خبراء يجيبون الجزيرة نت.. أي دور تلعبه “سي آي إيه” في أوكرانيا؟
في سبتمبر/أيلول 1949، هبط عميلان أوكرانيان يعملان مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه” (CIA) بالقرب من مدينة لفيف بأوكرانيا، حين كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي سابقا. وكان العميلان على رأس عملية سرية هدفها التواصل مع المتمردين المناهضين لضم أوكرانيا للاتحاد السوفياتي، وكان يقدر عددهم بعشرات الآلاف.
استطاعت الاستخبارات السوفياتية اختراق العملية، واختفى ما لا يقل عن 3 أرباع عملاء “سي آي إيه”. وبحلول منتصف الخمسينيات، كانت موسكو قد قمعت التمرد الأوكراني تماما بعدما شردت وقتلت مئات الآلاف من الأوكرانيين.
واعتبر المؤرخون الأميركيون تدخل “سي آي إيه” حينذاك “مشؤوما ومأساويا” طبقا لمراجعة داخلية أجرتها الوكالة، وتطرقت إليها مجلة “نيويورك تايمز” (New York Times) مؤخرا.
وعلى إثر الغزو الروسي لأوكرانيا الذي يقترب من انتهاء أسبوعه السادس، يستدعى بعض المعلقين الإخفاق الاستخباراتي القديم، بينما يزداد حماس آخرين لنجاح “سي آي إيه” في دورها داخل أوكرانيا هذه المرة.
وقد استطلعت الجزيرة نت آراء 3 خبراء عسكريين واستخباريتين حول دور الوكالة في المعارك الجارية داخل الأراضي الأوكرانية، وجاء رؤيتهم على النحو التالي:
حاليا.. الدور محدود
يقول ديفيد دي روش، أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، والمسؤول السابق بحلف الناتو وبوزارة الدفاع الأميركية، إن الوجود الاستخباراتي الأميركي والأوروبي داخل أوكرانيا كان قبل الهجوم الروسي كبير وفعال بدرجة جيدة، ونجحت “سي آي إيه” في تحديد مواقع القوات الروسية ونواياها وخطط تحركاتها.
ووفق دي روش، نجحت الوكالة بإصدار إخطارات في الوقت المناسب بخصوص التحركات الروسية المحتملة. ولكن في الوقت ذاته، أخفقت استخبارات أميركا وبقية دول حلف الناتو في تحديد “الحالة المتدنية” إلى حد ما للقوات المسلحة الروسية، ولا سيما المشاكل التي يعانون منها مثل انخفاض الروح المعنوية والخدمات اللوجستية وضعف قيادة القوات الرئيسية.
وهذه المشاكل تقليدية في طبيعتها، فأجهزة الاستخبارات عموما جيدة في تحديد العوامل التي يمكن أن تُقاس بشكل موضوعي، ولكن أداءها يقلّ في قياس ما هو غير ملموس مثل الروح المعنوية.
وحاليا، يعتقد دي روش أن الدور الرئيس الذي تلعبه الاستخبارات الأميركية داخل أوكرانيا أصبح محدودا، ويركز على مشاركة تقديراتهم الاستخباراتية مع الجانب الأوكراني. كما توفر “سي آي إيه” ما تحصل عليه عن طريق أجهزة التنصت الخاصة بها عن تحركات ومحادثات القوات الروسية. وهذا من شأنه أن يسمح للأوكرانيين بتغيير مناطق نشر قواتهم في النواحي التي تقترب من القوات الروسية، وتعديل مواقعها عند الضرورة.
وربما توفر أيضا كمية كبيرة من المعلومات الاستخباراتية التكتيكية حول مواقع دقيقة للدبابات الروسية، ومن ثم يتم استهدافها مما يسبب قدرا أكبر من الضرر بالقوات الروسية.
