جوجل تتهم أبل بالتشجيع على اضطهاد مستخدمي أندرويد من خلال تطبيق”iMessage”.. فما القصة؟
أندرويد مقابل آيفون، ما الأفضل؟ ما الأجمل؟ ما الأنسب؟ أسئلة اعتاد مستخدمو الهواتف الذكية على طرحها منذ زمن بعيد، إلى أن شكّلت هذه المقارنة انقسامًا اجتماعيًا في كافة أنحاء العالم من دون أي مبالغة، وربّما انقسام طبقي أيضًا، ففي أغلب أماكن العالم يتباهى الناس بحملهم لجهاز تابع لشركة أبل، فما سر هذه التفاحة المقضومة؟ وبما تتميز منتجات أبل عن غيرها لتكون الأغلى ثمنًا والأكثر تفرّدًا؟
ربّما استفزّت هذه الأسئلة شركة جوجل مؤخّرًا ولم تعد تحتمل الكبت والمكابرة، فكما تعلمون هي أحد مطوري نظام أندرويد الذي لا يمكن الاستهانة به، وبغض النظر عن مدى التطور الذي تصل له صاحبة أكبر محرك بحث في التاريخ، إلا أنه سيتم التفريق الطبقي بين المستخدمين على أي حال، ففي الولايات المتحدة مثلًا، يتم النظر لمستخدم أندرويد أنه فقير، حتى لو كان يملك هاتف جالكسي S21 ultra الذي قد يصل سعره إلى 1200$، وكذلك في العالم العربي نجد هوس التفاحة منتشرًا.
وعلى الرغم من اختلاف الأسباب التي تجعل الناس يجدون هواتف آيفون مميزة عن غيرها، إلا أن جوجل تعتقد أن السبب في تطبيق iMessage الحصري لهواتف آيفون والذي يخلق حالة من التمييز العنصري بين مستخدمي أبل وأندرويد، فما القصة وراء ذلك الاتهام الغريب؟
كيف عبّرت جوجل عن سُخطها من إضطهاد مستخدمي أندرويد بسبب تطبيق iMessage؟
في يوم السبت الموافق لـ 8 يناير من عام 2022 اتهم رئيس فريق تطوير أندرويد “هيروشي لوكهايمر” شركة آبل باتّباع سياسة التنمّر والعنصرية للضغط على مستخدمي الهواتف الذكية في وسيلة لبيع منتجاتها، وذلك بعد أن كشفت صحيفة “وول ستريت” من خلال تقرير خاص بها أن المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية يصنفون الناس حسب لون الرسائل الواردة منهم، فإذا راسلت مستخدم آيفون عبر خدمات SMS، فسيقوم باستقبال رسالتك في فقاعة خضراء لتوضح أنك لا تملك هاتف آيفون، أما إذا كنت من مستخدمي منتجات أبل، فسيتم تلوين رسائلك باللون الأزرق، مما يخلق حالة من الاضطهاد والعنصرية تجاه أصحاب الرسائل الخضراء!
ذكر لوكهايمر في اتهامه لأبل الذي كتبه على منصة تويتر، بأن “إغلاق تطبيق iMessage وجعله حصريًا لمستخدمي آيفون فقط هو استراتيجية معروفة تقوم أبل باتباعها، حيث يعد استخدام ضغط الأقران والتنمر وسيلة لبيع المنتجات وهو الأمر الذي يعتبر نفاقًا بالنسبة لشركة تعتبر الإنسانية والمساواة جزءًا أساسيًا في حملات تسويقها. والمعايير الموجودة اليوم كفيلة لإصلاح هذا الأمر”.
تم نشر تغريدة لوكهايمر على حساب أندرويد الرسمي على تويتر، مع إضافة الوصف التالي:
يجب ألا تستفيد iMessage من التنمر. يجب أن تجمعنا الرسائل النصية، والحل موجود. دعونا نصلح هذا كصناعة واحدة.
