أزمة النفط في سياق كورونا والركود الاقتصادي (تحليل)
من المرتقب انعقاد اجتماع منتجي النفط أوبك+ وآخرين، غدا الخميس، في سبيل إعادة التوازن لأسعار النفط.
وتتابين الآراء حول إمكانية اتفاق أطراف النزاع خاصة السعودية وروسيا على خفض الإنتاج، حيث أدى انهيار اتفاق خفض الإنتاج مطلع آذار الماضي إلى فقدان أسعار النفط 30 بالمئة من قيمتها، ما دفع الولايات المتحدة للتدخل وطلب إعادة الاستقرار لسوق النفط.
وهناك من رأى أن السعودية وموسكو وعبر زيادة إنتاجهما من النفط خلال الشهر الماضي، أرادتا التأثير على شركات إنتاج النفط الصخري الأمريكي (المنافس وذو التكلفة الإنتاجية الأعلى)، وما تأجيل الاجتماع المرتقب إلا محاولة لوضع واشنطن على طاولة التفاوض على منتوجها من الخام أيضا، الأمر الذي ترفضه الأخيرة بالمطلق بطبيعة الحال.
وكذلك بقيت نظرة بعض الخبراء متشائمة تجاه تعافي أسعار النفط، في ظل ما تشهده الأسواق العالمية من تراجع في الطلب مع وفرة بالعرض، بسبب أجواء الركود المخيمة على الاقتصاد العالمي، مع استمرار التداعيات السلبية لتفشي جائحة كورونا.
خلل ببنية الاقتصاد
يرى المختص في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، أن أزمة النفط الحالية مجرد انعكاس لخلل متجذر في هيكل الاقتصاد العالمي، حيث تتحكم الولايات المتحدة في كمية الدولار المتوفرة في الأسواق، وهو ما دفع البلدان المنتجة للنفط إلى رفع طاقتها الإنتاجية، مع اتجاه واشنطن لتخصيص السيولة من عملتها على الداخل الأمريكي، للحد من تداعيات كورونا السلبية.
تجدر الإشارة إلى أن واشنطن أقرت حزمة تحفيزية للاقتصاد تصل إلى 2.2 تريليون دولار أمريكي.
وفي حديثه يقول القاروط: “أسعار النفط تعكس انخفاض أو ارتفاع قيمة الدولار، وأمريكا كانت مضطرة لتزويد العالم بالدولارات حتى تستطيع الدول شراء النفط، لكن أزمة الاقتصاد الأمريكي الداخلية وتزامنها مع الوباء، قلصت من وفرة العملة في السوق، وهو ما واجهته الدول بزيادة العرض للحصول على العملة، حتى تقدر على الوفاء بالتزاماتها”.
ولفت إلى “استطاعة أمريكا رفع سعر برميل النفط بسهولة من خلال عدم طباعة الدولار، فالشح بالعملة رفع قيمتها وبالتالي يزيد سعر البرميل، لكن تبعات ذلك على أمريكا تتمثل في خفض القدرة الشرائية للمواطن الأمريكي وحدوث تضخم ورفع لتكلفة دفع الدين العام”.
ويضيف: “لو أن روسيا والسعودية يبيعون النفط باليورو فهم من يحددون السعر، لكن الذي يحدد النفط هو التدفق النقدي من الدولار على هذا القطاع من السوق، وبالتالي منتجو النفط يدفعون ثمن السياسة الأمريكية بالخصوص”.
ونوه إلى أن الخلل البنيوي في الاقتصاد العالمي تمثل في تصاعد فقدان الثقة بالدولار على مستوى العالم، عقب الأزمة العالمية عام 2008، ما أقنع الكثيرين للبحث عن بدائل للعملة الأمريكية.
ويستبعد أن يكون هدف هذه الأزمة هو محاولة التأثير على النفط الصخري الأمريكي، بل يرى أن ما فعلته السعودية والإمارات بزيادة الإنتاج جاء كخطوة مدروسة (تخفيض تكلفة هذا الخيار)، في محاولة لمواجهة الركود الاقتصادي القادم والتنبؤات القوية بحدوث الكارثة، وليس كردة فعل على انهيار اتفاق خفض الإنتاج، مطلع آذار الماضي.
وبهذا الصدد، ينبه القاروط إلى أن زيادة إنتاج دول الخليج من النفط، بدأت بعدما أغلق موالون للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر (المدعوم خليجيا) موانئ إنتاج النفط في ليبيا، وبالتالي فإن إمدادات النفط العالمية لم تتأثر كثيرا، خلال الأشهر الماضية.