تدخل حاسم
أما جيفري روغ، الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الاستخباراتية والأمنية بأكاديمية سيتاديل العسكرية بولاية كارولينا الجنوبية، فيعتقد أن عمل الاستخبارات الأميركية هو أحد الأسباب التي جعلت أوكرانيا قادرة على مقاومة روسيا.
ووفق روغ، فقد استثمرت الوكالة على مدار سنوات في إعداد الأوكرانيين لهذه المعركة، ولكن حتى مع هذا التدريب ومع كل الأسلحة التي ترسلها الولايات المتحدة ودول أخرى إلى أوكرانيا، لم يكن الأوكرانيون بنفس القدر من الفعالية بدون الدعم الاستخباراتي المستمر.
وكانت التقارير تفيد بأن الولايات المتحدة تقدم معلومات استخباراتية حاسمة، مثل استخبارات الإشارات والصور، والتي سمحت للأوكرانيين بضرب الروس عندما يكونون في الجانب الأضعف.
ويقول روغ إن روسيا فقدت عددا كبيرا من الجنرالات، ولكن هذا ليس مجرد حظ أو مهارة من جانب الأوكرانيين، “بل أظن أن الاستخبارات الأميركية ساعدت في تحديد موقع كبار ضباط الجيش الروسي واستهدافهم”.
لكن الخبير الأمني يشير إلى مخاطر على دور الاستخبارات الأميركية في أوكرانيا، ويقول “ليس سرا أن الولايات المتحدة تسلح أوكرانيا لقتل الروس، ولكن من شبه المؤكد أن تغتنم روسيا كل فرصة ممكنة للانتقام. وإذا ساعدت واشنطن في قتل الجنرالات الروس، فقد يجد جنرالات أميركا أنفسهم في مرمى روسيا”.
تعزيز المقاومة الأوكرانية
وبرأي جوزيف فيتسناكيس، أستاذ الدراسات الاستخباراتية والأمنية بجامعة كارولينا الساحلية، كانت التقديرات الأميركية لإمكانات القوة العسكرية الروسية قبل غزو أوكرانيا دقيقة إلى حد كبير، وشكّلت وكالات الاستخبارات الأميركية، وخاصة والاستخبارات الدفاعية ووكالة الاستخبارات المركزية، صورة دقيقة نسبيا لإمكانات القوة العسكرية الروسية، من حيث قوتها المادية.
وعلاوة على القوة الملموسة، فسّرت الاستخبارات الأميركية النوايا الروسية بشأن أوكرانيا بدقة ملحوظة، وباتت تلعب دورا مركزيا منذ غزو أوكرانيا.
ويقول الخبير إن القوات الخاصة الأوكرانية هي المسؤولة في المقام الأول عن النكسات التي عانى منها الجيش الروسي خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ وتمكنت من صد هجوم روسي واسع النطاق بطائرات الهليكوبتر على مطار أنتونوف في هوستوميل، شمالي غرب كييف. ولمواجهة هذه المقاومة أرسل الروس ألوية الهجوم الجوي 11 و31 التابعة للحرس الوطني، لكنهم أخفقوا في تأمين المطار.
بالإضافة إلى ذلك، يقول إن المعرفة العميقة من قبل سي آي إيه بالقدرات العسكرية للقوات الروسية سمحت لواشنطن وحلفائها في حلف (الناتو) بتزويد الأوكرانيين بأنواع الأسلحة اللازمة لمكافحة الوحدات المدرعة الروسية المتقدمة، خاصة في بيئة الحرب الحضرية ومناطق الضواحي.
ويعتقد الخبير الأميركي أن أسلحة مثل صواريخ جافلين المحمولة (أرض-جو)، أو المضادة للدبابات، أثبتت فعاليتها في منع القوات الروسية من تطويق معظم المدن الأوكرانية الكبرى. وكانت العملية الاستخباراتية لتزويد الأوكرانيين بمثل هذه الأسلحة ناجحة للغاية، وهو ما دفع الحلفاء الغربيين إلى زيادة إنتاجها.
Aljazeera