ثم تبعه تصريحات المدير التنفيذي لشركة جوجل، “ساندر بيتشاي” الذي ذكر فيها:
لن نطلب من أبل أن تتيح سياسة الـ iMessage على هواتف أندرويد، لكن سنطالبها بدعم المعايير الأساسية لصناعة الرسائل الحديثة والمتطورة (RCS) أو “Rich Communication Services” في iMessage بنفس الطريقة التي يدعمون فيها معايير المراسلة من خلال SMS و MMS القديمة”.
ليضيف لوكهايمر فيما بعد وعبر سلسلة من التغريدات التي صرّح فيها أنه من “خلال امتناع أبل عن دمج خدمات الاتصال الغنية (RCS) ستعمل أبل على تعطيل هذه الصناعة وتشويه تجربة المستخدم وبالتالي إنقاصها، وهذا ليس فقط لمستخدمي أندرويد، بل بالنسبة لعملائهم أيضًا”.
أبل تلتزم الصمت حول هذه الاتهامات المتعلقة بتطبيق iMessage
بدايةً، هناك بعض التساؤلات حول دوافع شركة أبل لاتّباع سياسة الاستحواذ، فبفضل الدعوى القضائية التي رفعتها شركة Epic ضد Apple في العام الماضي بسبب ممارسات أبل في متجر تطبيقات iOS، تم تسريب بعض المناقشات تحت الطاولة من خلال إيميلات سرية بين مديرين تنفيذيين لشركة أبل، تؤكّد أن الشركة تحجب iMessage بشكل متعمّد.
فقد كتب المدير التنفيذي لشركة أبل “كريغ فيديريغي” في نيسان عام 2013 بشكل واضح وصريح:
أنا قلق من إتاحة iMessage على هواتف أندرويد لأن ذلك يمكن أن يخفف من مبيعات آيفون لصالح الأخرى، لذلك نحن بحاجة إلى جذب مستخدمي أندرويد للاعتماد الكلي على منتجات أبل.
كما بيّن “فيل شيلر” -أحد “زملاء أبل” الذي يتم تكريمهم بهذا اللقب من داخل الشركة- في مارس عام 2016 أنه قد فاته الكثير من رسائل الأصدقاء والعائلة بعد التبديل إلى هاتف أندرويد.
سأل موقع “ذا فيرج” شركة أبل عما إذا كانت تنوي إتاحة معاييرها في تطوير RCS، لترد أبل بالتجاهل وعدم الرد، وعلى الرغم من ذلك لا يمكننا أن ننكر أن الشركة قدمت حالة أخلاقية من احترام الخصوصية واعتبارها حقًا من حقوق الإنسان وأن تقديم الرسائل المشفّرة إلى العالم هو واجب عليها.
لكن الآن بعد أن تجاوزت قيمة شركة أبل ثلاثة تريليونات دولار، وبعد أن تم “نشر غسيلها الوَسِخ” من خلال رسائل البريد الإلكتروني أمام العالم كله واللهجة العلنيّة التي يتحدّث بها موظفوها ومحاربة العديد من المجلات لها، من المرجح أن يبحث “تيم كوك” الرئيس التنفيذي للشركة عن توجّه أكبر من مجرد توسيع نطاق الشركة لتصبح الأكثر قيمة في العالم، لذا ربما قد يجلب iMessage إلى أندرويد أو يساعد في تطوير خدمات RCS وإتاحتها للجميع كنوع من الامتياز الذي قد تقدمه أبل إلى العالم.
كيف تعاملت أبل بعنصرية مع المستخدمين؟
اتهمت جوجل شركة أبل باتّباع استراتيجيات غير إنسانية تهدف إلى تقسيم مستخدمي الهواتف الذكية بهدف “تلميع” صورة هواتف آيفون واعتبار مستخدمي أندرويد درجة ثانية، وهذا يظهر جليًّا في سياسة الـ iMessage الخاصة بآيفون.
