قس، مغنٍ ورياضي… جمعتهم تهم التحرش والاغتصاب فغض العرب عنهم الطرف وحاكمهم الغرب
كما هو واضح في العنوان سيكون حديثنا عن ثلاثة أشخاص، اختلفت مهنهم وأدوارهم في الحياة وجمعتهم وصمة العار، إذ اتهموا ثلاثتهم بالتحرش والاغتصاب فأدين رجل الدين، الكاهن منصور لبكي، بتهمتي اغتصاب وتهمة اعتداء جنسي على ثلاث قاصرات، في فرنسا. وأحيل إلى القضاء الأمريكي مروان حبيب، لاعب كرة الطائرة والمدرب الرياضي، عقب محاولته الاعتداء الجنسي على امرأة في ميامي بعد إفلاته من دعاوي التحرش التي لاحقته لسنوات، وأخيرًا سنتناول سعد لمجرد، الذي قد يواجه 20 سنة سجنًا إثر تطورات جديدة في قضية اتهامه بالاغتصاب، الأمر الذي ضج به الوطن العربي لفترة ثم نام عنه.
حديثنا ليس مجرد تداول لفضائح شخصيات بارزة في الوطن العربي، لكنه سيطرح مجموعة تساؤلات ولمساعدتك في الإجابة عليها أو حتى طرحها، للأسف، يجب أن نخوض في تفاصيل القصص الثلاث السابقة، فدعنا نبدأ برجل الدين.
الكاهن المدرّس الكاتب الصحفي… منصور لبكي
قضت محكمة فرنسية العام الماضي غيابيًا بالسجن 15 عاماً فقط، نظرًا لسن المتهم 81 عامًا، على الكاهن اللبناني، منصور لبكي، بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصرات، وأدرجت اسمه في لائحة مرتكبي الجرائم الجنسية. وكان قد أدانه مجمع عقيدة الإيمان في الفاتيكان بالاعتداء الجنسي عام 2013، وحكم عليه بحياة من العزلة والصلاة في أحد الأديرة في لبنان!
من الضحايا اللواتي تستند المحكمة إلى شهاداتهن، فتاة فرنسية كانت في عمر الـ 13 عاماً عندما انتهك لبكي حرمتها، وفتاتان لبنانيتان يتيمتان كانتا في سن الـ 7 والـ 11 عاماً عندما غادرتا لبنان إلى فرنسا. شهدت الفتيات الثلاث أن الأب الذي كان يدعوهنّ، بذريعة الاستماع إلى اعترافاتهن وإلى معاناتهن، كان يجلسهن على ركبتيه، ثمّ يغتصبهن.
في المقابل، أنصار لبكي يدّعون براءته وأن ملاحقته القضائية ما هي إلا “مؤامرة وتلفيق”، فلبكي المعروف على نطاق واسع في لبنان بسبب أنشطته الخيرية وبرامجه الدينية، وتأليفه الكتب وحصده الجوائز، يرى أنصاره فيه الأب الروحي، ويرددون ترانيمه التي تناقلتها الأجيال، أنصاره يتمسكون ببراءته وبأن ملاحقته القضائية محض غيرة وكيد لحق به لأنّ صوته جميل في الترانيم! فلبكي أسس جمعيتين للأطفال في لبنان لرعاية يتامى الحرب وأدار ميتماً في باريس، فكيف له أن يتخذ من عمله الإنساني غطاءً يخفي تحته تحرّشه واغتصابه للأطفال! لا بدّ أنّها غيرة الغرب وكيدهم لا غير!
بينما أكّد المدعي العام في قضيته أن التحقيق كان طويلاً، بل طويلاً جداً، وأنّ لبكي سعى إلى تشويه سمعة المدّعيات، واتّهمهن بالجنون، وأنّه مارس بعلاقاته ضغوطاً، مباشرة و غير مباشرة على بعض الضحايا أو عائلاتهم. فإن كانت محامية الادّعاء ستواجه الحكم بالسجن عشر سنوات إذا ذهبت إلى لبنان، بعد ادّعاء محكمة جنايات لبنانية عليها بتهمة التشهير، فما بالكم بالضحايا الأيتام!
كذلك شهدت ابنة أخت المتهم، سيليست عقيقي، عليه وأنّه اعتدى عليها جنسيًا عندما كانت طفلة ولسنواتٍ عدة، وأنّها عاشت طويلًا مع ألمها في انتظار أن يعلو صوت يجرّمه لتنضم إليه. وقدِمت من الولايات المتحدة إلى فرنسا لتدلي بشهادتها. وقالت عند إدانته:
الإدانة ستشكّل اعترافاً ببراءة الضحايا. إنّه أمر أساسي لالتئام الجروح، خصوصاً أنّه لا يبدي أيّ ندم، ويقدّم نفسه على أنّه ضحية مؤامرة”.
