انطلق وابدأ مشروعك الخاص، لكن لا تقدم استقالتك الآن
وفقًا لأحد الاستطلاعات التي نشرتها صحيفة New York Post، فإن هناك حوالي 62% من الأمريكيين يحلمون ببدء مشاريعهم الخاصة والابتعاد عن العمل التقليدي. غالبًا ما يسعون وراء الصورة النمطية لريادة الأعمال ويبحثون عن نشوة الانتصار التي ستأتي عندما يعينون موظفين جدد تحت أيديهم. أدمغتهم مُبرمجة على ثقافة “الكل أو لا شيء” رغم كونها محفوفةً بالمخاطر.
ما يجب أن يفكر به أولئك الحالمون هو: “نعم، لا ضرر من التفكير في ريادة الأعمال وإنشاء مشروعي الخاص، ولكن يجب أن أحافظ على وظيفتي ما دمت قيد البحث والتفكير”.
عند بدء مشروعك الخاص ستواجه تحدياتٍ كثيرة وعقبات قد توقعك وتثبط من عزيمتك، ولهذا يجب عليك التأكد من شيء في غاية الأهمية ألا وهو سهولة التوفيق بين وظيفتك الحالية الروتينية ومشروعك الخاص المستقل.
اتفقنا على ضرورة الإبقاء على وظيفتك ما دمت رهن التخطيط، وأن سياسة “الكل أو لا شيء” ما هي إلا حماس مبتدئين، ولكن ما هي الخطوة القادمة؟
التوفيق بين الجانبين هي الخطوة القادمة؛ لنقل مثلًا إنك تعمل في أحد المكاتب الاستشارية، أو كطبيبٍ في أحد المستشفيات، ولكنك مللت من التكرار الروتيني يومًا بعد يوم وثُرت على نفسك وأردت استقلالًا مريحًا، فالخطوة القادمة المنطقية يجب أن تنطوي على أحد المجالات التي تريد اتخاذها كسبيل للاستقلال من قيود الرتابة. الأهم من ذلك أن تضمن شيئين: الأول هو أنّ ذلك المجال مُحببٌ إليك، والشيء الثاني والأهم هو ألّا يتعارض ذلك المجال مع طبيعة عملك الحالية.
إذا أردت أن تصبح كاتبًا مستقلًا على سبيل المثال وأنت تعمل حاليًا كطبيبٍ في إحدى المستشفيات، فلا مانع أن تثقل مهارتك ككاتب، أليس كذلك؟ ما أعنيه هنا أنه لا يوجد تعارض بين عملك الروتيني وعملك الخاص.
السؤال الذي يجب أن تسأله لنفسك: “لماذا يجب عليّ ألا أترك عملي الروتيني الحالي؟” إليك خمسة أسباب:
الراحة النفسية
عندما تقرر أن تبدأ عملك الخاص، يجب أن يتبادر إلى ذهنك سؤالُ محدد ألا وهو: ماذا إن فشل ذلك العمل الخاص؟ كيف ستدبر أمورك؟ من سيدفع الإيجار؟ إلخ من الأسئلة الهامة. العمل الروتيني يضمن لك مرتبًا ثابتًا لتتدبر به أمورك وتستطيع التركيز على مشروعك أو عملك الخاص. لن تفكر في النفقات ولن تحمل همًا. إن فشلت خططك الاستقلالية، فلقد حاولت واكتسبت بعض الخبرات، وإذا نجحت، يمكنك ترك عملك الروتيني.
براح من الوقت لتختار المجال المناسب
لكي ينجح مشروعك، عليك أن تختار فكرةً مناسبة ولها جمهورُ كبير. وكثير من المشاريع تبوء بالفشل بسبب الأفكار الخاطئة وغير المناسبة، وكثير من تلك الأفكار بدورها تنبع من شخص لم يدرس الأمر جيدًا أو تخلى عن عمله الروتيني فأصبح ملهوفًا على عمل جديد. ثباتك الوظيفي هو منطقتك الآمنة التي تساعدك على التفكير بتروٍ واختيار الفكرة والجمهور المناسبين. وحين تختار تلك الفكرة وترى نتائجها على أرض الواقع، يمكنك التخلي عن روتينك الممل.
مرتبُ قليل لكن خبراتُ أكثر
فكرة أن عملك الروتيني يدر عليك دخلًا ثابتًا هي فكرة مطمئنة وتسمح لك بالتركيز على جوانب أخرى تبنيك وتصنع لك اسمًا في السوق الخاص بعملك المستقل. يمكنك أن تقبل أموالًا قليلة أو حتى تعمل من أجل اكتساب الخبرات وثقل المهارات في البداية ثم تنطلق بعد ذلك في طريق الثراء. أما إذا كنت لا تملك وظيفةً ثابتة، فسيلح عليك عقلك ويجعلك تسعى وراء الأموال في المقام الأول، وهذا ما لا يُنصح به تمامًا.
بناء العلاقات
أحد أهم الخطوات التي يجب اتخاذها قبل بدء مشروعك الخاص هي بناء العلاقات. في الواقع، تلك الخطوة يجب أن تجعلها من أولوياتك في العموم. وفي النهاية عملك الروتيني ما هو إلا مشروع مؤلف من شبكة علاقات وبعض الموارد. ذلك ما يمكن أن تستغله طوال فترة إعدادك لعملك المستقل.