فخدمة المراسلة من أبل تتضمن عددًا من الميزات الحصرية لنظام التشغيل iOS مثل دعم إرسال الإيموجي المتحركة “Animoji” وإمكانية إرسال الصور ومقاطع الفيديو بالإضافة إلى النصوص عبر شبكة الهاتف الخلوية أو شبكة الواي فاي، وتشتهر المراسلات في هواتف آيفون بتمييز مستخدمي الأندرويد من خلال وصول رسائلهم باللون الأخضر بدلًا من اللون الأزرق الأصلي لنظام iOS كما وضحنا سابقًا.
وقد أدت هذه الاستراتيجية إلى تحويل iMessage إلى رمز للتفاخر والتباهي باقتناء أحد منتجات أبل، مما سبّب ضغطًا تراكَمَ مع السنين ومنح نظرة دونية لمستخدمي أندرويد ونبذهم في بعض الأحيان، وكل ذلك هو سبب في زيادة المبيعات لشركة أبل، فهل تُعتبر الفقاعة الخضراء في آيفون أمرًا يدعو لانقسام الآراء والطبقية في المجتمع؟
ما الدافع الحقيقي وراء جوجل لهذه الاتهامات؟
لطالما حاولت جوجل التفوق على تطبيق iMessage، وذلك عن طريق تطوير تطبيقها المنافس والذي اكتفت بتسميته بـ”Messages”، ثم بدأت بالعمل على نشره بين المستخدمين، بل وإقناع الشركات الكبرى كشاومي بتثبيته على هواتفها والاستغناء عن تطبيقاتها الخاصة، وكانت النتيجة أن وصل عدد تحميلات بديل جوجل مليار تحميل.
ولكن ومع ذلك لم تتمكن جوجل حقًا من إقناع المستخدمين بالاعتماد على تطبيقها حيث لم تستطع التفوق على ما تقدمه أبل في تطبيقها الخاص، والآن وبعد هذه الاتهامات والتصريحات المباشرة من جوجل بأنها ترغب في العمل مع أبل لتقديم تجربة أفضل للجميع، فقد يكون هذا هو الدافع الحقيقي للشركة والتي جعلها ترتدي ثوب “سفيرة الإنسانية” لأجل تحقيقه.
فبالطبع ستستفيد الشركة بشكل كبير من قيام أبل بجعل iMessage متاحًا على أندرويد، حيث تدفع جوجل مؤخرًا أيضًا إلى صنّاع آيفون من أجل دعم الجيل التالي من الرسائل النصية القياسية (RCS)، وقد نجحت في ذلك وحصلت بالفعل على الدعم من قِبَل شركات الاتصالات الأمريكية الكبرى.
هذا وجوجل ليست في وضع يؤهّلها لانتقاد استراتيجيات المراسلة للشركات الأخرى، حيث أشار “رون” محرر التعليقات في Ars Technica على تويتر: “لقد اشتهر عملاق البحث جوجل بالخلل الوظيفي عندما يتعلق الأمر بالمراسلة، ولذلك أطلق ثلاثة عشر تطبيقًا مختلفًا لحل مشاكل المراسلة منذ ظهور iMessage سنة 2011 لكن معظمها فشل.
والآن لا يسعنا إلا أن ننتظر رد أبل على هذه الاتهامات، وما إذا كنا قد نرى فعلًا تطبيق iMessage على أجهزة أندرويد والذي سيكون واحدًا من أهم الأحداث التقنية التي قد تمر علينا في هذه السنة، ولكن قد لا يكون الحل السحري تجاه العنصرية والاضطهاد بين المستخدمين، خصوصًا أنه وحسب توقع استراتيجية أبل في تطوير تطبيقاتها، فمن المؤكد أنها ستضع بعض العلامات للتفريق بين المستخدمين وربما بعض الخصائص الحصرية أيضًا.