بوليتكو: ضعف بشار الأسد في سوريا فرصة لأمريكا
نشر موقع مجلة “بوليتكو” مقالا اعتبر أن رئيس النظام السوري بات في أضعف حالاته في وقت تقترب فيه سوريا من حالة الانهيار، وسط احتجاجات وأوضاع اقتصادية.
وقال تشارلس ليستر، مدير برنامج سوريا ومواجهة الإرهاب في معهد الشرق الأوسط، الذي
كتب المقال، إن الولايات المتحدة لديها فرصة جيدة لمنع الكارثة.
وبدأ مقالته بالحديث عن التظاهرات التي شهدتها محافظة السويداء التي تشتعل فيها معارضة النظام منذ أيام.
وكانت رسالة قادة الدروز في السويداء جنوب البلاد هي “وعدنا الالتزام بالسلام، ولكنك إن أردت الرصاص فستحصل عليه”، حيث تجددت الاحتجاجات من جديد في يومي الأربعاء والخميس ورفع فيها بعض المتظاهرين علم الثورة السورية.
وظلت الطائفة الدرزية بعيدة عن النزاع المر الذي تشهده سوريا منذ تسعة أعوام، إلا أن الأزمة الاقتصادية المتصاعدة أجبرت أبناءها على الخروج إلى الشوارع وهتفوا: “يلعن روحك إحنا جايينك”، وعبروا عن تضامنهم مع 3 ملايين معارض للنظام في محافظة إدلب آخر معقل ضد الأسد.
والتظاهرات وإن كانت جديرة بالاهتمام، إلا أنها مقدمة لأزمة أعظم، باتت تضرب نظام
بشار الأسد، وكذلك فرص نجاته. وكان قرار الأسد عزل رئيس وزرائه عماد خميس، دليلا
واضحا على أن الأزمة المالية والاحتجاجات باتت تهدده.
وقال ليستر؛ إن الحديث عن انتصار الأسد في الحرب الدموية التي استمرت قرابة العقد من الزمان، بات أمرا معروفا في كل ما يكتب عن النظام، فقد استطاع قمع المعارضة واستعادة معظم المناطق التي خسرها بدعم من إيران وروسيا.
مع أنه بات واضحا في عام 2020، أن كل سبب من الأسباب التي قادت إلى ثورة 2011 لا تزال موجودة بل وساءت أكثر. فالتحديات لازدهار ومصداقية وبقاء النظام لا تزال موجودة في كل زاوية من زوايا البلاد.
ولأول مرة، بات الذين دعموا الأسد علانية أو سكتوا خوفا من قمعه يعبرون عن يأسهم. وبالتأكيد، فالحياة في سوريا عام 2020 تعد أسوأ من الظروف التي مرت على البلاد في الفترة ما بين 2014-2015.
وقام الأسد من خلال التمسك بالسلطة بتدمير بلاده واقتصادها. وتمنح اللحظة الجديدة فرصة للولايات المتحدة، على إحداث تغيير طال انتظاره، في بلد قد يصبح عود كبريت عالمي، مع أن دونالد ترامب والبيت الأبيض لم يهتما بالأحداث الحالية في سوريا، هذا إن قررت الإدارة الحالية استخدام أوراق النفوذ المتوفرة لديها للضغط على الأسد بطريقة قوية، وبالتعاون مع الدول الأوروبية والشرق أوسطية.
ثلاثة سيناريوهات
وبناء على الظروف الحالية، فهناك ثلاثة سيناريوهات تلوح بالأفق، أولها قيادة الأسد بلاده إلى خيار العزلة عن الاقتصاد العالمي، أي جعلها دولة منبوذة مثلما فعل النظام الحاكم في كوريا الشمالية.
وضمن هذا السيناريو، فسيحاول الأسد توسيع موقعه من خلال صورة الضحية. وبطرق مختلفة، فقد حضر الأسد قاعدته ليوم مثل هذا اليوم.
السيناريو الثاني، قد تأخذ سوريا طريق السير نحو الأسوأ بطريقة تجعل الأزمة تمس كل
مفصل من مفاصل الحياة السورية وبطريقة لا يمكن لأحد تخيلها، ما يفتح المجال لبؤس
جديد ومجاعات وجرائم.
