قوانينها تبيح سلب بيوتهم..نازحو سوريا وفلسطينيوها تساووا بالخسارة

لم يكن علاء (اسم مستعار) يعلم عام 2012 أنه سيدفع غاليا وعلى دفعات ثمن مشاركته في الاحتجاجات المناهضة للنظام حسب تقلب الأوضاع في وطنه سوريا.
في المرة الأولى عندما كان في الـ22 من عمره اعتقل في أحد الفروع الأمنية بمسقط رأسه في مدينة حلب إثر مشاركته في مظاهرة سلمية، ثم أفرج عنه بعد شهر.
ومع انسداد سبل تحصيل الرزق غادر علاء حلب بعد عامين للعمل محاسبا في تركيا القريبة، دون أن يدري أن ملفه الأمني بات مصنفا في خانة “إرهابي”، وأن ذلك سيجر عليه المتاعب عندما تشتد حاجته إلى أي مستند قانوني.
بعد أيام من وصول علاء إلى تركيا وصله بلاغ من جيرانه في حلب بأن مجموعة موالية للنظام وضعت يدها على منزله الكائن في حي سيف الدولة.
كانت صدمة علاء عام 2014 أقوى من صدمة الاعتقال عام 2012، لأنها حملت معها إلى جانب مصادرة المنزل وإسكان 3 عائلات موالية فيه عقوبة لا عهد له بها، فقبل وجع المصادرة اختبر على جلده وجع ما يسميه السوريون “التعفيش”، أي نهب محتويات منزلك وتركه قاعا صفصفا، علما أن هذه الممارسة انتشرت في أرجاء سوريا منذ استخدام النظام عام 2012 السلاح لإخماد الثورة عليه، وكان القائمون بها في ذلك الوقت هم عناصر الجيش وقوات النظام الأمنية والمليشيات التابعة لها، فكانوا يصادرون ممتلكات سكان المناطق التي هجرها أهلها تحت وطأة آلة الحرب ويتاجرون بها في أسواق المناطق الآمنة وبأسعار زهيدة.
كانت المسروقات تشمل بضائع المحال التجارية على اختلاف أنواعها وكل ما يمكن حمله من مقتنيات المنازل: أدوات المطبخ (ملاعق وصحون وأوان وكؤوس وفناجين) وصولا إلى قدور الطبخ بشتى أنواعها مرورا بالأدوات الكهربائية، وقطع الأثاث المنزلي، ورؤوس الماشية، والثياب الجديدة منها والمستعملة، وفي مرحلة لاحقة عمد النهابون إلى فك خزانات المياه والصحون اللاقطة.
بالنتيجة وجدت مئات الأطنان من أثاث المنازل ومقتنياتها -خصوصا الأدوات الكهربائية- طريقها إلى أسواق متخصصة ببيع الأثاث المنهوب، ويقع أشهرها في مناطق داخل دمشق وفي محيطها، مثل دويلعة وجرمانا وكشكول وضاحية الأسد والمزة ومدينتي صحنايا وداريا.
عقب الأحداث التي شهدتها مدينة حلب عام 2015 وسرقة ونهب عشرات المنازل والمحال التجار اعترف الرئيس بشار الأسد في حديث لصحيفة محلية بانتشار ظاهرة “التعفيش” في صفوف المليشيات الرديفة لقواته، وربطها خلال حديث لصحيفة “الوطن” نشر في 8 ديسمبر/كانون الأول 2016 بالقوى غير النظامية التي تقاتل إلى جانب الجيش.
وقال الأسد إن سلبيات هذه القوات “دائما ترتبط بالحالة الفردية، أي أن الفاسد فاسد أينما ذهب، سواء كان في مؤسسة أم لم يكن”.
وأضاف أن “الفساد الذي نتحدث عنه ليس مرتبطا تماما بهذه الحالة، لا نستطيع أن نعمم ونقول إن هذه التجربة كانت فاسدة، وهناك تجربة أخرى غير فاسدة، لا، الفساد في كل الحالات خلال هذه الحرب كان مرتبطا بالأشخاص”.
ومع استطالة أمد الحرب لم تبق أعمال النهب محصورة في مناطق سيطرة النظام، فمثلما نهبت منازل ناشطي المعارضة الذين غادروا حرستا والغوطة الشرقية في مارس/آذار وأبريل/نيسان 2018 شمالا باتجاه محافظة إدلب وقعت تجاوزات وتعديات مشابهة في الفترة ذاتها لدى دخول مسلحي المعارضة المدعومين من تركيا إلى مدينة عفرين في أقصى الشمال السوري، وفي معرة النعمان التابعة لمحافظة إدلب والخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، وقامت هذه الأخيرة بعمل مشابه في يونيو/حزيران 2017.
