تايم: هكذا تضامنت إدلب المظلومة مع ضحية العنصرية فلويد
نشرت مجلة “تايم” الأمريكية مقالا للكاتب جوزيف هينكس،
سلط الضوء فيه على الرسام السوري عزيز أسمر، الذي اطلع على فيديو اللحظات الأخيرة
لمقتل “جورج فلويد” في مدينة مينابوليس، فالعنف كان قريبا لوطنه، رغم
أنه كان بعيدا عنه 6000 ميل.
بالنسبة لعزيز أسمر، فالرجل الأسود الأعزل والمقيد الذي يناشد ويقول إنه لا يستطيع
التنفس في حين جثا رجل الشرطة الأبيض على عنقه، أعاد تصوير ما عاناه عزيز هو وشعبه
السوري الذي هاجمه بشار الأسد بغاز السارين في الغوطة الشرقية عام 2013.
وقال أسمر في حديثه لمراسل “تايم” بمدينة بينش، شمال- شرق سوريا:
“في تلك المشافي كان الضحايا يبكون ويناشدون بأنهم بحاجة للتنفس”.
وأضاف: “رأيت جورج فلويد يناشد ورجل الشرطة يخنقه، وتذكرت الطريقة التي قتلوا
فيها”، في إشارة إلى الشعب السوري في الغوطة الشرقية.
وأعرب أسمر الذي يدير حصصا فنية للأطفال في إدلب، آخر معاقل الثورة السورية، عن
ألمه بالطريقة التي رآها مناسبة.
فقام هو وزميلان من زملائه برسم لوحة جدارية طولها ثمانية أقدام على جدار يقول إنه
كل ما تبقى من مطبخ عائلة قبل أن يقصفه النظام السوري، للتضامن مع الذين يبكون
أعزاءهم في الولايات المتحدة.
وأظهرت اللوحة وجه فلويد ملحقا بعبارة “لا أستطيع التنفس”.
وتضيف المجلة أن هذه العبارة أصبحت شعار الاحتجاجات في الولايات المتحدة، حيث رأى
العديد من المتظاهرين مقتل فلويد رمزا لوحشية الشرطة والعنصرية الممنهجة. كما أعرب
متظاهرون في تجمعات في كل من باريس ولندن وبرلين عن تضامنهم مع ضحايا وحشية الشرطة
الأمريكية، كما ولفتو الانتباه إلى العنصرية في بلدانهم.
كما وألهمت كلمات فلويد الأخيرة عددا لا يحصى من الرموز الفنية، بدءا من لوحة
الفنان تيتوس كافير التي تظهر على غلاف مجلة التايم هذا الأسبوع، وصولا إلى لوحات
الجدران التي تظهر فلويد في كل من كينيا والأراضي الفلسطينية المحتلة وأيرلندا
الشمالية.
وفي سوريا، يأخذ العمل الفني طابعا خاصا، حيث تتناقض الألوان الزاهية للوحة أسمر
مع الأنقاض العاكسة للشمس والحديد الملتوي للمنازل المدمرة.
وتقول رجاء الذيباني من منظمة “ويتنس”: “السوريون، خاصة في إدلب،
لديهم تاريخ من التضامن مع الظلم في جميع أنحاء العالم”.
وتدير الذيباني برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “ويتنس” لحقوق
الإنسان، وهي المنظمة التي تأسست بعد فيديو لوس أنجلوس الذي أظهر اعتداء الشرطة
على رودني كينغ لتكشف عن العنصرية المنظمة في الولايات المتحدة.
وتدرب “ويتنس” الصحفيين المواطنين في كل من أمريكا وسوريا وبلدان أخرى
على توثيق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان بشكل آمن.
وأضافت الذيباني أن السوريين من أمثال أسمر يرفعون أصواتهم، ويقفون مع المظلومين
في الولايات المتحدة، و”يبعثون رسالة قوية للعالم الذي أهمل بشكل كبير
سوريا”.
وتقول “تايم” إن إدلب كان سينظر إليها قبل عقد من الزمان، كمكان غريب،
لكي يتحول إلى آخر معاقل الثورة السورية. فهي محافظة ريفية بشكل رئيسي تشتهر
ببساتين الزيتون وحقول القمح. وكانت إدلب من أوليات المدن التي تظاهر أبناؤها ضد
نظام الأسد. إلا أن الانتفاضات في جميع أنحاء البلد سرعان ما أجبرت الديكتاتور على
تحويل قواته الأمنية إلى المراكز الحضرية الرئيسة، تاركا مدينة إدلب كمعقل يتمتع
بحرية نسبية.
واليوم تعدّ إدلب آخر المناطق الرئيسة التي يسيطر عليها المعارضون في سوريا. وعلى
الرغم من الضغط المتواصل من الجماعات الجهادية وجماعات الأسد المدعومة من روسيا،
إلا أن الحرية النسبية في إدلب عززت من ثقافة الفن والموسيقى النابضة بالحياة.
بالنسبة لأسمر كانت هذه الثقافة جزءا لا يتجزأ للتأكيد على إنسانية سكان الإقليم
البالغ عددهم 3 ملايين نسمة لمكافحة الدعاية الروسية ودعاية النظام.