ثقل كيانك الشخصي
قد تكون هذه الخطوة لأصحاب النفس الطويل والمدمنين على العمل “Workaholics” الذين يحبون شغل أوقاتهم وحياتهم طوال الوقت، ولكنها خطوة في غاية الأهمية أيضًا لمن يبحثون عن الإنجازات الشخصية ويحبون نشوة الإنجازات.
إن كنت تستمتع بعملك الروتيني أيضًا، فلماذا لا توفق بين الجانبين؟ ما المانع من أن تزيد من دخلك أو تصنع المزيد من العلاقات أو تفيد مجتمعك من كلا الجانبين؟ يمكنك الاستفادة من كلا الجانبين وتجمع بين كل الفوائد التي ذكرناها بالأعلى، ناهيك عن فوائد مشروعك الخاص بالطبع.
إن كنت مُصرًا، اسأل نفسك ما يلي:
هل لديك ما يكفي من المال؟
أول الأسئلة المهمة والتي بدونها سيكون تركك لعملك الوظيفي أمرًا كارثيًا. يجب أن تمتلك قدرًا من المال يكفيك لإدارة مشروعك بالكامل، ليس هذا فحسب، بل لإدارة حياتك الشخصية ومتطلباتها أيضًا.
يجب أن تحسب تكلفة كل لبنة في مشروعك الجديد ولا مانع في أن تأخذ إمكانية تمويل مشروعك في الاعتبار.
حساباتك المنطقية والواقعية للأمور ستضعك على أرض صلبة وحينها يمكنك أن تقرر ما إذا كنت ستترك عملك الوظيفي أم لا.
هل لدي الحافز لأعمل بجهد وأحصل على نتائج فورية؟
إذا كانت إجابتك على السؤال الأول بنعم، فيمكنك الانتقال لهذا السؤال.
تركك لعملك الروتيني والاعتماد على أمل إنجاز مشروعك الخاص يتطلب جهدًا جبارًا للانتهاء وبناء مصدر دخلك الرئيسي في أسرع وقت ممكن. سل نفسك عن قدراتك الخاصة؛ هل تستطيع العمل تحت الضغط، وبالأخص الضغط الناتج عن تلك الحياة المادية. هل تستطيع الاعتماد على مواعيدك ومخططاتك؟ هل أنا مستعد للمخاطرة بالكثير من الأشياء من أجل نجاح مشروعي؟
ماذا عن العائلة؟
يمكنك تخطي هذا السؤال إن كنت تعيش بمفردك، وإن لم تكن، فانتبه جيدًا!
ربما تستطيع أن تتكفل بأمورك، ولكن ماذا عن عائلتك؟ هل لديك ما يكفي من المال لإدارة شؤونهم؟ هل سيؤثر تركك لعملك على فلذات أكبادك؟ يجب أن تحدد التزاماتك تجاه عائلتك “بالشوكة والسكين” ومن ثم تنطلق في سبيل أفكارك المُتحررة.
لماذا أترك وظيفتي الحالية؟ وهل أستطيع العودة إليها؟
وهنا يأتي ثاني أهم سؤال بعد السؤال الأول من وجهة نظر كاتبكم المتواضع. هل تكره الروتينية أم أنك لم تعد تُطيق الضغط الوظيفي؟ هل تمتلك القدر الكافي من الوقت؟ ماذا عن جهدك وصحتك، ألم تعد مثلما كنت في شبابك؟ كل هذه فجوات تحتاج إلى من يملأها.
كذلك الحال مع إمكانية العودة في حال ضاقت بك الدنيا؛ هل خبراتك كافية إلى حدٍ يجعلك تعود وقتما شئت؟ هل أمامك خيارات روتينية أو وظيفية أخرى يمكنك اللجوء إليها؟
حَسم القرار
إذا استفز المقال أفكارك وجعلك تُقلب المسائل يمينًا ويسارًا، فلقد استفدت الاستفادة القصوى، حتى وإن لم تحسم قرارك أو أصبحت مشتتًا، على أقل تقدير رأيت الأمور من جوانب أخرى. اختيار التشبث بالعمل الوظيفي أو تركه يعود إلى الكثير من العوامل منها شخصية صاحب القرار، وأموره المادية، ونمط حياته، وفلسفته في الحياة… إلخ.
لا أحد يمكنه حسم الأمر سواك، ولكن اعلم أن الأمر لا يجب أن يُؤخذ بالعاطفة، بل هناك أسئلة مُمنهجة لا بد لها من إجابات. هذا هدف المقال؛ مقال تفاعلي يهدف إلى إثارة تفكيرك وتحديد وجهتك من خلال الإجابة على الأسئلة المطروحة.
في النهاية، كانت هذه بعض النصائح والأسئلة التي من شأنها أن تساعدك في العدول عن قرارك المتعلق بترك العمل الروتيني والبدء بعملك الخاص. ما نريد قوله هو أنه يجب عليك أن تُؤَمن نفسك وتراجع حساباتك عشرات المرات قبل تركك للعمل الوظيفي والانطلاق في مشروع أحلامك.