نحن الآن مطلع عام 2022، خلال الأعوام العشرة اللاحقة على انفجار الثورة نجح النظام في بسط سيطرته على أغلبية المحافظات الثائرة في الجنوب والوسط بمساعدة روسية مشهودة، لم يبق خارج سيطرته عمليا من المناطق الحضرية سوى إدلب ومحافظتي دير الزور والحسكة.
ومع مرور الوقت بات مفهوم “التعفيش” نفسه من الماضي رغم استمراره إلى وقت قريب في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين القريب من دمشق بأشكال أكثر صفاقة، حيث نزعت أبواب المنازل ونوافذها وإطاراتها، وكذلك تمديداتها الكهربائية والصحية.
خلال هذه الأعوام لم يكن عقل النظام غافلا عن الأداة الأقوى في ترسانته وهي القوانين، فبدأ بتفعيلها كلما أتاحت الظروف له ذلك، وبما يمكنه من وضع اليد على أملاك من اختار النزوح أو اللجوء داخل البلاد أو خارجها طلبا للسلامة، وقبل ذلك كانت الأداة ذاتها جاهزة لمعاقبة الأحياء ممن عارضوه من سياسيين بارزين وناشطين الذين أُدرجت أسماؤهم تحت مسمى “إرهابي”، وبينهم المحاسب علاء.
أول هذه القوانين وأقدمها هو قانون خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية) الذي يتيح حجز أملاك المتخلف عن أدائها (وأملاك الزوجة والأولاد) لمن بلغ سن الـ42 ولم يسدد بدلا عنها مبلغا مقداره 8 آلاف دولار، وتطال أحكام هذا القانون المواطن السوري، واللاجئ الفلسطيني الملزم بأداء خدمته في “جيش التحرير الفلسطيني”.
الثاني هو قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عام 2012 ليحل محل قانون الطوارئ، ويجيز هذا القانون حجز أملاك “كل من يثبت تورطه بأعمال شغب أو أعمال ضد الدولة السورية”، والمقصود هنا هو النظام.
أما القانون الثالث فهو القرار الخاص بالموافقة الأمنية، وهو عبارة عن تعميم لوزارة الحكم المحلي صدر في 4 أغسطس/آب 2015 تحت رقم 4554، ويقضي بإضافة البيوع العقارية وعمليات إيجار وفراغ المنازل والمحلات إلى القضايا التي تستوجب الحصول على موافقة أمنية مسبقة من الجهات المختصة، وبررت الحكومة وقتها هذا التعميم بمنع شراء العقارات أو استئجارها من قبل “الإرهابيين” واتخاذها مقرات لهم، ولحماية الملكيات العقارية من الضياع أو التزوير.
أما القانون الأحدث والأوسع أثرا فهو القانون رقم 10 الصادر في أبريل/نيسان 2018 المخصص لإعادة تنظيم وتخطيط الوحدات الإدارية (أي المدن والبلدات).
وأكثر مواد القانون إثارة للجدل إلزام مالكي العقارات بتقديم ما يثبت ملكيتهم في غضون 30 يوما فقط وإلا فإنهم سيخسرون ملكية هذه العقارات وتصادرها الدولة.
وبعد أشهر من صدور القانون المستهجن أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوما جديدا يعدل بعض مواد القانون 10، فرفع فيها مدة الاعتراض أو تثبيت الملكية من شهر إلى سنة.
حالة علاء ينطبق عليها القانون الثاني الذي حرمه حرية التصرف بملكية منزله، لأن الوكالة تحتاج إلى موافقة أمنية، وهي ليست متاحة بداهة لأنه مصنف “إرهابيا”.
وإلى جانب قصة علاء هناك سوريون آخرون استقصى فريق العمل على هذا التحقيق حالتهم، وهم مثله يواجهون أشكالا أخرى من مصادرة الأملاك أو فقدان السيطرة عليها.
عمر (اسم مستعار) مسعف سابق في الدفاع المدني السوري ينحدر من مدينة دوما في ريف دمشق، وهو مهجر إلى الشمال منذ سيطرة النظام عليها عام 2018.