وكما يقول: “نحاول أن نظهر أنه على الرغم من تعرضنا للقصف وفقدان الناس، ومن
ثم وصفنا بالإرهابيين، فإننا ما زلنا نشعر بالتعاطف. ما زلنا نشعر مع أناس مثل
جورج فلويد، الذين يتعرضون للاضطهاد في أجزاء أخرى من العالم”.
وتضيف المجلة أن جدارية فلويد ليست الأولى التي رسمها عزيز أسمر؛ ففي عمل سابق قام
بتصوير الصحفي جمال خاشقجي، الذي قتل في عام 2018 على يد فرقة قتل بداخل القنصلية
السعودية في إسطنبول. كما قام بتوعية الناس في إدلب ليكونوا بأمان من جائحة
الكوفيد-19 في عمل أخير. وكما يقول: “بصفتنا ناشطين وفنانين، نريد أن نوضح
أننا مدنيون، وندين العنف، ولدينا الحق في العيش بكرامة”.
وتعلق المجلة على ذلك بالقول إن المساحة تقلصت للسوريين كي يعيشوا بكرامة، ففي آذار/
مارس، استعادت القوات الحكومية بلدة كفرنبل، معقل إدلب المرتبط بشكل خاص بالفن
الثوري. وقد لفتت لوحات كفرنبل الاحتجاجية -التي أظهرت توبيخا غاضبا وذكيا للنظام-
اهتماما عالميا حتى وهي تسخر من صمت المجتمع الدولي بشأن سوريا.
وكان واحد من القوى الدافعة وراء هذه اللوحات ودور الصحفي المواطن، هو رائد فارس
الذي قتل خارج منزله في عام 2018.
وجاء سقوط كفرنبل بيد النظام بعد أشهر من شن الأسد هجوما لتعزيز سيطرته على سوريا.
وأجبرت ما يصل إلى مليون سوري على دخول مخيمات مؤقتة بالقرب من الحدود الجنوبية
الغربية لتركيا، ودمرت نظام الرعاية الصحية الرث بالفعل في منطقة، فيما تحذر
جماعات حقوق الإنسان من دمارها بالكامل بفعل كوفيد-19.
ومنذ اندلاع الحرب في عام 2011، قُتل مئات الآلاف من السوريين، وهاجر أكثر من 5
ملايين من البلاد، كما وتشرد أكثر من 6 ملايين في البلاد.
ولم تحظ جميع الأعمال الفنية التي تعالج قضية “حياة السود مهمة” برد
إيجابي من الناشطين. فعندما طالب عمدة واشنطن دي سي موريل باوزر عمال المدينة برسم
شعارات “حياة السود مهمة” بأحرف صفراء عملاقة على واحد من الطرق
الرئيسية في عاصمة البلاد، اعتبرها البعض رسالة قوية لحرف النظر بعيدا عن منتقدي
البيت الأبيض الذين أثاروا الانقسام في أمريكا.
إلا أن فرع الحملة “حياة السود مهمة” في العاصمة، الذي يدعو إلى
إلغاء تمويل الشرطة، وصف لوحة الشارع بأنها “تشتيت عرضي عن تغييرات حقيقية في
السياسة” تهدف لاسترضاء “الليبراليين البيض”.
وقادت المقارنات بين القمع في الولايات المتحدة وبلدان أخرى إلى استجابات معقدة
أيضا. فبعد مقتل فلويد، أنتجت الفنانة الفلسطينية المقيمة في الأردن لينا أبوجرادة
عملا يظهر ساق ضابط شرطة مكتوب عليها عبارة “تفوق أبيض” راكعة على رقاب
رجل أسود وامرأة أمريكية من الهنود الحمر الأصليين وفلسطيني.
وبعد يومين من مشاركة الرسم على وسائل التواصل الاجتماعي، قتلت الشرطة الإسرائيلية
فلسطينيا أعزل يدعى إياد حلاق. حلاق، الذي كان مصابا بمرض التوحد، وبحسب ما ورد
كان في طريقه إلى مدرسة القدس للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي مقابلة مع جريدة “ناشونال” الإماراتية، قالت أبوجرادة إنه على الرغم
من أن عملها قد لقي قبولا جيدا بشكل عام، إلا انه نال انتقادا من البعض على أن
الرسم مواز، ويحاول أن يقلل من معاناة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.
وقال أسمر هو الآخر إن هنالك اختلافات بين تجربة السود في أمريكا وتجربة السوريين
في إدلب، لكنه أراد بالعمل أن يعارض الاضطهاد، كما أراد أن يظهر التضامن مع
المضطهدين.
وفي النهاية، كان التضامن الذي لا يتم تبادله في جميع الأحوال. على الرغم من أن
روسيا وتركيا، الأخيرة التي تدعم بعض الجماعات المعارضة في إدلب، اتفقتا على وقف
إطلاق نار هش في مارس/ آذار، يقول أسمر إنه ومن منزله في بلدة بنش يمكنه رؤية
الحقول المشتعلة بعد أن تم ضرب الحقول بغارات جوية.
عندما تستهدف الغارات الجوية الأسواق المزدحمة أو المشافي “العالم يبقى
صامتا، ونحن لا نعلم ما السبب”، هكذا أخبر أسمر “التايم”. وأضاف:
“ماذا عن مستقبل أطفالنا؟ ألا تعتقد أن لهم حقوقا؟”.