حمية الكيتو.. طريقة لإنقاص الوزن أم وصفة لأمراض القلب؟
بعد النجاح الهائل الذي حققته حمية الكيتو، بدأ العديد من أطباء القلب وعلماء التغذية يعيدون النظر في مسببات أمراض القلب الفعلية، لا سيما وأنّ حمية الكيتو تقوم على تقليل كبير في النشويات والاعتماد على الدهون كمصدر بديل. ثم أدّت هذه المراجعات إلى استدخال حمية الكيتو في علاجات أمراض السكّري والسرطان إذ اتضح للعلماء أن خلايا الأورام السرطانية تتغذى على الغلوكوز الآتي من الخبز والنشويات عموما وأن القطيعة مع الخبز حل وارد لإيقاف تقدم المرض بل والشفاء منه.
يأتي ويذهب ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى من الحميات الغذائية كل يوم، لكن في هذه الأيام هناك نظام لا نتوقف عن السماع به، سواء كنت تسميها حمية منخفضة الكربوهيدرات أو حمية أتكينز أو الكيتو أو باليو فإن المبدأ هو نفسه: تقليل الأطعمة النشوية والشبع من الدهون والبروتينات.
يعتمد المتخصصون في السمنة ومرض السكري على الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات بازدياد، ويُظهِر عدد متزايد من التجارب أن هذا النهج يساعد الناس على إنقاص الوزن على الأقل مثل الأنظمة التقليدية منخفضة الدهون والسعرات الحرارية، ويأكل المزيد من الناس بهذه الطريقة لا لإنقاص الوزن ولكن لأنهم يرون أنها أكثر صحة.
ومع ذلك، يُحذِّر العديد من الأطباء من خطورة تناول الكربوهيدرات المنخفضة، ويشيرون إلى دراسات سكانية واسعة النطاق تربط الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات بزيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتة الدماغية والوفاة المبكرة.
الأمر المُحيِّر هو أن هذه التحذيرات لا يبدو أنها تتوافق مع نتائج التجارب السريرية، وهي عموما نوع من الأدلة الطبية أفضل من الدراسات السكانية. أظهر العديد الآن أن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات بشكل عام لا ترفع مستويات “الكوليسترول الضار”، الذي يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه عامل خطر رئيسي للنوبات القلبية والسكتة الدماغية، وحتى في الأشخاص الذين يشهدون ارتفاعا، تتحسّن المؤشرات الأخرى لصحة القلب عادة.
إنه أمر مُحيِّر للغاية، لدرجة أن البعض يتساءل عما إذا كانت أسباب أمراض القلب خاطئة. يقول إريك ويستمان، أخصائي السمنة بجامعة ديوك في نورث كارولينا: “لقد دفعني هذا إلى التساؤل عما إذا كنت أومِن بفرضية الكوليسترول على الإطلاق”.
نظرا لتهديد معدلات السمنة ومرض السكري المتزايد للصحة العامة، أصبحت الأسئلة حول سلامة الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات مُلِحَّة بشكل متزايد. إذن، هل التخلص من الكربوهيدرات طريقة آمنة لفقدان الوزن والبقاء بصحة جيدة أم أنه وصفة للنوبات القلبية؟
اشتهرت الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات لأول مرة في السبعينيات من خلال طبيب القلب في نيويورك روبرت أتكينز، الذي فقد وزنه بنفسه بهذه الطريقة وأوصى بها في كتب النظام الغذائي والطهي. نصيحته بتناول شرائح اللحم والقشدة والزبدة مع تجنب معظم الفاكهة والخضراوات جعلته منبوذا من العلاج. قال النقاد إن الناس لن يكونوا قادرين على التمسك بها، وإذا فعلوا ذلك فسيقتلهم، كما يقول ويستمان الذي درس في عهد أتكينز.
