تنمر وضرب وإهانة.. انتهاكات مفزعة ضد أطفال الإيغور بالمدارس الداخلية
رغم مرور أكثر من عامين على عودتهما إلى حضن والدهما، فإن الأب الإيغوري لا يستطيع أن يطفئ أضواء بيته ليلا أو نهارا، خوفا من عودة الذكريات المرعبة لطفليه عندما كانا في مدرسة داخلية صينية أشبه بمعتقل قاس وموحش، وفقا لتقرير نشره موقع” NPR“.
وفي العام 2015، بدأت معاناة تلك الأسرة الإيغورية المؤلفة من 4 أشخاص عندما قرروا الذهاب في زيارتهم شبه المعتادة من وطنهم الجديد تركيا، الذي يقيم في الأب منذ 30 عاما، باتجاه إقليم شينغيانغ في الصين.
وفي العام 2017، اعتقلت السلطات في شينجيانغ مئات الآلاف من الإيغور، وهم أقلية عرقية مسلمة، وأرسلتهم إلى مراكز الاحتجاز حيث يتم تعليمهم الأيديولوجية الشيوعية الصينية وإجبارهم على التحدث بلغة الماندرين التي تشكل اللغة الرسمية للبلاد.
وأفاد محتجزون في المعسكرات بأنهم أجبروا على العمل في المصانع أثناء احتجازهم أو بعد إطلاق سراحهم، في حين كان يجر إرسال أطفال المحتجزين أو المعتقلين إلى المدارس الداخلية الحكومية حتى في ظل وجود أقارب على استعداد لاستقبالهم.
ويقول الخبراء إن هذا جزء من جهود السلطات الصينية لجعل أطفال الأقليات يتحدثون ويتصرفون مثل مجموعة الهان العرقية المهيمنة في البلاد.
يوضح الباحث في جامعة جورج تاون، جيمس ميلوارد، أن “هذا الدافع الأيديولوجي لمحاولة استيعاب الأشخاص من غير الهان يتوافق مع هذا النهج العقابي المتمثل في وضع البالغين في المعسكرات، وبالتالي انتهى الأمر بالكثير من الأطفال الصغار في رياض الأطفال الداخلية والمدارس الداخلية أو دور الأيتام”.
ويضيف الأكاديمي الذي يدرس لطلابه التاريخ الصيني وآسيا الوسطى “إنها حقًا محاولة لجعل كل شخص في الإقليم صينيًا، ورؤية أنفسهم على أنهم صينيون وأن لديهم خلفية ثقافية واحدة”.
يقول الخبراء إن عمليات الفصل الأسري هذه ساهمت في محو بطيء للغة وثقافة الإيغور في الصين، وهي إحدى الأسباب التي جعلت المسؤولين في الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وهولندا ودول أخرى يعلنون أن سياسات بكين في شينجيانغ ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
مأساة آل كوجار
وبالعودة إلى قصة تلك العائلة التي تمثل مأساة عشرات آلاف الأسر الإيغورية، يقول الوالد عبداللطيف كوجار إنه يقيم في إسطنبول منذ ثلاثة عقود، حيث يعمل في التجارة ليحصل على الجنسية التركية لاحقا، وأنه اعتاد على زيارة موطنه الأصلي رفقة زوجته وطفليه رغم جميع المخاطر التي كانت تهددهم هناك.
يوضح الأب أن ابنه لطف الله كان يبلغ من العمر 4 سنوات فقط، عندما تم إرساله إلى مدرسة داخلية جنوب وسط مدينة أورومتشي، عاصمة شينغيانغ، وذلك قبل يجري إرسال أخته الكبرى، أيسو في فبراير من 2018 إلى مدرسة أخرى وكانت تبلغ من العمر آنذاك 6 أعوام.
وكان السلطات الصينية قد صادرت وثائق السفر الخاصة بالأب في أواخر العام 2015، ومنعته من السفر حتى العام 2017 حيث عاد إلى تركيا تاركا وراء زوجته وطفليه على أمل اللقاء بهما قريبا.
ولكن الطفلين قضيا في المدارس الداخلية نحو 20 شهرا ذاقا خلال صنوفا مختلفة من العذاب الجسدي والنفسي وعانوا خلالها من سوء التغذية الحاد، لدرجة أنهما كانا كالأشباح عندما التقى بهما والدهما مجددا.
وأوضح الطفل أنه جرى حلق شعره كله خلال فترة وجوده في تلك المدارس وأن مراقبي الفصل والمعلمين اعتادوا على ضربهم كثيرًا وحبسهم في غرف مظلمة وإجبارهم على اتخاذ أوضاع مجهدة كعقاب على “مخالفة الأوامر والقواعد”.
وأشار الطفلان إلى أن اليوم الدارسي كان يبدأ كل يوم بالطريقة نفسها بالاستيقاظ باكرا ثم الاصطفاف في طوابير لتناول طعام الإفطار وعادة ما يكون حساء الذرة أو عصيدة الأرز.
