هل ينتقم الأمريكيون السود من العنصرية بانتخابات نوفمبر؟
مع اقتراب الانتخابات الأمريكية تفجرت في الولايات
المتحدة من جديد قضية العنصرية ضد المواطنين من أصول أفريقية، إثر مقتل “جورج
فلويد” جراء عنف الشرطة، ما أثار مجددا قضية تعبير الأقليات العرقية عن
مطالبها وقضاياها عبر صناديق الاقتراع.
ودفع الغضب الشديد الذي اجتاح جل ولايات البلاد، وما رافقه من أعمال عنف، الرئيس
السابق، وأول رئيس أسود للبلاد، باراك أوباما، إلى مطالبة المحتجين بمواجهة العنصرية عبر مشاركة كثيفة في الانتخابات،
في إشارة إلى ضرورة الإطاحة بخلفه دونالد ترامب، الذي يسعى لولاية ثانية، ويتهم
بتأجيج العنصرية.
لكن أوباما في المقابل اعترف، في مقال له تعليقا على التطورات، بضعف أداء الإدارات
المتعاقبة في مواجهة العنصرية، التي كانت سلوكا مؤسسا في الولايات المتحدة حتى
انحسر بعد نضال طويل خاضه ذوو الأصول الأفريقية لعقود خلال القرن العشرين.
وشكل ترشح أوباما للرئاسة عام 2008 ثم 2012 منعطفا مهما، إذ ازداد بشكل كبير إقبال
السود على الاقتراع، بحسب بيانات لمعهد “بيو”
الأمريكي للدراسات والإحصاء، اطلعت عليها “عربي21”.
وساهمت تلك الزيادة في منح “أوباما” فرصة لأن يكون أول رئيس من أصول
أفريقية للولايات المتحدة الأمريكية، رغم تاريخها القائم على العبودية.
لكن تلك الذروة سرعان ما انهارت عام 2016، وتراجع الإقبال مجددا إلى ما دون 60
بالمئة، مقارنة بـ65.3 بالمئة لدى البيض. وفاز ترامب بالفعل على حساب منافسته
آنذاك هيلاري كلينتون.
“انتخابات فلويد”
رغم أن السود، وهم 12.7 بالمئة من المجتمع الأمريكي، لديهم مطالبهم وقضاياهم
الخاصة ومظلوميتهم التاريخية، إلا أن ذلك لم يدفعهم بعد إلى سلك طريق الانتخابات
بكثافة، مقارنة بالبيض، الذين يشكلون 61.3 بالمئة من السكان.
ويسعى الحزب الديمقراطي إلى تغيير ذلك المشهد، لا سيما وأنه يسيطر على دعم الشريحة
الأكبر من الأقليات العرقية، مقابل تركيز الحزب الجمهوري على تمثيل المجتمع الأبيض
التقليدي.
وبحسب بيانات “بيو”،
فإن 84 بالمئة من الأمريكيين السود يؤيدون أو يميلون إلى الحزب الديمقراطي، مقابل
ثمانية بالمئة منهم فقط إلى الحزب الجمهوري.
لكن الحزب الديمقراطي أظهر خلال السنوات الماضية
تفضيله عدم المراهنة تماما على الأقليات العرقية والبيض اليساريين، إذ لم يتخذ
سياسات حاسمة في ملفات مثل وضع حد لحمل السلاح وتوفير رعاية صحية حكومية، كما أن
قادته استنفروا ضد تصدر اليساري بيرني ساندرز كمرشح رئاسي عن الحزب، وهو ما أضعف
تماسكه الداخلي، مقارنة بصلابة موقف الجمهوريين المحافظ.
وبالعودة إلى “بيو”،
فإن 66 بالمئة من الأمريكيين السود يقفون مع تقييد حمل السلاح، وتبلغ تلك النسبة
75 بالمئة لدى ذوي الأصول اللاتينية، فيما يرى 54 بالمئة من البيض أن ذلك خط أحمر،
يمس بالدستور الذي يمنح المواطنين حق الدفاع عن أنفسهم.
وتوفر “احتجاجات فلويد” للحزب فرصة لحشد الأقليات للتصويت، بعيدا عن قطع
وعود في الملفات الحساسة بالنسبة للناخبين البيض، ما يعزز فرصهم بقلب الطاولة على
ترامب.
ماذا وراء الانكفاء؟
منع الأمريكيون السود من حق التصويت حتى عام 1870، لكن تطبيق التعديل الدستوري
الـ15، الذي أتاح لهم ذلك، واجه إعاقة من قبل المحكمة العليا، ومؤسسات الحكم في
العديد من الولايات، لا سيما الجنوبية منها.
ووضعت العديد من الولايات عقبات أمام الناخبين السود والأقل حظا في البلاد، من
بينها “اختبار الأمية” و”ضريبة الاقتراع”، التي لم يكن ذوو
الدخل المحدود قادرين على دفعها، ما حرمهم من حق التصويت.
وبالنظر إلى أن أغلب ذوي الأصول الأفريقية كانوا محرومين من التعليم لعقود، وعملوا
في وظائف محدودة الدخل ولا تتطلب تعلم القراءة والكتابة، فقط تأصل في مجتمعاتهم
ضعف الإقبال على صناديق الاقتراع.
وواصلت العديد من الولايات تطبيق تلك الإجراءات “التمييزية بشكل غير
مباشر” حتى عام 1964، عندما أقر التعديل الـ24 على الدستور، والذي يقضي بمنع
فرض ضريبة على حق الاقتراع، وتبعته قوانين وإجراءات أخرى للتعزيز فرص التحاق
الأقليات بالعملية الديمقراطية، إلا أن شهية الإقبال لم تكن كبيرة، بعد ذلك
التاريخ من الإقصاء، ووقوع حوادث عنصرية من وقت لآخر.
ومع ازدياد حدة الاستقطاب في الشارع الأمريكي مؤخرا، وعودة مشاهد العنصرية التي
تعود إلى عصر التمييز العرقي، يتوقع أن تشهد انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر القادم
اقبالا كثيفا على الصناديق، وسيحتاج كل من ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن إلى
كل صوت لضمان الفوز، فيما قد يشكل بقاء الرئيس الجمهوري لفترة ثانية ضربة محبطة
لحراك “فلويد”.