بالنسبة لكثير من الناس، من الواضح أن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات تعمل. بحلول أوائل التسعينيات، أظهرت التجارب العشوائية أن مثل هذه الأنظمة الغذائية جيدة، على الأقل مثل تلك قليلة الدسم، لفقدان الوزن، وغالبا ما تكون أفضل قليلا. في إحدى التجارب، فقد الأشخاص الذين يتبعون نظاما غذائيا منخفض الكربوهيدرات 4.4% في المتوسط من وزن أجسامهم بعد عام، مقارنة بـ 2.5% بين أولئك في مجموعة قليلة الدهون. وعلى عكس التحذيرات، فإن مستويات الكوليسترول لدى الناس ونتائج اختبارات الدم الأخرى تتحرك عموما في الاتجاه الصحيح، يقول ويستمان الذي قاد بعض تلك الدراسات: “كانت تلك لحظة عظيمة”.
ما التفسير؟ الفكرة المركزية هي أن التحكم في الوزن يتطلب أكثر من مجرد حساب السعرات الحرارية. بداية، فإن الكمية نفسها من السعرات الحرارية من الدهون أو البروتين تجعل الناس يشعرون بالشبع أكثر مما لو أن هذه الكمية جاءت من الكربوهيدرات، وهو ما يُفسِّر سبب إصابة الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية منخفضة الكربوهيدرات بجوع أقل من أولئك الذين يتبعون حمية منخفضة الدهون. ساعدت دراسات ويستمان في إظهار أنه على الرغم من أن معظم الأشخاص الذين يتبعون حمية منخفضة الكربوهيدرات لا يحتسبون السعرات الحرارية، فإنهم يميلون إلى استهلاك 1200 إلى 1500 سعر حراري فقط في اليوم، أي أقل بكثير من 2000 سعر حراري يوميا للنساء و2500 للرجال. يقول ويستمان: “إنهم يأكلون أقل لأنهم ليسوا جائعين”.
التبصر الرئيسي الآخر يتعلق بما يحدث عندما نغير مصدر الطاقة الرئيسي في الجسم. إننا عادة ما نغذي خلايانا بالجلوكوز، وهو سكر بسيط تتحول إليه أشكال السكر أو النشا كافة. يعتبر الجلوكوز شديد التفاعل، لذلك تحافظ أجسامنا عادة على الكمية الموجودة في الدم ضمن نطاق ضيق لتجنب تلف الأوعية الدموية وهياكل الخلايا. عندما ترتفع مستويات الجلوكوز بعد تناول الطعام، نطلق بسرعة هرمون الإنسولين الذي يخبر الخلايا بالبدء في تناول الجلوكوز واستخدامه وتخزينه.
للإنسولين مجموعة من التأثيرات الأخرى، ولكن يمكن تلخيصها في أنها إشارة إلى أجسامنا بأننا حصلنا على تدفق للسعرات الحرارية ونحتاج إلى التخلص منها. الأمر الحاسم أن الإنسولين يجعل الخلايا الدهنية تُحوِّل الجلوكوز إلى دهون وتخزينها. لكن في حالة عدم وجود الجلوكوز، يكون للجسم مصدر وقود بديل: الدهون. اعتمادا على نوع الخلية، يمكن تحويل الدهون المخزنة إلى أحماض دهنية أو إلى جزيئات تسمى الكيتونات، التي يمكن استخدامها للحصول على الطاقة. يحدث هذا عادة بين عشية وضحاها عندما نقضي عدة ساعات دون تناول أي كربوهيدرات.
سبب وجود الكربوهيدرات المنخفضة هو تقليل إفراز الإنسولين وتزويده بالكيتونات بأكبر قدر ممكن. بالنسبة لمعظم الناس، يحدث التحول إلى ما يعرف باسم “الكيتوزية” في غضون أيام قليلة من خفض الكثير من الكربوهيدرات. يُعرف تناول مستويات منخفضة جدا من الكربوهيدرات أيضا باسم النظام الغذائي الكيتوني.
بالإضافة إلى الأشخاص الذين يحاولون إنقاص الوزن، اعتمد العديد من الأشخاص نظاما غذائيا منخفض الكربوهيدرات أو نظام كيتو لأنهم يرون أنه طريقة للعيش بشكل صحي وإطالة العمر الافتراضي. يعتقد بعض أتباع الكيتوزية أن الدخول في الحالة الكيتونية له مجموعة من الفوائد الأيضية، بما في ذلك درء السرطان ومرض الزهايمر على الرغم من عدم وجود دليل جيد على ذلك. يستخدم أطباء الأعصاب أنظمة غذائية منخفضة الكربوهيدرات للحث على الكيتوزية بوصفها علاجا لأشكال معينة من الصرع، وتُفحَص في حالات أخرى كذلك.
