“أبلة نظيرة” و”بيتي كروكر”.. حكاية سيدة المطبخ المصري ونظيرتها الأميركية الخيالية
من المحيط إلى الخليج ومن شرق العالم إلى غربه، فاقت شهرة “أبلة نظيرة” و”بيتي كروكر” الحدود، وكان لهما تأثير كبير في حياة النساء حول العالم.
عربيا قدمت “أبلة نظيرة” لنساء العرب أول دليل للطهو، وتخطت شهرتها الآفاق العربية، أما “بيتي كروكر” فلا تقل شهرة وتأثيرا لكن في الولايات المتحدة الأميركية.
ورغم التشابه بين الشخصيتين وتأثيرهما من خلال كتب الطهو والبرامج الإذاعية، فإن هناك فارقا واحدا وجوهريا بينهما، وهو أن إحداهما امرأة حقيقية، والأخرى شخصية خيالية من بنات أفكار حملة إعلانية لشركة منتجة.
أبلة نظيرة “الحقيقية”
نظيرة نقولا طاهية وكاتبة مصرية اكتسبت شهرة من خلال كتابها “أساسيات الطبخ” الذي يطلق عليه في الدول العربية “كتاب أبلة نظيرة”.
ولدت عام 1902، ودرست في كلية الاقتصاد والتدبير المنزلي في مصر، وفي 1926 عندما قررت مصر إرسال أكثر الطلاب موهبة في جميع التخصصات لإكمال دراساتهم العليا في الخارج، كانت نظيرة واحدة من 14 فتاة من كلية التدبير المنزلي، وقع عليهن الاختيار للدراسة في جامعة “غلوستر” في إنجلترا لمدة 3 سنوات في فنون الطهو والتطريز.
بعد الانتهاء من دراستها، عملت نظيرة مدرسة لمادة “ثقافة المرأة والتدبير المنزلي” في مدرسة السنية للبنات في مصر، وكانت تحث طلابها على حب المطبخ وتزيين الطاولة بأبسط الأشياء، إذ اعتقدت أن الطبخ فن كبقية الفنون.
وفي بداية الأربعينيات، أعلنت وزارة الحكومة المصرية عن منافسة بين المعلمين لكتابة كتاب طبخ، وبالطبع قررت “أبلة نظيرة” الانضمام إلى هذه المسابقة مع “بهية عثمان”، التي تخرجت من كلية بريدج هاوس بإنجلترا، وألّفتا كتاب “أصول الطهي” الذي احتل المركز الأول في المسابقة. ونشر لأول مرة عام 1941، وامتدت شهرته إلى خارج حدود مصر وعرف بكتاب “أبلة نظيرة”.
وبين عامي 1941 و1952، كتبت وشاركت في تأليف ما لا يقل عن 6 كتب مدرسية كانت بمثابة دليل إرشادي للتلميذات وأمهاتهن.
معلمة الابنة والأم
لم يعتمد نجاح كتاب “أبلة نظيرة” على وصفات طبخ سحرية أو جديدة، لكن النجاح لازمها، ربما، بسبب فلسفتها القائمة على أن الطهو أهم الفنون المحلية ومهارة أساسية للمرأة العصرية، وأساس لسعادة الأسرة والأمة، بحسب “راوي ماغازين” (Rawi-magazine).
كما يرجع نجاحها ومكانتها إلى قدرتها على التكيف، فمع التحولات الاجتماعية والسياسية التي حدثت في مصر وخروج المرأة للعمل في سبعينيات القرن الماضي، ألفت عددا من الكتب الموجهة بشكل صريح إلى “المرأة العاملة” تضم وصفات أبسط وأسرع.
ولعل الأهم في ترسيخ مكانة “أبلة نظيرة” في الثقافة المصرية، ربما، كان ظهورها في فقرة ثابتة في الإذاعة المصرية ابتداء من الأربعينيات، ورسائلها المكتوبة للقراء بمجلة “حواء”.
بيتي كروكر “الخيالية”
يحتفل الأميركيون في 2021 بعيد الميلاد المئة لـ”بيتي كروكر” أيقونة الطبخ الأميركية، لكنها في الحقيقة لم تولد أصلا، ولم تكن شخصية حقيقية يوما ما.
