أُعلنت قبيل ذكرى احتجاز الرهائن الأميركيين.. إجماع بواشنطن على فبركة طهران حادثة بحر عُمان
زادت الواقعة التي سجّلت مؤخرا في بحر عُمان، من التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ففي الوقت الذي أعلنت فيه طهران إحباط محاولة أميركية لمصادرة نفط إيراني، نفت واشنطن الأمر، وقد استطلعت الجزيرة نت آراء خبراء مستقلين في الشأن الإيراني ممن لا يعرف عنهم الاتفاق دائما مع الإدارات الأميركية المتعاقبة تجاه مواقفها من إيران.
وكان التلفزيون الإيراني قد بث تسجيلا مصورا لما قال إنها عملية إحباط محاولة أميركية لمصادرة نفط إيراني في بحر عمان، في حين نفت وزارة الدفاع الأميركية الرواية الإيرانية.
من جانبه، قال البنتاغون إن قوات إيرانية سيطرت على ناقلة نفط بمياه الخليج الأسبوع الماضي، لكن البحرية الأميركية لم تكن طرفا في هذا الحدث، وكانت تراقب عن بعد.
أنباء وتصعيد
وجاءت أنباء الحادث وسط تصعيد من قبل إدارة الرئيس جو بايدن على إيران قبل استئناف محتمل للمحادثات النووية المتوقع لها نهاية هذا الشهر. فقد أعلنت واشنطن في نهاية الأسبوع الماضي فرض عقوبات جديدة على المسؤولين والكيانات الإيرانية التابعة لوحدات الطائرات من دون طيار التابعة للحرس الثوري الإسلامي.
في الوقت ذاته أشار موقع “أكسيوس” (Axios) إلى أن محادثات سرية أجرتها الولايات المتحدة وإسرائيل حول إيران الأسبوع الماضي لمناقشة “الخطة ب” المحتملة إذا لم تستأنف المحادثات النووية.
وأجمع الخبراء الأميركيون على استحالة قيام إدارة بايدن بعمل عدائي كما تدعي إيران، فلم يكن من الممكن لواشنطن أن تخفي هذا التحرك أو إنكاره لو قامت به فعلا.
استغراب وأهداف
وعبّرت باربرا سلافين، الخبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، عن استغرابها من الأنباء المتعلقة بالحادث.
وقالت سلافين في حديث للجزيرة نت “لم أر أي تأكيد لهذا الحادث المفترض. ويبدو أن الإعلان عنه اليوم يهدف إلى إظهار القوة الإيرانية ضد الشيطان الأكبر قبيل الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، ذكرى احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين كرهائن في عام 1979. إن الأمر يبدو لي مجرد بروباغاندا (دعاية) ليس إلا”.
وفي حديث مع الجزيرة نت، اعتبر تشارلز دان المسؤول الاستخباراتي السابق والباحث حاليا بمعهد الشرق الأوسط، أن الفيديو الإيراني لا يُظهر أي سيطرة لقوات إيرانية على سفينة يسيطر عليها الأميركيون.
وأضاف “لم أر أي شيء من جانب قطع البحرية الأميركية حتى الآن، ويبدو من غير المرجح أن تكون إيران قد شنت عملية مروحية لاستعادة سفينة يسيطر بالفعل عليها الأسطول الأميركي في بحر عمان”.
رسالة طهران
وفي حديث مع الجزيرة نت، ذكر جودت بهجت، البروفيسور بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية، أن هناك حربا معلوماتية ضارية تدور بين الولايات المتحدة وإيران.
وأضاف البروفيسور جودت “يحاول كل جانب استخدام أي وسيلة لتعزيز مصالحه، وتحاول حكومة الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، مثلها مثل أي نظام حاكم في العالم، أن تظهر للجمهور المحلي أنها قوية وصلبة ويمكن لها أن تتحدى الولايات المتحدة”.
وأقر الخبير العسكري ديفيد دي روش -المحارب السابق والأستاذ المساعد في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية- للجزيرة نت بأنه من الصعب دائما تحديد الدوافع وراء توقيت مثل هذا العمل من الحرس الثوري الإيراني.