إنَّ ما منح تناول الكربوهيدرات المنخفضة شرعية أكبر مؤخرا هو تأثيرها على مرض السكري من النوع الثاني. تحدث هذه الحالة عندما تصبح خلايا الجسم أقل حساسية للإنسولين، وهي حالة تُعرف بمقاومة الإنسولين، مما يؤدي إلى ارتفاع خطير في نسبة السكر في الدم بعد الوجبات. على المدى الطويل، تساهم هذه الزيادات في السكر في العديد من العواقب الصحية لمرض السكري، بما في ذلك تلف الأعصاب وأمراض الكلى والقلب.
تقول العقيدة الطبية إنه نظرا لأن مرض السكري يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، فمن المهم جدا أن يتجنَّب المصابون الدهون المشبعة الموجودة رئيسيا في اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، حيث يُعتقد أنها ترفع نسبة الكوليسترول في الدم وتؤدي إلى انسداد الشرايين. نصيحة الخدمة الصحية الوطنية في مرض السكري من النوع 2 هي أنه يجب على الناس تقليل الدهون إلى الحد الأدنى وتناول الأطعمة النشوية مثل المعكرونة، على سبيل المثال.
لكن هذا يتجاهل حقيقة أن مرضى السكري قد يجدون فائدتين في الكربوهيدرات المنخفضة. بالإضافة إلى فقدان الوزن الذي يُحسِّن من حساسية الإنسولين لديهم، فإن تجنُّب النشا والسكر يقلل من ارتفاع السكر في الدم. تذكَّر أن النشا عبارة عن سلاسل طويلة من جزيئات السكر. غالبا ما يقيس الأشخاص المصابون بالسكري نسبة السكر في الدم في المنزل، ويمكنهم أن يروا بأنفسهم أن بدء اليوم مع اللحم والبيض يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدم بنسبة أقل من الخبز المحمص أو الحبوب.
قد يقول المشككون إنه في حين أن بضعة أيام من تناول الكربوهيدرات المنخفضة تؤدي إلى انخفاض مستويات السكر في الدم، فإن من الصعب الالتزام بهذه الطريقة في تناول الطعام. هناك أدلة مختلطة حول هذه القضية. على سبيل المثال، وجدت مراجعة لعشر تجارب معشّاة أن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات كانت أكثر فعالية من الأنظمة الغذائية قليلة الدسم في تحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم لدى مرضى السكري خلال العام الأول، لكن الاختلافات اختفت بعد ذلك. ولكن هناك أدلة على أنه بالنسبة لأولئك الذين يحافظون على ذلك، يمكن أن تستمر الفوائد الصحية على المدى الطويل، مثل دراسة أُجريت على 128 شخصا يعانون من داء السكري من النوع 2 الذين ذهبوا إلى جلسات استشارية منخفضة الكربوهيدرات يُديرها ديفيد أونوين، طبيب الأسرة في ساوثبورت في المملكة المتحدة. بعد متابعة لمدة عامين في المتوسط، تمكّن نحو النصف من التوقف عن تناول جميع أدوية السكري.
بدأ الكثيرون في التساؤل عما إذا كان “الكوليسترول الضار” يُمثِّل بالفعل خطرا على صحة القلب بسبب نتائج مثل هذه، وبدأ أطباء السكري ومجموعات دعم المرضى في التشكيك في العقيدة منخفضة الدهون أيضا. تقول هيئات مثل “Diabetes UK” و”Diabetes Australia” الآن إن تناول الكربوهيدرات المنخفضة هو خيار صالح لفقدان الوزن. وقبل عشر سنوات، لم يكن من الممكن أن نسمع ذلك. ثمَّ خطت جمعية السكري الأميركية خطوة أخرى إلى الأمام العام الماضي وقالت إنه من بين جميع الإستراتيجيات الغذائية فإن الكربوهيدرات المنخفضة لديها أكثر الأدلة الداعمة لتحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم.
ومع ذلك، مع اعتماد المزيد من الناس لهذه الطريقة في الأكل، تجددت التساؤلات حول سلامتها. في بعض الحالات، يمكن أن تؤدي الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات إلى تغيير مثير للقلق في مستويات الكوليسترول لدى الأشخاص.
