كورونا يربك أوروبا المنقسمة بين رأي العلم والضرورات الاقتصادية
تتعالى في أوروبا الأصوات المنادية بالعودة للعزل العام لفترة محددة لاحتواء فيروس كورونا والحد من حالات العدوى والوفيات في ظل تصاعد مقلق لعدد المصابين والمتوفين.
ويعقد أصحاب هذا الرأي خاصة من العلماء الآمال على أن تؤدي إجراءات العزل المطلوبة على وجه السرعة إلى كسر حلقة العدوى وتخفيف وطأة الوباء، لكن ثمة آخرون من السياسيين والاقتصاديين وحتى من العامة يرفضون العودة للعزل ويجادلون بأن ذلك سيكون له ارتدادات اقتصادية خطيرة ومسا بالحريات.
لكن في بريطانيا التي تواجه بالفعل شأنها في ذلك شأن فرنسا وايطاليا ودول أوروبية أخرى، موجة وبائية ثانية أشد قسوة من تلك التي شهدتها في مارس/اذار، دعا المستشار العلمي للحكومة البريطانية جيريمي فارار الحكومة لأن تفرض بشكل فوري إجراءات للعزل العام لثلاثة أسابيع على مستوى البلاد لوقف تزايد الإصابات بمرض كوفيد-19، مضيفا أن الإجراءات المحلية المتخذة لن تكون فعالة.
وأضاف فارار “لن تنجح القيود الحالية بشكل كاف في خفض معدلات العدوى أو منع استمرار انتشار الفيروس”.
وتابع “فرض إجراءات العزل العام على مستوى البلاد لثلاثة أسابيع مع مستويات مناسبة من الدعم المالي، ستتيح لنا السيطرة على الوضع قبل حلول الشتاء، بأن نوقف تزايد انتشار العدوى ونعزز استعداد الخدمات الصحية ونمنح الوقت لأنظمة الفحص والتتبع والعزل لتكون فعالة تماما وننقذ الأرواح”.
وقال فارار الذي يشغل منصب مدير جمعية ‘ويلكم تراست’ الخيرية العالمية المعنية بالشأن الصحي وعضو المجموعة الاستشارية العلمية التابعة للحكومة والمعنية بالطوارئ، إن مثل هذا الإجراء لابد أن يكون فوريا لأن تأخيره سيزيد الوضع سوءا ويطيل بقاء الأزمة.
إلا أن وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني مايكل جوف قال إن فرض عزل عام على مستوى البلاد لأسبوعين أو ثلاثة ليس مطروحا للنقاش.
وقال لشبكة سكاي نيوز اليوم الأحد “إن انتشار المرض وطبيعته لا يستحقان فرض هذه الطريقة في الوقت الحالي”.
وفي المملكة المتحدة، أكثر الدول الأوروبية تضررا (43579 وفاة و15 ألف إصابة جديدة الجمعة)، اتجهت السلطات إلى تشديد القيود بدورها فمع حلول السبت، أصبح نصف السكان خاضعين لقيود أكثر شدة.
وفي لندن وعدة مناطق أخرى بما يعني نحو 11 مليون نسمة، منعت التجمعات في الأماكن المغلقة بين العائلات والأصدقاء، فيما خضعت لانكشاير (شمال-غرب) وليفربول لحال تأهب صحي قصوى.
وتخطت حصيلة الوفيات جرّاء كوفيد-19 في أوروبا التي تواجه موجة وبائية ثانية حادة عتبة 250 ألفا الأحد، في وقت شرعت فيه إسرائيل ومدينة ملبورن الاسترالية في تخفيف حذر للقيود الصارمة التي كانت مفروضة.
وبعد تسجيل أكثر من 8 آلاف وفاة في سبعة أيام، فإنّ أوروبا شهدت أقسى أسبوع منذ منتصف مايو/أيار وسط سعي عدّة دول إلى الاحتماء عبر تشديد التدابير الصحية.
وفي أحدث الإجراءات المتخذة في القارة، أقرّت سويسرا التي كانت في منأى نسبيا عن الموجة الأولى وتعاني حاليا من ارتفاع مطّردا في الإصابات، إلزامية وضع الكمامة بدءا من الاثنين في الأماكن العامة المغلقة: في المحطات والمطارات ومواقف الباصات والتراموي، إضافة إلى تقييد التجمعات والتوصية بالعمل من بعد.
