ليبيا الى أين
ياسين نجار
في منتصف تسعينات القرن الماضي ترجل صديقي الصحافي الراحل عمر السنوسي من سيارته، ويمم وجهه نحو المتوسط، ثم استدار باتجاه السرايا الحمراء، وقال انظر يا كرم “كم تبدو طرابلس جميلة”، فعل ذلك قبله الشاعر الراحل علي صدقي عبدالقادر عندما جعل بيوت ليبيا في “بلد الطيوب” الأقراط في أذن السماء!
السياسيون كائنات متفائلة عند أشد مواقف التشاؤم، هكذا تفترض علوم السياسة، لذلك، بدت رسالة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وهو يعلن تعيين السلوفاكي يان كوبيش مبعوثا إلى ليبيا.
عرفت ستيفاني عن قرب أن ليبيا غارقة بالفوضى، واعترفت الأسبوع الماضي في حديث لها مع المحرر الدبلوماسي في صحيفة “الغارديان” البريطانية باتريك وينتور، أن هناك 20 ألفا من المرتزقة الأجانب موزعون على سلطتي حكومة الوفاق التي تتخذ طرابلس مقرا، وسلطة يمثلها المشير خليفة حفتر في شرق البلاد ويدعمها البرلمان المنتخب. فلا تركيا الداعمة لحكومة الوفاق تريد سحب مرتزقتها، ولا روسيا الداعمة لحفتر راغبة أيضا. فعن أي سيادة ليبية يمكن أن نتحدث بعدها.
اليوم بتنا نسمع، بالتزامن مع نبرة التفاؤل السياسية الدولية للحل في ليبيا التي تعاني التقسيم والفوضى، أن قبائل الجنوب الشرقي الممتد من مدينة أجدابيا شرقا إلى سرت غربا ومدينة الكفرة جنوبا، تطالب بإقليم رابع تحت اسم “برقة البيضاء” إلى جانب الأقاليم الثلاثة الأخرى؛ طرابلس وفزان وبرقة الحمراء!
منذ بدء انتفاضة فبراير وبكل الغضب “المشروع” الذي امتلأت به صدور أحرار ليبيا المظلومين تناثرت ضغوط الكراهية في عدة اتجاهات وكانت في أغلبها رافضة لاستمرارية حكم العسكر ومدافعة عن نفسها أكثر منها منتقمة لو استثنينا بعد الحالات الفردية الشاذة.
ما حصل من كراهية في 2011 لم يكن أقل مما صنعه فكر “زريبة الجماهيرية واللجان الثورية” من ظلم وإذلال لآدمية الإنسان وخاصة بعد مواجهة كتائب الدكتاتور المتظاهرين العزل بالأسلحة الثقيلة ومضادات الطيران فانفجار بركان الكراهية تناثر تقريباً في جميع الاتجاهات
حياة الاضطهاد والازدراء التي عاشها الشعب الليبي خلال حقبة الدكتاتور معمر القذافي أنتجت بالتأكيد تشوهات في السلوك الفطري للإنسان الليبي ولا نستغرب أنها صنعت إنسان حاقد على من طغمة اللجان الثورية الحاقدة عليه، فالفقير كره الغني ومن لا يملك الأرض كره أصحاب الأراضي والمرؤس كره رئيسه والطالب كره الأستاذ والمرأة كرهت الرجل والمتحرر كره الدين والأجير كره مالك المؤسسة، لقد صنعت الكراهية على جميع المستويات بالشعب الليبي ولم تدخر جهدا اللجان الثورية في صناعة الكراهية بفعل الموت على أعواد المشانق والتأرجح بجثث الأموات! تنفيذا لأمر الموت الصادر من القائد الدكتاتور “الملهم”.