إن فكرة أن أنواعا معينة من الكوليسترول يمكن أن تُسبِّب تراكم لويحات خطيرة داخل أوعيتنا الدموية هي إحدى ركائز الطب السائد. هناك عدة أنواع مختلفة من جزيئات الكوليسترول في الدم؛ نوع يسمى البروتين الدهني عالي الكثافة “HDL”، وهو يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالنوبات القلبية، وهذا ما يُعرف أحيانا بالكوليسترول الجيد، والكوليسترول الضار هو نوع يسمى البروتين الدهني منخفض الكثافة أو”LDL”، ويُعتقد أيضا أن نوعا آخر من الجزيئات الدهنية يسمى الدهون الثلاثية ضار كذلك.
يرى بعض الأشخاص الذين يتبعون أنظمة غذائية منخفضة الكربوهيدرات أن مستويات الكوليسترول الضار ترتفع ارتفاعا ملحوظا. على الرغم من أنهم يبدون أقلية، فإن عدد هؤلاء “المستجيبين المفرطين”، كما ُيطلق عليهم، غير واضح. يُقدِّر ويستمان أن نسبة ضئيلة فقط من الأشخاص الذين يجربون مثل هذه الأنظمة الغذائية سيكونون مفرطي الاستجابة. في إحدى تجاربه من عام 2004، انسحب شخصان من أصل 59 اختيروا بشكل عشوائي إلى منخفض الكربوهيدرات بسبب ارتفاع مستويات الكوليسترول السيئ لديهم.
يقول ويستمان وآخرون إنهم يتعلمون في أغلب الأحيان عن هذه الاستجابة لدى الأشخاص النحيفين وذوي العضلات نسبيا، وهو يعتقد أنه قد يسمع الآن عن المزيد من هذه الحالات، لأن تناول الكربوهيدرات المنخفضة بات يعتمد بازدياد بوصفه نهجا طويل المدى لتناول الطعام الصحي وليس مجرد إستراتيجية قصيرة المدى لفقدان الوزن.
ليس عليك أن تكون نحيفا ومعضّلا لكي تكون لديك استجابة مفرطة، حيث لاحظ فيبان بهاردواج، وهو طبيب الأسرة في ووكينغهام بالمملكة المتحدة، ارتفاع الكوليسترول الضار في اثنين من أصل 38 من مرضاه الذين بدأوا في تناول الكربوهيدرات المنخفضة لمرض السكري، يقول بهاردواج: “لقد روّعنا الأمر”.
الأمر الغريب في المستجيبين المفرطين هو أنه بينما يرتفع مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة، فإن المؤشرات الصحية الأخرى تميل إلى التحرك في الاتجاه الصحيح. وتشمل هذه المواد البروتين الدهني عالي الكثافة “HDL” والدهون الثلاثية وضغط الدم والعديد من القياسات الأخرى المرتبطة باستجابة الجلوكوز والإنسولين. كان هذا هو الحال بالنسبة لاثنين من المستجيبين المفرطين لدى بهاردواج. وازداد اطمئنانا بفضل مسح الشرايين إلى القلب للتحقق من وجود أي لويحات، يقول: “ترى ما يحدث بالفعل تحت غطاء المحرك، لقد كانوا بخير تماما”.
حقيقة أن بعض الناس يرون ارتفاعا في مستويات الكوليسترول السيئ عند اتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات بينما تتحسن المعايير الأخرى يقود البعض الآن إلى التساؤل عما إذا كانت الدهون منخفضة الكثافة حقا محددا رئيسيا للمخاطر على قلوبنا. بُنيت الكثير من القضايا ضد هذا النوع من الكوليسترول على دراسات سكانية أُجريت في العقود القليلة الماضية، التي وجدت أن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية من الدهون منخفضة الكثافة كانوا أكثر عُرضة للإصابة بالنوبات القلبية.
لكن هذه الأنواع من الدراسات يمكن أن تجد فقط الارتباطات بين علامات الدم والنتائج الصحية، ولا تثبت أن أحدهما يؤدي إلى الآخر. يمكن أن يكون السبب الجذري لأمراض القلب شيئا آخر ترتفع على إثره مستويات الدهون منخفضة الكثافة بوصفها أثرا جانبيا.