وبعد ذلك تأتي مراسم رفع العلم الصيني حيث تم تعليم الأطفال ترديد الشعارات السياسية الصينية وغناء الأغاني الوطنية، وحتى الآن لا يزل لطف وأيسو معتادين على ترديد الأغاني عن “الجد” شي جين بينغ و”الأب” وانغ جون تشنغ.
وهذا الأخير هو رئيس الأمن السابق لشينجيانغ، الذي عوقب من قبل العديد من الحكومات، بما في ذلك الحكومة الأميركية، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.
في مقابلات من منزلهما في إسطنبول، وصف كلا الطفلين العقوبات الجسدية والنفسية التي كان يتعرضان لها، إذ جرى منح صفة مراقبين للأطفال والمراهقين الأكبر سنا الإذن للتنمر على الطلاب الأصغر سنًا في كل مهجع نوم على حده.
وتقول آيسو، البالغة من العمر 10 أعوام التي بعد أن نما شعرها: “كانت الأخوات الأكبر سنًا يقدمن على شد شعري وضربي بعنف وتساقط شعري بالكامل عندما كنت في المدرسة”، في حين أوضح لطف الله، 8 أعوام: “إذا بكينا، فإن (الأخ الأكبر) يجعلنا نقف مواجهين الحائط أو يضربنا”.
وعندما لا يتبع الأطفال الأوامر أو يتعلمون بسرعة كافية، يجبروهم المعلمين على اتخاذ وضعية “الدراجة النارية” المؤلمة والمجهدة، وتلك الوضعية تكون ذراعا الطفل ممدودتان إلى الأمام والركبتان مثنيتان في نصف قرفصاء دون حركة لمدة طويلة من الوقت.
بيد أن الطفلين يقولان إن أسوأ عقوبة كانت إرسالهم إلى قبو المدرسة المظلم، إذ يقول لطف الله إن المعلمين أخبروه أن الأشباح المخيفة تعيش هناك.
وداخل الفصل الدراسي، كما يقول الطفلان، فقد جرى تعليمهما لغة الماندرين فقط لمدة ستة أيام في الأسبوع، بينما كان الطلاب الذين يتحدثون باللغة الإيغورية يتعرضون للضرب المبرح.
بعد انتهاء الدرس كل يوم، كان الأطفال ينهون واجباتهم المدرسية في صمت قبل العودة إلى مهاجعهم ومشاهدة التلفزيون، فيما كانت تخشى آيسو التحدث إلى الأطفال الآخرين، قائلة إنها أمضت معظم الليالي مستيقظة تحدق بذهول في السقف.
“فرحة اللقاء”
في هذه الأثناء، كان عبداللطيف كوجار، الذي يعاني من القلق والخوف على طفليه يلتمس المساعدة من وزارات الحكومة التركية ويحتج خارج السفارة الصينية باستمرار، لتؤتي جهوده ثمارها، إذ أبلغته وزارة الخارجية التركية أنها تفاوضت مع بكلين للسماح له بالحصول على تأشيرة دخول للصين واصطحاب طفليه.
وبالفعل وصل كوجار إلى أورومتشي، عاصمة شينجيانغ، في أواخر نوفمبر 2019، حيب بدأ على الفور في الاتصال بأرقام هواتف أقاربه ولكنه كانوا ينهوا الاتصال به مباشرة، وعندما تجول في شوارع حيه القديم رأى معارفه وأصدقائه يتفادونه ويتجنبون الكلام معه.
وقال كوجار إن الشرطة حجزت له غرفتين في أحد الفنادق دون السماح له بإغلاق الأبواب، وأخبروه بضرورة مغادرة البلاد خلال 10 أيام، بالإضافة إلى أنه كان عليه أن يسجل حضوره اليومي في أحد أقسام الشرطة.
وتابع: “عندما خرج طفلي من قسم الشرطة انطلقوا نحوي بسرعة انطلاق الرصاص من المسدس وكاد أن يغمى علي من شدة الفرحة”، وأضاف: “الطفلان نسيا لغتهما الأم وكانا يتحدثان بالصينية ولكن الحواجز اللغوية لم تمنع تقاربنا وتفاهمنا”.
وزاد: “قبلتهما وحضنتهما، ولم يستطيعا التوقف عن الابتسام لي”.
أما الأم، مريم إيماتي، فلها قصة محزنة أخرى، إذ حكم عليها بالسجن لمدة 20 عاما بتهمة الخيانة، وعندما سمح لزوجها بزيارتها كانت في أحد المشافي أشبه بهيكل عظمي على وشك التهاوي، مضيفا أنه وبعد اللقاء الذي استمر دقائق دون أن يكون قادرا على لمسها أصر على عناقها، مردفا: “بعد أن حضنتها شعرت بمدى ضعفها إذ كادت أن تسقط أرضا عندما أفلتها”.
الحرة