10 سنوات على ثورة يناير.. القسوة سلاح السيسي لمنع تكرارها
بعد عشر سنوات على رياح الحرية التي هبت على مصر إثر تظاهرات ميدان التحرير التي أسقطت الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، لا تدخر حكومة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي جهدا لتجنب تكرار مثل هذا السيناريو وتقمع بقسوة كل أشكال المعارضة.
في السجون المصرية اليوم، ناشطون سياسيون وصحفيون ومحامون وفنانون ومثقفون… فمنذ عزل الجيش للرئيس محمد مرسي، الذي كان أول رئيس منتخب ديموقراطيا في مصر، في العام 2013، خسر المجتمع المدني المصري تدريجيا كل مساحة للحرية.
تضاف إلى ذلك، وفق منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان، ظروف حبس سيئة واتهامات بالتعذيب وبتنفيذ إعدامات “بعد محاكمات غير عادلة”، وفق تعبير منظمة العفو الدولية، وأدانت المنظمة في مطلع كانون الأول/ ديسمبر ما وصفته بـ”موجة إعدامات محمومة” في مصر.
كما أدانت “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها السنوي للعام 2021 “القبضة القاسية للحكومة المتسلطة”، مشيرة إلى أن “جائحة كوفيد-19 (…) زادت ظروف الحبس، الفظيعة أصلا، سوءا“.
ووفق هيومن رايتس ووتش، “مات عشرات السجناء في الحبس من بينهم 14 على الأقل بسبب إصابتهم بفيروس كورونا المستجد“.
وقالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنياس كالامار: “الربيع العربي في مصر كان قصيرا”. وتابعت: “استخلص النظام أسوأ درس من الربيع العربي وهو قتل أي تطلع إلى الحرية في المهد”، حسب وكالة “فرنس برس“.
في مواجهة الانتقادات الدولية، تكرر السلطات المصرية الردّ ذاته، وهو ما ورد على لسان وزير الخارجية سامح شكري، في مؤتمر صحفي أخيرا: “المواطن المصري هو صاحب الحق الأوحد في تقييم مدى تمتعه بحقوق الإنسان”، مشددا على أن بلاده ترفض أي “تدخل في شؤونها الداخلية“.
وتنفي السلطات أي توقيفات اعتباطية أو ممارسات تعذيب. وقالت وزارة الخارجية ردا على سؤال لوكالة فرانس برس عن الموضوع، إن الحكومة “تعلّق أهمية قصوى على حرية الرأي والتعبير. لا يوجد سجناء سياسيون.. والتوقيفات مرتبطة فقط بأعمال تنتهك القانون الجنائي“.
إشارة البدء
كانت إشارة البدء لحملة القمع في صيف 2013 عندما قتل مئات المعتصمين في القاهرة احتجاجا على عزل مرسي، وفق العديد من منظمات حقوق الإنسان. وواجهت جماعة الإخوان المسلمين التي ينحدر منها مرسي، وكذلك المعارضة الليبرالية واليسارية، منذ ذلك الحين حملة اعتقالات تعسفية وملفات جماعية أمام القضاء وأحكاما بالإعدام.
في المقابل، عزز السيسي الذي كان قائدا للجيش الذي أطاح بمرسي وانتخب رئيسا في العام 2014 سلطته شيئا فشيئا. وأعيد انتخابه بنسبة 97% من الأصوات في العام 2018 لعدم وجود مرشح جاد ينافسه.
وفي نيسان/ أبريل 2019، أقرّ تعديل دستوري يتيح تمديد فترة رئاسة السيسي، ويشدّد قبضته على السلطة القضائية. وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، تظاهر مئات الأشخاص مطالبين برحيل السيسي وحاولوا دون جدوى الوصول إلى ميدان التحرير في القاهرة، رمز الثورة على مبارك. وأعقب ذلك توقيف ما يزيد على أربعة آلاف شخص أطلق سراح مئات منهم في ما بعد.
وتنتقد منظمات حقوق الإنسان الاتهامات بـ”الإرهاب” وبـ”نشر أخبار كاذبة” التي يوجهها القضاء غالبا لمنتقدي النظام. كما تشير هذه المنظمات إلى ظاهرة “تدوير” القضايا التي تتمثل في إعادة احتجاز المعارضين بعد انتهاء فترة حبسهم احتياطيا أو انتهاء مدة عقوبتهم على ذمة قضايا جديدة.
ويقول محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة حقوقية مقرها القاهرة: “النظام القضائي يجب أن يكون قلعة تحمي الحقوق والحريات“، ولكن “القضاء نادرا ما يحاسب ضباط الشرطة“.
وفي مواجهة الاتهامات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، تتحجّج السلطات إجمالا بمكافحة الإرهاب في بلد يواجه هجمات لمسلحين متطرفين في شمال سيناء منذ العام 2013.
ويرى الباحث في مركز “كارنيغي”- الشرق الأوسط، شريف محي الدين، أن الانتهاكات “تساهم في تغذية العنف الهيكلي وتغذي جزئيا التطرف“.
دولة القانون؟
وطال القمع أيضا وسائل الإعلام وحرية التعبير مع حجب مئات المواقع الإخبارية على الإنترنت منذ العام 2017. ووفق منظمة “مراسلون بلا حدود“، فإن 28 صحفيا مسجونون حاليا في مصر.
وتؤكد لينا عطا الله، رئيسة تحرير موقع “مدى مصر” الذي يعد “استثناء” في مصر، أنه “لا توجد مؤسسات إعلامية تعمل بشكل مستقل”. وألقي القبض على عطا الله نفسها لفترات قصيرة أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة. واستحوذت شركات موالية للسلطة ومقربة من الجيش على وسائل إعلامية عدة.
ومن دون أن يتدخل مباشرة في السياسة، يتواجد الجيش في المجتمع من خلال الخدمات العامة التي يؤديها خصوصا في حالات الأزمة ومن خلال سيطرته على جزء من الاقتصاد. كما أن حالة الطوارئ سارية في البلاد منذ العام 2017.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، طالت حملة القمع ثلاثة من كوادر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي واحدة من أبرز المنظمات الحقوقية المصرية. وبعد ضغوط دولية قوية وغير مسبوقة، تم الإفراج عنهم. كما استهدفت السلطات النساء.
وخلال الشهور الأخيرة، تم توقيف قرابة عشر فتيات من المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، وصدرت في حقهن أحكام بالسجن بتهم تتعلق بالتحريض على الفسق والفجور.
ويقول الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان: “الانتقال إلى دولة قانون يأخذ وقتا”. ويضيف: “عندما نريد تحليل ما يحدث في مصر ينبغي أن نفهم ذلك“، وفق “فرانس برس“.