وتعدّ سويسرا التي يبلغ عدد سكانها 8.6 ملايين، الدولة الأوروبية التي شهدت أسرع طفرة في الإصابات الأسبوع الماضي (+146 بالمئة).
في استراليا، سيتمكن الأحد سكّان ثاني أكبر مدن البلاد ملبورن المقدّرون بنحو خمسة ملايين والذين عاشوا قيد الحجر لأكثر من مئة يوم، من الخروج لأكثر من ساعتين يوميا في محيط لا يتخطى 25 كلم عن مكان الإقامة.
ورفض رئيس وزراء ولاية فكتوريا التي تضم ملبورن دانيال أندروز الدعوات المتزايدة لرفع جميع قيود السفر وإعادة فتح المطاعم ومتاجر أخرى على نطاق أوسع. وقال إنه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني قد تخفف القيود بشكل أكبر في حال بقاء عدد الإصابات تحت السيطرة. وقال “لا أفعل ما هو شعبي، أنا أقوم بما هو آمن”.
ومنذ بداية الأزمة الوبائية، سجّلت استراليا التي يبلغ عدد سكانها 25 مليون نسمة، 27 ألف إصابة و904 وفيات، بينها 800 في ولاية فيكتوريا.
إلا أنّ هذه المؤشرات الإيجابية تبقى محدودة النطاق وسط تصاعد المخاطر على المستوى العالمي، فقد أودى فيروس كورونا المستجد بمليون و111 ألفا و152 شخصا على الأقل في العالم وأصيب به أكثر من 39.7 مليون شخص منذ بدء الأزمة الوبائية.
وتعدّ الولايات المتحدة البلد الأكثر تضررا (219 ألفا و289 وفاة، ما يوازي وفاة واحدة من أصل كل خمسة وفيات في العالم)، تليها البرازيل (153675) والهند (114031).
وتتكثف القيود في القارة الاوروبية، ففي فرنسا التي سجلت السبت 32 ألف إصابة جديدة، فرِض حظر تجول بين التاسعة مساء والسادسة صباحا لمدة شهر على الأقل وفي مساحة تشمل عشر مدن كبرى بينها باريس وضواحيها. ويخضع لهذه القيود نحو 20 مليون نسمة، أي نحو ثلث سكان البلاد التي تعرف واحدة من أسوأ الأوضاع في أوروبا (أكثر من 33 ألف وفاة و834770 إصابة).
ومساء السبت عاد الهدوء ليسود شوارع العاصمة النشطة في العادة، في صورة ذكّرت بالإغلاق العام الذي استمر نحو شهرين في ظل الموجة الوبائية الأولى في الربيع.
وفي ألمانيا حيث أيضا تزداد الإصابات، طلبت المستشارة أنغيلا ميركل إلى مواطنيها السبت ضبط العلاقات الاجتماعية قدر الإمكان.
وفي سلوفاكيا، أعلنت السلطات حملة فحوص طبية تشمل كل من تخطوا عشرة أعوام، في وقت تخلّت جارتها الجنوبية سلوفينيا عن تتبّع مخالطي المصابين بسبب الافتقار إلى الإمكانات.
وفي بولندا، أغلِقت في وارسو وغيرها من المدن الكبرى، المدارس والثانويات وسط منع حفلات الزواج وتقليص عدد الأشخاص المتاح تواجدهم في المتاجر ووسائل النقل والأماكن الدينية، فيما ينبغي على المطاعم الإغلاق عند التاسعة مساء.
وفي جمهورية تشيكيا التي تسجل أشد مستوى إصابات ووفيات لكل مئة ألف شخص على صعيد أوروبا، طلبت الحكومة من الجيش إقامة مستشفى ميداني خارج براغ يتسع لـ500 سرير.
وكانت إيطاليا أعلنت الجمعة تسجيل أكثر من 10 آلاف إصابة جديدة، في أعلى حصيلة يومية في هذه الدولة وبدءا من أمس السبت، صار إلزاميا على الحانات والمطاعم في إقليم لومبارديا الأكثر تأثرا، الإغلاق مع حلول منتصف الليل.
وخصصت الحكومة الإيطالية الأحد 39 مليار يورو مبلغا إضافيا لتنشيط ثالث اقتصاد في أوروبا.