هل أثرت أزمة النفط العالمية على حظوظ ترامب الانتخابية؟
محمد عابد
تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في بدايات انهيار أسعار النفط، في آذار/ مارس الماضي، التقارير المحذرة من تضرر قطاع الطاقة في الولايات المتحدة، وما يترتب على ذلك من تسريح آلاف الموظفين، مكتفيا بالحديث عن الانعكاسات الإيجابية بالنسبة لمواطني البلاد، والمتمثلة بانخفاض سعر البنزين.
لكن ترامب، انقلب على ذلك المسار أخيرا، وقاد ضغوطا على السعودية وروسيا لدفعهما إلى التوصل لاتفاق خفض إنتاج، بهدف إعادة الاستقرار للأسواق، بعد حملة قادتها شركات أمريكية وأعضاء من حزبه الجمهوري بالكونغرس، يمثلون ولايات منتجة للنفط بالبلاد، ما يطرح تساؤلات عن ما إذا كان رصيده الانتخابي في قد تأثر هو الآخر في تلك الولايات المعروفة بميولها المحافظة تقليديا، قبل ستة أشهر من انتخابات يطمح من خلالها البقاء في البيت الأبيض لفترة ثانية.
ورغم التوصل لاتفاق بخفض الإنتاج بواقع 9.7 ملايين برميل يوميا، إلا أن أثر ذلك كان دون المتوقع على أسعار الخام، بحسب تقرير لموقع مجلة “بوليتيكو”، الذي توقع أن يستغرق الأمر عدة أشهر حتى تستعيد الأسواق عافيتها.
ثلاثة أسباب لـ”نجاته”
وتطرق تقرير نشره موقع مجلة “فوربس”، في بدايات الأزمة، إلى ثلاثة أسباب لعدم تضرر رصيد الرئيس الانتخابي في تلك الولايات، وأبرزها تكساس ونورث ديكوتا، اللتين تستحوذان على 53 بالمئة من إنتاج عموم البلاد، واللتين فاز بهما ترامب في انتخابات 2016.
وأولى تلك الأسباب، بحسب التقرير، أن الشريحة التي يمثلها قطاع النفط والغاز بالبلاد لن يكون أمامها سوى ترامب كخيار انتخابي بغض النظر عن نتائج الأزمة الحالية، لا سيما وأن الحزب الديمقراطي بات أكثر ميولا لخيارات “يسارية” في قطاع الطاقة، وأبرزها تعزيز الاستثمار في المصادر البديلة والصديقة للبيئة.
وثانيا، فإن المواطنين الذي سيخسرون جراء فقدان الوظائف لا يقارن عددهم بالمستفيدين من انخفاض أسعار المشتقات النفطية، فضلا عن قطاعات السفر والنقل المتعثرة جراء أزمة جائحة “كورونا”.
وكان تقرير لموقع شبكة “سي أن بي سي” قد أشار إلى أن تدهور أسعار الخام عالميا قد يتسبب بفقدان 50 إلى 75 ألف أمريكي لوظائفهم، من أصل أكثر من نصف مليون شخص يعملون في هذا القطاع.
أما ثالث تلك الأسباب، بحسب “فوربس”، فهو أن النفط الأمريكي ما يزال موجودا في حقوله، وستترتب على الأزمة اندماجات بين الشركات، ستتولى على إثرها الشركات الأكثر قوة وقدرة على الصمود قيادة القطاع بشكل أكبر، ما سيخلق فرصا أفضل لاحقا، وإن لم يحدث ذلك بشكل كامل حتى تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
وأوضح التقرير أن انخفاض أسعار النفط في عام 2015 و2016 أعقبته طفرة في صناعة الخام بالولايات المتحدة، وتصدرها العالم في الإنتاج، مشددا على أن “الاندماجات، وحتى الإفلاسات، توفر كفاءة إضافية للصناعة”.
“نصر” ترامب
رغم التوقعات بأن يستغرق تعافي قطاع الطاقة بالولايات المتحدة أشهرا، إلا أن ترامب نال ما أراده، وهو إرضاء شركات النفط الصخري بالبلاد، بحسب تقرير “بوليتيكو”، الذي أكد أنه خرج أمامها كمدافع عن هذا القطاع وعراب للصفقة السعودية الروسية.