يقول جاري توبيس، وهو الصحفي العلمي الأميركي الذي لطالما كان من دعاة تقليل الكربوهيدرات، وقد كتب للتو كتابا بعنوان “فيما يخص الكيتو“، إن المشتبه به الرئيسي لهذا الشيء الآخر هو “مقاومة الإنسولين”.
هذه الفكرة لا تتعارض كثيرا مع فهمنا الحالي للأسباب الجذرية لأمراض القلب. يدرك الأطباء بالفعل أن داء السكري من النوع 2 والسمنة وأمراض القلب كثيرا ما تترافق مع “متلازمة التمثيل الغذائي”. ومع ذلك، فبدلا من أن تكون أمراض القلب اضطرابا في “القنوات المتضررة” حيث تنسدّ الشرايين لأننا نستهلك الكثير من الدهون، فقد تكون المشكلة الحقيقية هي الاستعداد لمقاومة الإنسولين، التي بدورها تعزز مستويات الإنسولين وتخزين الدهون ومرض القلب. ويقول توبيس: “إذا كان هذا صحيحا، فقد ارتكب مجتمع البحث الطبي خطأ فادحا وما زلنا بحاجة إلى إصلاحه”.
دليل آخر مهم جعلنا نعتقد أن الدهون منخفضة الكثافة عامل مهم هو نجاح الأدوية المخفضة للكوليسترول التي تسمى الستاتينات التي تقلل من معدلات النوبات القلبية وفق تجارب معشّاة متعددة، وهي أكثر أنواع الدراسات الطبية احتراما. لكن العديد من الأدوية الأخرى التي تخفض مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة لا تحمي من النوبات القلبية، وللستاتينات تأثيرات عديدة على الجسم، بما في ذلك تخفيف الالتهاب الجهازي منخفض المستوى. وقد تكون العقاقير المخفضة للكوليسترول في الواقع تحمي القلب من خلال آثارها المضادة للالتهابات.
يقول البعض إن وصول العقاقير المخفضة للكوليسترول هو ما جعلنا نركز بشدة على مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة. يقول بريت شير، وهو طبيب القلب الأميركي والمدير الطبي لموقع الويب “دايت دكتور” الذي يروج لتناول الطعام منخفض الكربوهيدرات: “يقضي الأطباء 5 أو 10 دقائق فقط مع المريض، ولذا فمن الملائم كتابة وصفة طبية ومتابعة البروتين الدهني منخفض الكثافة”.
بينما يركز الأطباء الممارسون على مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة لمرضاهم، يتناقش أطباء القلب الذين يدرسون المؤشرات الحيوية لصحة القلب هذه الأيام حول ما إذا كانت مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة هي بالفعل المؤشر الأكثر أهمية، أو ما إذا كانت أشياء مثل نسبة الكوليسترول الكلي إلى البروتين الدهني عالي الكثافة، أو نسبة الدهون الثلاثية إلى البروتين الدهني عالي الكثافة، سيكون أكثر فائدة. سيكون المستجيبون المفرطون بخير إن حُكم على مؤشراتهم الحيوية اعتمادا على أيٍّ من هذين المقياسين: ارتفاع مستويات البروتين الدهني عالي الكثافة، وانخفاض مستويات الدهون الثلاثية لديهم.
وجدت إحدى التجارب التي غالبا ما تستخدم لتأكيد مخاطر الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات أن الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع 2 شهدوا ارتفاع مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة بنسبة 10% في المتوسط بعد عام من اتباع النظام الغذائي. ومع ذلك، كان هناك تحسن في معظم المؤشرات الصحية الـ 25 الأخرى التي تُتبِّعت مثل الوزن وضغط الدم والبروتين الدهني عالي الكثافة. انخفضت درجة المخاطر الإجمالية للمشاركين للإصابة بأمراض القلب بنسبة 12%.