يؤكد عمر (38 عاما) أن منزله بيع بعقد مزور لعنصر من مليشيا موالية للنظام (الدفاع الوطني) في عام 2019، ولدى تواصله مع العنصر أخبره أن ينسى أن له منزلا في دوما، وهدده في حال حاول استعادة المنزل أو قام بالبحث عن حالته في السجل العقاري.
عمر وعلاء لا يملكان فرصا واقعية لاستعادة منزليهما بوجود مستوطنين يقيمون فيهما، ومضبطة اتهام بالإرهاب لمالكي العقارين اللذين يقدر صاحباهما قيمتهما بـ65 مليون ليرة سورية (18 ألفا و500 دولار تقريبا) و40 مليون ليرة سورية (12 ألف دولار) على التوالي.
شريف (اسم مستعار) هو مقاتل سابق في المعارضة السورية بمدينة حمص، يقيم حاليا بمدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة المعارضة في الشمال السوري.
خرج شريف (40 عاما) من حي الوعر في مدينة حمص إثر اتفاق مع النظام السوري يقضي برحيل مقاتلي المعارضة ورافضي التسوية عام 2017، وهو يمتلك هناك منزلا تعرض للدمار منذ المعارك بين النظام وفصائل المعارضة في حي كرم الزيتون بحمص القديمة في عام 2012.
آخر ما وصله أن منزله لا يزال على حاله كأغلبية منازل الحي الذي شهد معارك عنيفة، لا يملك شريف -الذي يعمل حاليا في مطعم للوجبات السريعة- أي أمل بالعودة إلى حمص أو حتى بيع منزله والاستفادة منه بسبب انتسابه للمعارضة السورية التي يصفها النظام السوري بأنها “إرهابية”.
أما أكرم (اسم مستعار) فهو نموذج للحالات القائمة على الضفة الثانية من جبهتي الحرب.
على خلاف حالتي شريف وأكرم المرتبطتين باصطفافات الحرب وقع الفلسطينيون الذين يقيمون في 15 مخيما داخل سوريا منذ لجوئهم إليها عام 1948 بين حجري رحى، فهم من ناحية قانونية عوملوا حتى وقت قريب معاملة المواطن السوري باستثناء ممارستهم حق الاقتراع والترشح، لكن من تعاطف منهم مع المعارضة السورية بعد ثورتها على النظام عام 2012 عوقب وكأنه عضو فاعل فيها، في حين يلف الغموض مستقبل من هدم منزله أو استوطنته عائلات موالية للنظام.
وقد حاول معدو هذا التحقيق استجلاء مصير أملاك المقيمين منهم في مخيم اليرموك الذي كان النظام قد دمر أجزاء واسعة منه العام 2015 بعد نجاح تنظيم الدولة الإسلامية في السيطرة على بعض أحيائه، وتواصلوا مع ناشط إعلامي يملك ذووه منزلا متعدد الطوابق في المخيم، فأبدى موافقته في البداية لكنه عاد واعتذر بعد اطلاعه على الأسئلة بداعي الخشية من المساءلة الأمنية، مما أحال الفريق إلى تقارير الهيئات الحقوقية التي تقصت حالات الاستحواذ ونزع ملكيات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا.
في هذا الصدد، رصد تقرير صدر عام 2020 لهيئة حقوقية تدعى “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” حالات نزع الملكية لعائلات فلسطينية خلال السنوات الأولى من الأزمة السورية، وتتبع عمليات مصادرة ممتلكات ومنازل لاجئين في مخيمات وتجمعات فلسطينية بمحيط دمشق، بينها مخيما السبينة وخان الشيخ، ومخيما النيرب وحندرات في محافظة حلب، إلى جانب الاستيلاء على منازل في الحسينية ومنطقة الذيابية بريف دمشق.
تعود ملكية العقارات المصادرة -وفق التقرير- لناشطين إغاثيين أو إعلاميين أو لعسكريين أو لمعتقلين ممن تتهمهم الحكومة السورية بالتعامل مع المعارضة السورية أو بممارسة “الإرهاب” أو الانتماء إلى فصيل فلسطيني التزم موقفا مخالفا لمواقف النظام، وهي إشارة ضمنية إلى حركة حماس.
أولى الحالات كانت للاجئ الفلسطيني مصطفى الأمين ونجله أحمد اللذين اعتقلا في مخيم السبينة وصادرت مجموعة تدعى “الحرس القومي العربي” منزل مصطفى المكون من 3 طوابق، ومحاله التجارية المعروفة لأهل المخيم باسم “مركز الأمين لتجارة المواد الغذائية”.
