الكبتاغون: مصدر دخل الاستبداد والميليشيات والإرهاب
معهد «نيو لاينز» الأمريكي المتخصص بالشؤون الاستراتيجية والسياسية نشر بالأمس تقريراً مفصلاً وقع في 54 صفحة، بعنوان «تهديد الكبتاغون: صورة تجارة محرمة واستهلاكها وحقائقها الإقليمية»، يؤكد ما سبق أن أشارت إليه منابر إعلامية متعددة حول الانتشار سريع النمو لاقتصاد تديره شبكات تهريب تحظى برعاية أنظمة وميليشيات متنفذة أو مدعومة من جهات حاكمة، وبلغت عائداته 5,7 مليار دولار في السنة المنصرمة 2021، بزيادة ملحوظة عن سنة 2020 التي وصلت عوائدها إلى 3,5 مليار دولار.
ويشير التقرير إلى أن كميات الكبتاغون التي تُنتج في سوريا داخل المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام هائلة ومنتظمة وتحظى برعاية عليا من السلطة، كما تشكل واحداً من أبرز منابع القطع النادر في ظل العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري، بحيث بات من الطبيعي أن يستأثر هذا البلد بلقب «دولة المخدرات». ويحتوي التقرير على معطيات موثقة حول مشاركة أفراد من عائلة الأسد في الإشراف على تصنيع المخدرات وتهريبها، كما يوثق الدور المباشر والخاص الذي يوكل في هذا المضمار إلى الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد.
ويقدّر التقرير أن دور حزب الله في تجارة الكبتاغون قد تراجع قليلاً تحت ضغط التيارات المحافظة داخل الطائفة الشيعية إذ كان لبنان البلد الثالث في الإنتاج عالمياً، الأمر الذي أبرز أكثر من ذي قبل مشاركة مسلحي الحزب في حماية شبكات التهريب السورية عبر مينائي اللاذقية وطرطوس وخطوط القلمون وريف درعا ومعبر نصيب ومنطقة اللجاة. أما في البوكمال شمال شرقي سوريا فإن الميليشيات والفصائل الموالية للنظام والمرتبطة بالحشد الشعبي تتولى حسب التقرير تسهيل طرق التهريب إلى دول الخليج العربي عبر العراق.
وكي تكتمل أكثر الأبعاد السياسية خلف هذه التجارة المحرمة يشار إلى أن أنظمة الاستبداد والميليشيات مذهبية التوجه والأهداف ليست وحدها المتورطة في إنتاج المخدرات وتهريبها، فليس جديداً ما يسجله تقرير معهد «نيو لاينز» من اعتماد عدد من المنظمات الجهادية في سوريا والعراق على مصادر الدخل هذه تحديداً، خاصة حين تبسط سيطرتها على مناطق مثل سرمدا وجسر الشغور في شمال سوريا، أو تتحكم بمعابر تسهّل التهريب على الحدود مع تركيا.
وكان تحقيق سابق أجرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قد أثبت أن صادرات سوريا من الكبتاغون في إطار هذه التجارة المحرمة قد تجاوز بكثير موارد المنتجات السورية القانونية، وأن بلداناً مثل السعودية والأردن وإيطاليا واليونان وسواها صادرت ما يعادل مئات الملايين من حبوب الكبتاغون، ولم يكن غريباً أن تتساوى في التصدير والتهريب أجهزة النظام السوري والميليشيات الموالية والمنظمات الجهادية المعارضة.
ويبقى أن مخاطر هذه التجارة المحرمة لا تقتصر على أشكال الأذى التي تتسبب فيه للصحة العقلية والجسدية، بل تذهب أبعد من حيث الرداءة الصناعية والخلائط الكيميائية الأكثر تسميماً التي تعتمدها مصانع الكبتاغون البدائية المنشأة على نحو متعجل وفي شروط متدنية تماماً. وكل هذا يحمل دافعاً إضافياً لمناهضة الاستبداد والفساد والتطرف والإرهاب، على صعيد الصحة العامة أسوة بالسياسة والأمن والصالح الإنساني.
القدس العربي