وينقل التقرير عن راندولف بيل، مدير مركز الطاقة العالمي التابع معهد “المجلس الأطلسي (Atlantic Council) تعلقيه على الاتفاق بالقول: “هل ينقذ (شركات) النفط الصخري؟ ليس بالضرورة.. لكنه أمر جيد حقا لسياسته محليا”.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب تعهد بخفض إنتاج البلاد من النفط بواقع 300 ألف برميل يوميا، لإقناع المكسيك على خفض إنتاجها بـ100 ألف برميل، وإنقاذ الاتفاق من الانهيار، وهو ما شككت عدة تقارير بقدرته الوفاء به، لا سيما وأن القانون الأمريكي يحظر على الحكومة التحكم في حجم إنتاج النفط.
مخاوف الجمهوريين.. وخلافات مجتمع الطاقة
وفي الواقع، فإن الأمر لا يتوقف على ترامب شخصيا، إذ إن أعضاء الكونغرس الأمريكي من الجمهوريين، لا سيما الذين يمثلون الوليات النفطية، يخشون على تضرر مستقبلهم السياسي.
وقد تحركت مجموعة من الشيوخ بالفعل لممارسة ضغوط على البيت الأبيض بالتعاون مع شركات النفط الصخري، وتهديد الرياض إن هي لم تقدم تنازلات كافية من شأنها تمرير الاتفاق.
ونهاية الشهر الماضي، أجرى 13 عضوا في مجلس الشيوخ مكالمة صاخبة مع سفيرة المملكة لدى الولايات المتحدة، الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، نهاية الشر الماضي، أعربوا فيها عن استيائهم إزاء استمرار تدني أسعار الخام في الأسواق العالمية، وانعكاسات ذلك السلبية على الشركات الأمريكية، وهددوا بتقويض العلاقات بين البلدين، وتم بالفعل تقديم مشروع قانون بسحب القوات الأمريكية من السعودية.
بدورها، حثت الشركات البيت الأبيض على إجبار الدول النفطية على خفض الإنتاج دعما للأسعار، مستعينة بوزير الطاقة السابق ريك بيري في عملية الضغط، التي شملت المطالبة بمنع وصول الخام السعودي إلى أكبر مصفاة في أمريكا الشمالية.
في المقابل، فإن مطالبة ترامب بالتدخل وممارسة الضغوط عليه لم يكن محل إجماع في مجتمع الطاقة بالولايات المتحدة، إذ أشار تقرير لـ”فايننشال تايمز” إلى أن أكبر مجموعة لوبي في صناعة النفط بالبلاد، “معهد البترول الأمريكي”، الذي يمثل كبرى مجموعات إنتاج النفط الأمريكية، يعارض التحكم في الإمدادات.
ووجه رؤساء معهد البترول الأمريكي، و”صناع الوقود والبتروكيماويات الأمريكيين”، وهي منظمة ضغط أخرى، دعوة إلى ترامب لرفض السعي لتقييد النفط الأجنبي، مؤكدين أن القدرة على شراء النفط حول العالم “بما في ذلك نفط الشرق الأوسط”، يظل “مفتاح تميز لمصافي النفط الأمريكية”.
ويضيف مظهر “الانتصار” والوقوف إلى جانب شركات النفط الصخري، بغض النظر عن انتعكاساته الفعلية على واقعها، بطاقة نجاة أخرى من انعكاسات الأزمة على واقعه الانتخابي في الولايات النفطية، فضلا عن عدم وجود إجماع بين لوبيات الطاقة على الخوف من الأزمة.
وبحسب استطلاع أجرته مؤسسة “راسموسن ريبورترز”، المحسوبة على التيار الجمهوري، فقد تراجع التأييد لأداء ترامب، الجمعة، إلى أدنى مستوى منذ ستة أشهر، مسجلا 43 بالمئة، مقارنة بـ47 بالمئة حظي بها الديمقراطري باراك أوباما في الفترة ذاتها من عام 2012، أي في السنة الأخيرة من فترة الرئاسية الأولى.
لكن المؤسسة أرجعت ذلك التراجع إلى انتقادات لسياسات ترامب في مواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد بالبلاد، وليس إلى أزمة قطاع الطاقة، فيما قد يخفف أداؤه “الإيجابي” في صياغة الصفقة من وطأة الضغوط التي يتعرض لها بسبب الجائحة.