وفي ظل هذا السيناريو، قد ينهار التضامن مع النظام جملة وتفصيلا، ما يفتح المجال لجعلها دولة فاشلة كالصومال، ما يعني كارثة إنسانية تجعل البلاد أرضا خصبة لتفريخ التطرف وزعزعة الاستقرار.
أما السيناريو الثالث، فهو حدوث تغيير في قمة الهرم الحاكم، وهو ما اقترحه عدد من الموالين القدامى للنظام. وبالنسبة لهم فهذه اللحظة قد تكون أخطر على نجاة الأسد من تلك التي واجهها في عز الأزمة.
وفي هذا السيناريو، قد يفشل الأسد في إقناع السوريين بالطريق الذي رسمه لهم، ويؤدي حنقهم وخيبة أملهم وغضبهم بدفعه من السلطة، وربما قامت روسيا باستبداله باسم قوي آخر في النظام.
ومن الصعب التكهن في حيوية أي من هذه السيناريوهات، ولكن هناك سيناريو آخر يمكن
للولايات المتحدة أن تديره بالتعاون مع الأوروبيين وشركائها في الشرق الأوسط.
ويرى الكاتب أن الوضع في سوريا يمثل قلقا كبيرا لكل من إيران وروسيا اللتين تعدان مصدر قوة النظام. ولم يكن النقد للنظام السوري في موسكو، سرا أم علانية، أقوى منه في أي وقت مضى، فالتدهور المستمر للاقتصاد واستمرار الجهود الدولية لفرض العزلة والعقوبات على النظام، قد تفتح الباب أمام داعمي النظام لدعم تسوية دولية مشروطة بالتعاون التدريجي وتخفيف العقوبات.
ورغم تعرض النفوذ الأمريكي في سوريا إلى تراجع بسبب القرارات المتهورة والمتعجلة
من البيت الأبيض، إلا أن أمريكا لا تزال مهمة في سوريا والعالم ويمكنها والحالة
هذه تشكيل نتيجة أي تسوية.
وفي الحقيقة، يوفر ضعف الأسد الحالي فرصة لم نرها منذ وقت طويل. وشهدنا في الأشهر الأخيرة كيف انهار الاقتصاد السوري وعانى من تضخم كبير وإغلاق محلات تجارية، ونقص في المواد الغذائية وزيادة في معدلات البطالة.
فيما انخفضت قيمة العملة السورية لما بين 2.400- 3.000 ليرة مقابل الدولار. ولم يعد الموظف قادرا على شراء أي شيء براتبه الشهري، إلا -ربما- بطيخة أو كليو أو اثنين من الليمون.
وتعيش نسبة 85% من السوريين في ظروف الفقر، ولم يكن النظام قادرا على توفير قمح يكفي لنهاية 2020، وهذا يعني نقصا في الخبر. وتحذر منظمات غير حكومية من مجاعة قد تندلع في نهاية العام في بلد يواجه أيضا تحدي انتشار كوفيد-19.
وبعيدا عن الوضع الاقتصادي، فقد فشل الأسد في تحقيق الاستقرار بمناطق المعارضة السابقة، فبالإضافة للسويداء شهدت درعا “مهد الثورة” سلسلة من المواجهات المسلحة، واستغل تنظيم الدولة الأوضاع وبدأ بالعودة في بادية الشام.
أما تركيا، فقد ضاعفت من جهود الدفاع عن ما تبقى من مناطق المعارضة، وشنت حملة جوية غير مسبوقة انتقاما لمقتل جنودها. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل السخرية من “السيادة” السورية في غارات جوية تستهدف ما تقول إنها أرصدة إيرانية.
ويعلق ليستر بأنه لا يوجد حل سحري موجود لسوريا، ولو كان هناك؛ فالولايات المتحدة
لا تستطيع توفيره، إلا أن سوريا مهمة للمصالح الأمريكية والشرق الأوسط وما بعد.
فقائمة الآثار التي تركها النزاع السوري وحولت العالم خلال العقد الماضي متعددة؛ فموجات اللجوء من سوريا إلى أوروبا ساعدت في زيادة الشعبوية في السياسة الأوروبية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي أثبت عجزا في مواجهة الأزمة.