تنضمّ إلى عقيقي مارلين غانم، سيدة لبنانية مقيمة في إيطاليا، وكسابقتها هي سيدة تخطت الأربعين، واتهمت لبكي بالاعتداء عليها في ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت بين الـ 14 و16 عاماً.
أدانه الغرب فماذا فعل العرب؟
صمتت الكنيسة المارونية عنه وفور تداول الاتهامات الموجهة للكاهن علناً، سارعت شخصيات كنسية لشن حملات دفاع عن لبكي، على رأسها البطريرك بشارة الراعي، الذي اعتبر التهم الموجهة للبكي “مؤامرة من البشر وظلم من الكهنوت”.
إلى جانب الكنيسة وقفت وسائل إعلام لبنانية، حملات دفاع عن الأب لبكي وتلميع صورته، فبثت “نور سات”، التي كان اسمها حينها “تيلي لوميار“، برنامجًا من 13 حلقة بعنوان “نور الحقيقة” عن حياة لبكي و”إنجازاته”.
وتابع المقال الذي كتبه أنطونيو الزعني: “إنه حقًا مذنب لأنه علّم أجيالًا على مر السنين من دون مقابل، وقد عرفت منهم الكثير شخصيًا! وهو مذنب أيضًا لأنه كان الأذن الصاغية لمآسي المتعبين وحتى المضطربين منهم! كيف لا يكون مذنبًا وهو الذي علّم أجيالًا وأجيالًا حين كان مدرسًا من دون أن ننسى ثقافته المتواضعة التي سمحت له بأن يتبوأ مركز مدير مجلة “الفصول الثقافية”! ومن أبرز ذنوبه أنه أسس “بيت سيدة الفرح” وجوقة “منشدي لبنان الصغار” للعناية بيتامى الحرب بهدف تعزيز التسامح والمحبة والسلام! كما أنه أسس جمعية “لوتدحال” (أي لا تخف) لتعزيز ثقافة الإيمان والشجاعة لدى من قست عليهم الحياة ولتكريس البعض لخدمة الرب!”.
أما عامة النّاس فانقسمت لقسمين، منهم من اعتبر حكم المحكمة الفرنسية أمرٌ لا لغط ولا شكّ فيه، ومنهم من رأى فيما يحصل محض غيرة من جمال صوته! شاهد وتعجّب:
“الدونجوان” الرياضي مروان حبيب
انتشر مؤخرًا خبر إلقاء القبض على مروان حبيب، لاعب كرة الطائرة ومدرّب رياضي، في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد اعتدائه جنسيًا على فتاة في شاطئ ميامي.
اتُهم حبيب بقضايا تحرش كثيرة في لبنان، كما أجرى مقابلة تلفزيونية حاول عبرها تبييض صفحته، تابعت شخصيًا جزءًا منها ويومها ثقته بنفسه وإصراره على براءته صدمتني، كما أثارت ردود فعل واسعة في لبنان ومنهم مايا دياب التي غرّدت:
اعتقلت الشرطة الأمريكية مروان حبيب من منزله بعد أن استهدف، امرأة قدمت في زيارة إلى ساوث بيتش في ميامي. ليواجه تهم السرقة والاعتداء والتحرش. وحسب جهة الادعاء، فقد “حضر حبيب إلى غرفة المُعتدى عليها من دون إذنها، لتتفاجأ به على حافّة سريرها، ثم قفز فوقها ولمسها وقبّلها عنوةً”.
لم تكن هذه القضية الوحيدة التي رفعت ضدّه في أميركا، بل تلقّت شرطة ميامي عدّة شكاوي بأنّه “يُلاحق النساء بهدف مواعدتهنّ أو ممارسة الجنس معهنّ حتّى ولو أبدَينَ رفضهنّ”.
ما توقفت عنده شخصيًّا هو أنّه طلب من القاضية أن يخرج بكفالة لتردّ الأخيرة، “لن تذهب إلى بيتك اليوم يا سيدي”، لم لا؟ وهو الذي سبق أن اتُّهم بقضايا تحرش كثيرة في لبنان، لا سيما بطالبات في محيط جامعات متعددة في بيروت، ومع ذلك لم يتم توقيفه، أو بالأحرى أوقف ثم أطلق سراحه لأسبابٍ غامضة.
عن توقيفه غرّدت حياة مرشاد، الناشطة النسوية:
مروان حبيب وفي لقائه الذي حاول أن يلمع فيه صورته أنكر وبشدة كل الاتهامات الموجّهة إليه، اتّصل مالك أحد الملاهي الليلية وقال إنّه منع حبيب من الدخول إلى ملهاه بسبب تحرّشه العنيف بالفتيات وأنّ لديه العديد من الفيديوهات المصورة لحبيب عن طريق كاميرات المراقبة، وأن فيديو معيّن يظهره يقوم بفعلٍ شائن على باب الملهى.
