مفاوضات غزة: بين متطلبات وقف إطلاق النار وتعقيدات الواقع الميداني

مع استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة ودخولها مرحلة متقدمة من الاستنزاف، تتكثف جهود الوسطاء الإقليميين والدوليين لإعادة أطراف النزاع إلى طاولة المفاوضات. ومع أن جميع الأطراف تعلن، ظاهريًا، استعدادها للتفاوض، فإن التفاصيل على الأرض ترسم مشهدًا أكثر تعقيدًا من مجرد اتفاق تهدئة.
خريطة التفاوض: الوسطاء والدوافع
تتوزع الجهود بين القاهرة، الدوحة، وواشنطن، بينما تلعب فرنسا وتركيا أدوارًا أقل وضوحًا في الكواليس. إسرائيل تربط التهدئة بإطلاق سراح الأسرى المحتجزين لدى حماس، وضمان تحجيم قوتها العسكرية داخل القطاع. من الجهة المقابلة، تطالب الفصائل الفلسطينية بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وبدء مسار لإعادة الإعمار، وضمانات دولية بعدم تكرار التصعيد.
وسط هذه المعادلات، تظهر مصر وقطر كلاعبين رئيسيين، إذ تملكان قنوات اتصال نشطة مع الجانبين، وقد نجحتا سابقًا في التوصل إلى تهدئات مؤقتة. لكن غياب رؤية سياسية شاملة، يجعل كل اتفاق هشًا بطبيعته.
الواقع الإنساني كعامل ضغط
الأوضاع الإنسانية المتدهورة داخل غزة تُعد أحد العوامل التي تسرّع وتيرة المفاوضات، لكنها في الوقت نفسه تُستخدم كورقة ضغط سياسية. التقارير الدولية تتحدث عن انهيار شبه كامل للبنية التحتية، ونقص حاد في الغذاء والدواء، إضافة إلى تهجير داخلي واسع النطاق. هذا الواقع يدفع المنظمات الأممية للضغط على جميع الأطراف لتسهيل دخول المساعدات، ولو بشكل جزئي، بالتوازي مع التفاوض السياسي.
فرص النجاح وحدودها
برغم أن الطرفين يتحدثان عن “انفتاح على الحل”، فإن عمق الخلافات بشأن الشروط الأساسية، وخاصة مسألة ما بعد الحرب، يطرح تساؤلات حول مدى قابلية هذه المفاوضات للنجاح. هل سيتم فرض تسوية مؤقتة تحت الضغط الدولي؟ أم أن الميدان سيستمر في فرض كلمته على الطاولة السياسية؟
لا يمكن الجزم حاليًا بإمكانية الوصول إلى اتفاق شامل، لكن المؤشرات الميدانية والسياسية تؤكد أن التفاوض لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها الوقائع. ومع ذلك، فإن أي اتفاق لا يراعي الأسباب الجذرية للنزاع، سيكون أقرب إلى “هدنة مؤقتة” منه إلى سلام حقيقي.
رئيس التحرير : ياسين نجار