توضيحا لمدى إرباك هذا الأمر للجمهور، استُشهِد بهذه التجربة بالذات دليلا ضد تناول الكربوهيدرات المنخفضة -لأن مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة قد ارتفعت- ولصالح هذه الحمية إذ إن المخاطر الإجمالية انخفضت. يقر شير بأننا لا نعرف حتى الآن مدى خطورة الأمر إذا عانى الأشخاص الذين يتبعون حمية منخفضة الكربوهيدرات من ارتفاع مستويات البروتين الدهني منخفض الكثافة لديهم بينما تتحسن المؤشرات الصحية الأخرى. ما نحتاج إليه هو المزيد من الدراسات التي تتبع المستجيبين المفرطين بمرور الوقت لمعرفة ما إذا كانوا يصابون بأمراض القلب.
في غضون ذلك، أين يترك عدم اليقين الشخص العادي الذي يريد أن يفقد بضعة أرطال فحسب؟ يقول ويستمان إن ظهور المستجيبين المفرطين لا ينبغي أن يمنع الناس من تجربة تناول الكربوهيدرات المنخفضة. “سيكون هذا جنونا، مثل إخبار شخص ما بعدم تناول دواء مفيد لأنه في بعض الأحيان يكون له آثار جانبية”.
من ناحية أخرى، وعلى عكس معظم الأدوية، فإننا لا نعرف مدى شيوع هذا التأثير الجانبي. تميل التجارب إلى الإبلاغ عن التغييرات العادية في مستوى البروتين الدهني منخفض الكثافة عن مجموعة المستجيبين المنتمين إلى الكربوهيدرات المنخفضة فحسب.
على الرغم من الحماس الجديد لهذه الحميات بين المتخصصين في مرض السكري والسمنة، فإن العديد من أخصائيي القلب وأخصائيي التغذية ما زالوا ينتقدون الأمر. قال تقرير مشترك صدر عام 2019 حول الوقاية من أمراض القلب من جهتين أميركيتين لأمراض القلب إن النظم الغذائية منخفضة الكربوهيدرات مرتبطة بارتفاع معدلات الوفيات. تقول دونا أرنيت من جامعة كنتاكي وهي من مؤلفي المبادئ التوجيهية: “لا يزال الدليل ضعيفا حول سلامة القلب والأوعية الدموية على المدى الطويل في النظام الغذائي الكيتون”.
تقول تريسي باركر وهي أخصائية التغذية في مؤسسة القلب البريطانية: “هناك أدلة متضاربة”، فنحن نعلم أن الدهون المشبعة تزيد من نسبة الكوليسترول في الدم. يقول باركر إنه إذا كان الناس عازمين على تقليل تناول الكربوهيدرات، فإن الرهان الأكثر أمانا هو استبدال الكربوهيدرات بزيوت من النباتات والأسماك. ومع ذلك، فهي تقر بأن هذا من شأنه أن يجعل ما هو بالفعل نظام غذائي مقيد أكثر تقييدا من ذلك، لأنه سيتعين على الناس تجنب جميع الأطعمة النشوية والسكرية ولكن أيضا اللحوم ومنتجات الألبان.
يقول روي تيلور، أخصائي مرض السكري في جامعة نيوكاسل في المملكة المتحدة، إن الأمر لا يعني أن تناول الكربوهيدرات المنخفضة هو الطريقة الوحيدة لفقدان الوزن. كان تايلور رائدا في استخدام مشروبات استبدال الوجبات لمساعدة الأشخاص على إنقاص الوزن بسرعة عند اتباع نظام غذائي منخفض السعرات الحرارية وقليل الدهون، وأظهر أنه إذا كان الأشخاص المصابون بداء السكري من النوع 2 يمكن أن يفقدوا نحو 15 كيلوغراما بهذه الطريقة، وأنه يمكنه أيضا إدخال مرض السكري في مرحلة الشفاء.
لسوء الحظ، لم تستمر أيٌّ من التجارب التي قارنت الحمية منخفضة الكربوهيدرات مع الأنظمة الغذائية قليلة الدهون لفترة طويلة بما يكفي لمعرفة الطريقة التي تساعد الأشخاص على الحفاظ على الوزن لفترة طويلة. في الواقع، استنتجت مراجعة حديثة للعديد من الأنواع الغذائية المختلفة، بما في ذلك منخفضة الكربوهيدرات وقليلة الدهون وحمية البحر الأبيض المتوسط، أن معظم الناس استعادوا الوزن الذي فقدوه بعد 12 شهرا من بدئهم على أي حال.