تتالت الادّعاءات والاتصالات في ذلك اللّقاء، وأنكرها حبيب الذي ادّعى أن كلّ هذا تلفيقات ومحاولات من حبيبته السابقة وآخرين لتشويه سمعته، ولم يدن على الرغم من كثرة الادعاءات ووجود الدلائل، بل إنّه ذاع صيته فسمّي “متحرّش الحمرا”، ومع هذا لم يعاقب.
المعلّم… سعد لمجرد
كثر الحديث في أفعال صاحب أغنية “نسكت وانت موجود ما نرضى نتكلم”، حتى إنّه قد يواجه 20 سنة سجنًا إثر تطورات جديدة في قضية اتهامه بالاغتصاب، فمحكمة الاستئناف في باريس قررت إعادة النظر في قضية اتهامه باغتصاب لورا بريول، شابة فرنسية كانت في العشرين من عمرها عام 2016، بعد أن اعتبرت المحكمة أن هناك تهمًا كافية لتوصيف الحادثة بأنها اغتصاب وليست اعتداءً جنسيًّا، وذلك بحسب معلومات جديدة نشرتها جريدة لو باريزيان الفرنسية.
هذا وكان ألقي القبض على لمجرد، في أكتوبر 2016، بتهمة الاعتداء على لورا بالضرب والاغتصاب. ليحجز في السجون الفرنسية على ذمة التحقيق، ثم يفرج عنه ويوضع تحت الإقامة القسرية بعد أن تم تثبيت سوارًا إلكترونيًا في قدمه منعًا لهروبه من فرنسا. ثم قرّر القضاء الفرنسي إزالة هذا السوار بشرط ألّا يغادر فرنسا، لتعود القضية العام الماضي إلى الواجهة من جديد.
الغريب في الأمر، على الأقل بالنسبة لي، أن شعبية لمجرد لم تتأثر رغم عودة القضية إلى الأضواء والفضائح الجنسية المرتبطة به، بل تخطّت أغنيته الجديدة “الغادي وحدو” الـ 26 مليون مشاهدة حتى اليوم ولا زال يعقد الحفلات وكل ما تداوله الأخبار العربية ملابسه الغريبة! والله لا أغرب من ملابسه إلا أفعالهم.
لم تكن هذه قضيته الأولى ولا الأخيرة
فقبلها، عام 2010، اتّهمته فتاة أمريكية بالاعتداء الجسدي والجنسي عليها، بعد أن دعاها إلى شقته بنيويورك وحاول التقرب منها فقابلته بالرفض، فحاول اغتصابها بعد أن عنّفها وضربها، وفق صحيفة “ديلي نيوز” الأمريكية. اعتقل لمجرد على إثر الحادثة وسجن حينها ليطلق سراحه بكفالة ثم يفر من الولايات المتحدة. واليوم قد يواجه عقوبة السجن 25 عامًا إذا دخل الأراضي الأمريكية أو في حال تسليمه.
عندها لم يكن معروفًا ولا غنيًّا حتى نتهم الفتاة، كما اتّهمت الفرنسية، أنّها متسلّقة أو مدفوعة من أحدهم.
وبعدها، في 2018، اتّهمته شابة فرنسية باغتصابها، في مدينة سان تروبيه الساحلية جنوب شرق فرنسا. فسجن لمجرد لشهرين ونصف الشهر قبل إطلاق سراحه وإبقائه قيد المراقبة القضائية وإرغامه على الإقامة في باريس طوال مدة التحقيق.
وعلى إثرها، وعندما خرجت هذه القضايا للعلن، تجرأت شابة فرنسية مغربية على اتّهام لمجرد بالاعتداء الجنسي عليها والضرب في حادثة جرت في الدار البيضاء عام 2015، غير أنّها سحبت الدعوة لاحقًا فقرر القضاء تعليق الدعوة.
ليسوا الوحيدين لكنّهم الأبرز
اتهمت زوجة أستاذ جامعي شهير في الإسكندرية المخرج خالد يوسف بالتحرش،أنّه لم يتحرّش يومًا بامرأة بل العكس هو من يتعرّض بشكلٍ مستمر للتحرش. هذا وفي حادثةٍ أخرى نشرت له فيديوهات مخلّة، ادّعى وقتها أنّها مفبركة،
كذلك اتهم المطرب الإماراتي سعود أبو سلطان وصديقه، باغتصاب فتاة فرنسية من أصول جزائرية، وسجن على إثرها ثلاث سنوات.
واتهمت الممثلة، أثار الحكيم، رامز جلال بالتحرش في برنامجه الرمضاني “رامز قرش البحر”، وربحت الدعوى ومنعت MBC على إثرها من بث الحلقة.