يشار إلى أن المؤسسة الوطنية للنفط بليبيا أعلنت وقف إنتاج النفط منتصف كانون الثاني بفعل “القوة القاهرة”، ومنذ ذلك تكبدت ليبيا خسائر تزيد عن 3.9 مليارات دولار، بسبب تراجع إنتاجها من النفط نحو 92 بالمئة من 1.2 مليون برميل يوميا قبل الأزمة إلى نحو 89 ألف برميل يوميا مطلع نيسان/أبريل الحالي.
وقبل ذلك بأيام، أعلنت الإمارات عزمها رفع إنتاجها من النفط 4 ملايين برميل يوميا نهاية العام الجاري، وفق تصريحات سلطان الجابر وزير الدولة والرئيس التنفيذي لشركة بترول أبوظبي الوطنية أدنوك، في الـ11 كانون الثاني/يناير الماضي.
كما يستبعد المختص في الاقتصاد السياسي أن ترضى أمريكا أن تكون طرفا في مفاوضات خفض إنتاج النفط، ولن تسمح للسعودية وروسيا بأن تتدخل في تحديد كمية إنتاجها من النفط.
فالأمريكان ينظرون لأنفسهم كقوة أولى في العالم، وملف صناعة النفط والمال بالنسبة لهم بمثابة أمن قومي، لا يمكنهم التفاوض عليه، أو السماح لأحد بالتأثير فيه.
عامل كورونا
ويشرح الخبير الاقتصادي، يونس الكريم، تأثير ما أحدثه فيروس كورونا من ركود اقتصادي على أسعار النفط، بأن الوباء أوقف عجلة الإنتاج في قطاعات مهمة تعتمد على النفط، كقطاع النقل الذي يستهلك 32 بالمئة من المحروقات في العالم، وقطاع الصناعة الذي يستهلك 15 بالمئة، على سبيل المثال.
إن هذا التوقف بفعل إجراءات الدول الاحترازية، أدى لنقص في الطلب ووفرة في المعروض (مخزون النفط العالمي شبه ممتلئ) تراجعت بسببها أسعار النفط، وفق ما قاله الكريم لـ”عربي21″. وعليه ربما لن تتأثر الأسعار كثيرا مع توصل المنتجين إلى اتفاق بخفض الإنتاج.
لكن انحسار الوباء عن دول العالم وتراجع الحجر، وربما مع مجيء الصيف (ذروة الحركة والإنتاج)، سيظهر تعطش السوق للنفط، وهو ما تحرص الدول المنتجة للخام على ضمان حصتها فيه، من خلال المفاوضات الجارية حول الإنتاج.
ويرى بأن الضغط الأمريكي على أطراف النزاع “سيكون له تأثير في الحد من تدهور أسعار النفط، لأن هذه الأسعار المنخفضة لا تخدم أيا من أطراف الأزمة”.
ويوضح الكريم ذلك بالقول: “إن تكلفة إنتاج البرميل في السعودية 10 دولارات، بينما في الولايات المتحدة 36 دولارا، وفي روسيا 17.3، وهذه الأرقام تشير إلى أن موسكو وواشنطن لا يستطيعون الاستمرار بهذا الصراع، في ذات الوقت هي تشكل تحديا على المدى الطويل للرياض وخطتها الاقتصادية المنشودة عام 2030”.
وأضاف: “لا أعتقد إمكانية استمرار هذا الصراع”. لأسباب تقنية يشرحها بأن التكلفة الرأسمالية التي لا تتغير لإنتاج برميل من النفط الصخري الأمريكي هي 21.2 دولارا، في مقابل تكلفة تشغيلية أقل تصل لـ 14.8 دولارا.
أما النفط الروسي تكلفته التشغيلية 8.9 وهي أعلى من التكلفة الرأسمالية، وبالتالي تقود زيادة الإنتاج لرفع التكلفة الإنتاجية في روسيا، وبالتالي لكل مليون برميل تزداد التكاليف بنسبة 5 إلى 6 بالمئة، مما يقلل الأرباح العائدة من بيع النفط.
وروسيا في الوضع الحالي كمن يبيع النفط بشكل مجاني، لو احتسبنا تكاليف نقل النفط، والتي تشكل هنا 80 بالمئة من كلفة البرميل، وهذه الضغوط الكبيرة على روسيا، تساعد في التوصل لاتفاق.
ومع أن السعودية لديها مرونة أكبر في استمرار هذا الصراع، لأن تكلفة الإنتاج لديها منخفضة جدا، كما أنها قريبة من آبار النفط وموانئ تصديره، على عكس روسيا، إلا أنها تتضرر على المدى الطويل.
ويرى الكريم أن سبب “الحرب” بين هذه الدول يتعلق بـ”خطوط نقل الطاقة”، فاستيلاء روسيا على الواجهة البحرية في المتوسط من خلال سوريا (التي تتميز بوجود بنية تحتية لنقل النفط)، بات يهدد بقية المنتجين، الذين يسعون لتحجيم دور روسيا في هذا المجال.