بالطبع لا يمكن للجميع الالتزام بنظام غذائي منخفض الكربوهيدرات، يجد البعض أنهم يفتقدون الخبز والأرز والمعكرونة. يقول مايك لين من جامعة جلاسكو بالمملكة المتحدة، الذي عمل مع تايلور في إستراتيجية النظام الغذائي لاستبدال الوجبات، إن عيادته الخاصة بالسمنة تقدم الآن نصائح حول الأنظمة الغذائية منخفضة الدهون ومنخفضة الكربوهيدرات على حدٍّ سواء، ويقول: “يمكن للناس استخدام كل ما يمكنهم إنقاص الوزن بشكل أفضل، سواء كان حمية منخفضة الدهون أو منخفضة الكربوهيدرات ولم نجد فرقا في فقدان الوزن”.
فكرة أن الأشخاص المختلفين قد يجدون نتائج أفضل في أطعمة متباينة تدعمها الأبحاث الحديثة التي تشير إلى أنه لا يوجد شيء مثل نظام غذائي صحي واحد يناسب الجميع. بدلا من ذلك، قد تؤثر العوامل الوراثية والعادات وميكروبيومات الأمعاء على كيفية تعامل أجسامنا مع العناصر الغذائية في نظامنا الغذائي.
ومع ذلك، فحتى لو كان أقصى ما يمكننا قوله بشأن الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات هو أنها تعمل على إنقاص الوزن وأنها آمنة لمعظم الناس، فسيظل هذا تغييرا ملحوظا عن العقيدة الصارمة السابقة القائلة إن الدهون المشبعة هي طريق لا مفر منه إلى النوبة القلبية.
في الوقت الحالي، هناك أسئلة أكثر من الإجابات. ولكن حتى قبل ظهور حمية الكربوهيدرات المنخفضة، كانت هناك مخاوف متزايدة من أن نظرية الكوليسترول لأمراض القلب إنما تقف على أرضية مهتزة، والآن يجعل المستجيبون المفرطون الأمر يبدو أكثر تذبذبا. ويقول شير: “هناك احتمال أن هذه المجموعة الفرعية من المرضى قد تقلب الفلسفة القائلة إن البروتين الدهني منخفض الكثافة هو أهم عامل خطر للإصابة بأمراض القلب”، ويحدوني تفاؤل حذر.
الأنظمة الغذائية منخفضة الكربوهيدرات مثيرة للجدل بوصفها طريقة لفقدان الوزن، ولكنها تُستخدم منذ عقود لعلاج الصرع الشديد عند الأطفال وتُستكشَف لحالات أخرى. بالنسبة للصرع، فإن تجنب الكربوهيدرات بحيث يدخل الجسم في حالة تسمى الحالة الكيتونية، أي عندما تضطر الخلايا إلى التحول إلى استخدام الدهون للحصول على الطاقة، يُسبِّب العديد من التغييرات الأيضية داخل خلايا الدماغ. قد يعمل عن طريق جعل خلايا الدماغ أقل “استثارة” أو عُرضة لإطلاق الإشارات غير المنضبط، أو عن طريق تقليل الضرر الذي يلحق بخلايا الدماغ عند حدوث النوبات.
يمكن أن تكون النظم الغذائية الكيتونية مفيدة جدا للأطفال الذين لا يمكن السيطرة على نوبات الصرع لديهم عن طريق أدوية الصرع كما يقول بهاي فان دي بور، وهو المتحدث باسم جمعية الحمية البريطانية، وهو الذي ساعد الأطفال على هذا النظام الغذائي في مستشفى جريت أورموند ستريت في لندن.
يُحَقَّق في حمية الكيتو حاليا بوصفها خيارا إضافيا لعلاجات السرطانات التقليدية. ويبدو أنّها تجعل خلايا الورم أكثر حساسية وتعرضا لآثار العلاج الكيميائي والإشعاعي، لأن تلك الخلايا تحوّلت بحيث تعتمد على الجلوكوز مصدرا للطاقة.
التغيرات الأيضية التي تُدخلها الحمية على خلايا الدماغ قد تحمي الدماغ أيضا من الحالات العصبية مثل أمراض باركنسون والزهايمر، وقد أُجريت دراسات حالة فرديّة واعدة في هذا الصدد. لكن في هذه الحالات، لا يزال البحث العلمي في مراحله الأولى.