مشاهير ولكن…
إلى أين أريد أن أصل بعد هذا السرد؟
إلى أن نسأل، أنت وأنا، لماذا استطاع المتحرّش لسنين طويلة، الذي لم يتوانَ عن التحرّش بابنة أخته وعرضه، أن ينجو بأفعاله حتى اليوم؟ لماذا لا تسلّمه السلطات إلى المحكمة الفرنسية؟ ألم يشتبه أحد بعلاقة غير طبيعية بينه وبين رعاياه الأطفال على مرّ هذه السنين؟ أم يعد يومًا طفلًا باكيًا إلى ذويه فيسألوه؟ لماذا فقط عندما سافر إلى فرنسا كشفت جرائمه؟
لماذا عرف الكثيرون بجرائم مروان حبيب وأطلقوا عليه لقب “متحرّش الحمرا” ولم يدن يومًا على كثرة الدلائل والشهود؟ لماذا نستضيفه في برامجنا ونتابعه على شاشاتنا ونأتمنه على جيل ليدرّبه ويكون له قدوة؟
لماذا بلغت مشاهدات أغنية لمجرد 25 مليون؟ ولماذا في حين خرجت حركات نسوية لـ “إيقاف المغتصب” وألغيت حفلة له، لا زالت مسارحنا تستضيفه وشبابنا يرددون أغانيه ويحضرون حفلاته؟
ستجيبني الأنظمة، الفساد، الرشاوي والمحسوبيات، وسأجيبك لأنّنا مجتمع يحمي المتحرّش والمغتصب، يدافع عنه ويرجم ضحاياه.
فالأنظمة، مهما بلغ فسادها، لن تجبرك على شراء ألبوم لشخص رفعت بحقه 4 قضايا اغتصاب، ولا على حضور حفلة لمتحرّش، ولا على الصلاة وراء رجل دين مهما جمل صوته أو ترنّم، لن تسحبك الأنظمة إلى قدّاسٍ يقيمه رجل دين رائحة أطفالنا على يديه، لنقول وراءه آمين. الفساد لم يجبر أحد على استقبال متحرّش في ملهاه ولا برنامجه ولا نواديه.
كيف أجرؤ وأتّهم مجتمع النخوة والمروءة؟
لن أجيبك، دع جوجل يفعل. اذهب في اللحظة التي تنتهي فيها من قراءة كلماتي أو لا تستمر للنهاية وابحث الآن عن “تحرّش جماعي”، ستظهر أمامك فيديوهات كثيرة، شاهد رجال الشهامة والنخوة يتهجّمون على فتيات في الساحات العامة، شاهد رجالًا آخرين يشاهدون دون اكتراث، اسمع صرخات الفتيات تستنجد، دعك من الفيديو واقرأ التعليقات، كم تعليق برّر الفعلة بلباس الفتاة!
ابحث عن فيديو للتحرش الجماعي في السعودية، فتيات لا يرى منهن غير السواد يغطيهن، انقضّ عليهن شبّان كما قطيع السعادين، يقفزون على سياراتهن، ويسحبن ثيابهن ويصرخون.
ابحث عن فيديو لفتيات مصريات “محجبات” يلحق بهن أكثر من 50 شاب!
ابحث عن فيديوهات لمحاميين يتذرّعان أن التحرّش كان سببه سمعة الفتاة فقد كانت تتراقص على التيك توك، رجال علمٍ وقانون، كانت هذه ذريعتهم!
دعك عن النساء وابحث عن تعليقات على فيديو تحرّش رجل المعادي، ستجد بضع تعليقات ولو كانت قليلة لكنّها موجودة، تتركك في حالة ذهول، اتّهموا الطفلة إمّا بسوء التربية أو استدراج الوحش، الوحش الذي دفعه ما لقيه من تعاطف بعض المرضى معه أن ادّعى أنّها كانت تحاول سرقته وحاول أن يدافع عن نفسه بأن انقضّ عليها!
فقط عندما نعترف ألّا مبرّر للتحرّش ولا مبرّر للاغتصاب، سنستطيع أن نضع لهؤلاء حدًّا.
ختامًا …واعذرني على الإطالة
عندما كنت طفلة وكانوا يدّعون أن القطط السوداء يلبسهنّ شيطان، كنت أستغرب على صغر سنّي أن يكون الشيطان بهذا الحمق، فلماذا قد يختار كائنًا واضحًا ليتلبّسه؟ لو كنت الشيطان لبحثت عن آخر مكانٍ سيبحث فيه الناس، عن قدواتهم وسكنتها، حينها سيمشون ورائي بلا تفكير، إن اغتصبت ستروا وإن هتكت أعراضهم غفروا.
ارجيك