وأشار إلى أنه “نظرا للمستوى العميق للفساد داخل الحرس الثوري الإيراني، وغياب أي إشراف حكومي، هناك دائما إمكانية وجود دافع تجاري بدلا من وجود دافع أمني يدفع الحرس الثوري إلى اتخاذ إجراءات مفاجئة. بشكل عام، أعتقد أن أبسط التوقعات هي الأكثر احتمالا، ويبدو أن إيران شعرت بالقلق بشأن فقدان سفن التهريب، لذا فإن تخميني (مجرد تخمين) هو أنهم رأوا سفنا أميركية في المنطقة وخشوا من أن يتم الاستيلاء على إحدى سفن التهريب الخاصة بهم وبالتالي قرروا الاستيلاء عليها بأنفسهم أولا”.
“غالبا ما يعمل الحرس الثوري كدولة داخل دولة، ولا يخضع لرقابة فعالة من الدولة الإيرانية. لذا فمن الممكن جدا أن القيادة الإيرانية لم تكن على علم بما يجري، وأن قادة الحرس الثوري اتخذوا هذا الإجراء لحماية أصولهم في مجال التهريب، وربما لحماية أي أموال يقومون بجنيها من أنشطة التهريب”، يقول دي روش.
إجراء آحادي
وأقر الخبير العسكري ديفيد دي روش -للجزيرة نت- بأن هناك الكثير مما لا نعرفه عن حقيقة ما جرى، لكنني لا أعتبر مشاهد الفيديو الإيراني دليلا على أي شيء آخر إلا أن السفن الإيرانية كانت قريبة من السفن الأميركية.
وذكر دي روش أنه “بشكل عام، يبدو هذا وكأنه عمل إيراني أحادي الجانب مذعور أكثر منه ردا على عملية استيلاء أميركية، وهو ما أعتقد أنه أمر غير محتمل. لقد كان من المعرف أن السفينة قامت بنقل النفط الإيراني المحظور من سفينة إلى سفينة أخرى، وأبحرت إلى بندر عباس من ميناء في إندونيسيا. ولو أرادت الولايات المتحدة الاستيلاء عليها، لكانت فعلت ذلك في شرق المحيط الهندي، بعيدا عن مياه بحر عُمان القريبة من إيران”.
وأكد دي روش أن “الفيديو لم يقدّم أي دليل على وجود أي أصول تسعى قوات أميركية للاستيلاء عليها داخل السفينة. وتظهر اللقطات الإيرانية سفنا قريبة من بعضها بعضا، وهو أمر طبيعي جدا في منطقة المضيق. ما لا تراه في الفيديو هو قوارب أميركية صغيرة أو مروحيات حاملة للجنود، وهذا ما تتوقعه إذا كانت عملية الاستيلاء جارية”.
وتابع: ما أظهره الفيديو الإيراني من قوات أميركية غير متناسب مع فكرة استيلاء على ناقلة ضخمة. تشير اللقطات الإيرانية لطائرة مروحية من طراز “بلاك هوك” (Black Hawk) عليها صواريخ، وهو ما يمكن استخدامه لمطاردة القوارب الصغيرة، ولكن من الصعوبة تصور استخدامها لإنزال قوات على سفينة أخرى.
حادث وتداعيات
وعن تداعيات تلك الحادثة على مفاوضات فيينا المقبلة، ذكر البروفيسور جودت أن “توقيت هذا التقرير ربما ليس حادثا أو صدفة، خاصة مع استعداد الجانبين والوفود الأوروبية والصينية والروسية لاستئناف المفاوضات النووية في فيينا في وقت لاحق من هذا الشهر”، مشيرا إلى أن كل طرف يحاول تسجيل بعض النقاط قبل استئناف المفاوضات”.
من جانبه اعتبر دي روش أنه “يبدو أن إيران تشعر بأن الغرب مهتم بإحياء مفاوضات الملف النووي أكثر من الجانب الإيراني، وبالتالي فهي تحاول اختبار حدود ما يمكن أن تفلت منه في الوقت الذي تمارس فيه الولايات المتحدة والغرب ضبط النفس أملا في استئناف مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا قبل نهاية الشهر”.
في حين اعتبر تشارلز دان أن ما جرى يمكن تفهمه في إطار “افتراض أن الإيرانيين يرفعون من شأن أهمية المحادثات النووية من خلال محاولة إظهار الصلابة والقوة والاستعداد للحرب في وقت مبكر من إدارة إبراهيم رئيسي”.
المصدر : الجزيرة