في أواخر القرن الـ19 بدأت “ووشبورن كروسبي” (Washburn-Crosby)، وهي شركة لطحن الدقيق، حملة إعلانية لأحد منتجاتها “دقيق الميدالية الذهبية”، ومن خلال صحيفة “ساترداي إيفينينغ بوست” (Saturday Evening Post)، نشرت الشركة إعلانا يحوي ألغازا بشأن المنتج موجهة للجمهور مع وعود بمكافآت للإجابات الصحيحة.
كانت الاستجابة ساحقة، إذ غمرت مكاتب “ووشبورن كروسبي” رسائل القراء لحل اللغز مصحوبة بأسئلة ومخاوف حول الخبز واستخدام الدقيق، وهو أمر لم تكن تتوقعه الشركة.
مع التدفق الهائل للأسئلة، اضطر قسم الإعلانات إلى استشارة النساء العاملات في طاقم الخدمة والتنظيف بالشركة للإجابة عن أسئلة الخبز والطهو للعملاء، ولم يشعر مدير القسم بالراحة عند توقيع اسمه على تلك الرسائل، لاعتقاده أن النساء يفضلن الاستماع إلى نساء أخريات يعرفن خبايا المطبخ.
وبحسب منظمة خدمة البث العامة الأميركية “بي بي سي” (PBS)، جاءت من هذه الخلفية فكرة اختراع رئيسة للمراسلات متخصصة في الطهو، وهي امرأة وهمية أطلقوا عليها اسم “بيتي كروكر”.
رمز ثقافي
جاء اختيار “بيتي” باعتباره اسما مألوفا ودارجا في ذلك الوقت، أما الاسم الأخير “كروكر” فجاء تكريما للمدير التنفيذي السابق للشركة “ويليام جي كروكر”.
وطلب مدير قسم الإعلانات من الموظفات في الشركة ابتكار توقيع يحمل اسم “بيتي كروكر” لتذييل الرسائل به، وبعد الاستقرار على توقيع تم تدريب العاملين في الشركة على استخدام ذلك التوقيع في ختام كل رد على الرسائل المتعلقة بالخبز والطهو.
وفي عام 1924، انتقلت “بيتي” من توقيع الرسائل إلى الحصول على صوت حقيقي عندما بدأت ووشبورن كروسبي في بث برنامج إذاعي للطهو، وكانت خبيرة تدبير منزلي تدعى مارغوري تشايلد هستد هي الصوت الإذاعي الأول لـ”بيتي”.
واعتقد الجمهور أن “بيتي” شخصية حقيقية، وفي عام 1951 وضعت ووشبورن كروسبي وجها للاسم والصوت عندما استأجرت الممثلة أديلايد هاولي لتقوم بدور بيتي على شاشة التلفزيون، وكانت هاولي هي الأولى من بين العديد من النساء اللواتي لعبن دور “بيتي كروكر” لاحقا.
واشتهرت بيتي كروكر بشكل كبير حتى بات هناك خط إنتاج يحمل اسمها على مزيج الكعك المعبأ والمخبوزات تنتجه شركة ووشبورن كروسبي، التي أصبحت فيما بعد “جنرال ميلز”.
دهش الجمهور حين عرف أن “بيتي” التي أثرت في ثقافتهم وطرق الطبخ الخاص بهم، شخصية خيالية وليس لها وجود حقيقي، رغم ذلك تمسكت النساء، اللاتي راسلنها واحتفظن بردودها، بتصديق أنها رمز ثقافي هام.
ولإضفاء الطابع الشخصي والحميمي لبيتي، وفقا لمجلة “سميث سنيانماغ” (Smithsonianmag) رسم مجموعة من الفنانين عام 1996 صورة لبيتي للاحتفال بعيد ميلادها الـ75، مستوحاة من صورة مركبة تستند في حد ذاتها إلى صور 75 امرأة حقيقية تعكس روح “بيتي كروكر” والتغيرات الديمغرافية لأميركا، لتبقى حقيقية رغم كونها خيالية.