الأميرة حية”، ولكن “كل قضية مختلفة والنهاية متشابهة. ولماذا وصلن لهذه النهاية، غياب القانون الحامي والمؤسسات المستقلة في البلد”.
وتكشف قصة الأميرات في دبي أن أكثر الحكام تقدما في المنطقة يمارسون الاضطهاد في بيوتهم ولا تستطيع المرأة الاعتماد على إصلاحات الدولة لحمايتهن. ولهذا تحتاج هذه النساء الشجاعات لوسائل دولية لمساعدتهم للحصول على حقوقهن أو نشر قصصهن. ولو تمت معاملة نساء محظوظات مثل الأميرة لطيفة فما هي فرصة النساء الأخريات في المنطقة!