كما رصد التقرير في المخيم ذاته حالة اللاجئ عمر خالد الذي كان يملك مكتبا للحج والعمرة، والذي استولى أحد أفرع النظام الأمنية على منزله المكون من 4 طوابق وحوله إلى نقطة عسكرية بعدما كان قد اعتقل نجله وسيم منذ عام 2013.
في مخيم النيرب القريب من حلب رصد تقرير “مجموعة العمل” كذلك استيلاء ما يعرف بـ”لواء القدس” على منزل ومحلين تجاريين تعود ملكيتهما ليوسف الداهودي الذي اعتقله الأمن السوري بعد مقتل نجله عبادة خلال مشاركته في القتال ضد جيش النظام على جبهة حندرات في الأول من مارس/آذار 2015، ووثق كذلك استيلاء لواء القدس في المخيم نفسه على منزل من 3 طوابق يعود للاجئ الفلسطيني عبد القادر الشلبي، وعلى منزل آخر يقع خلف محطة سكة القطار تعود ملكيته لطبيب أطفال فلسطيني يدعى يوسف سليم.
أما في الذيابية ومخيم الحسينية وخان الشيح بريف دمشق فوثق التقرير حالات متباينة انتهت كلها بخسارة أصحاب الأملاك مساكنهم، ففي الذيابية عادت في فبراير/شباط 2017 مجموعة من العائلات الفلسطينية إلى منازلها التي نزحت منها أثناء معارك عام 2013 لتجدها مأهولة “بعائلات من الطائفة الشيعية محسوبة على النظام”، واكتفى المستوطنون الجدد بالقول “إن النظام هو صاحب القرار في ذلك، وهو المسؤول عن القضية، فيما استطاع بعض العائدين إلى المنطقة دخول منازلهم واقتسامها مجبرين مع العائلات الموالية للنظام”.
وفي مخيم خان الشيح قامت مجموعات موالية للنظام بتحديد منازل الناشطين الإغاثيين والإعلاميين والعسكريين ممن هجّروا أو لهم ارتباطات مع المعارضة أو حركة حماس، ووضعوا علامات بلون أحمر على أبواب تلك المنازل والممتلكات لتمييزها عن غيرها، وكتبت على المنازل المشار إليها عبارة “مصادر لمصلحة الأمن العسكري”، ثم عمد الجهاز الأمني ذاته إلى فتح 3 منها “لتقطـن فيهـا عناصر أمنية من فرع سعسع التابع للأمن السوري بعد إخراج من تبقوا من ساكنيها.
بصرف النظر عن هويات المتضررين من حرب سوريا -سواء من دفع منهم حياته خلالها أو الذين فروا منها وقد يدفعون أرزاقهم أثمانا جديدة لها- يرى خبراء في الاقتصاد أن قوانين الدولة السورية المشار إليها في متن التحقيق مرتبطة بالنسخة المحلية من إعادة إعمار ما دمرته الحرب، لا بل هي من حيث التوقيت شديدة الارتباط بقرارات الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمئات تجار دمشق وحلب والتي زادت خلال العام 2021 وحده على 2500 قرار، وقبل ذلك كان النظام يعاقب المعارضين والثائرين عليه بقرارات الحجز الاحتياطي على أملاكهم، وهو ما وثقه حقوقيون في تقارير تناولت مصادرة أراض في قلعة المضيق بريف حماة وفي محافظة إدلب.
وأرجع مركز جسور البحثي المقرب من المعارضة في تقرير صدر في أغسطس/آب 2021 هذه الحملة إلى رغبة النظام في سد العجز الذي تعانيه خزينة الدولة.
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في الاقتصاد السوري يونس الكريم إن العقارات هي النشاط الاقتصادي الوحيد الذي نجا من الحرب الطاحنة التي توقفت خلالها الزراعة والصناعة والتجارة، وإنها “كمدخر للقيمة هي الأساس لمشاريع إعادة الإعمار”.
ورأى أيضا أنه “نتيجة تغير سعر الصرف وتذبذبه وعدم وجود الذهب سيصبح سعر العقار هو إحدى السلع الأساسية لحفظ القيمة”.
وقال الكريم للجزيرة نت إن أنظمة السيطرة على أملاك السوريين تتم مباشرة عن طريق الأنظمة وقوانين نزع الملكيات الفردية رغم مخالفتها الدستور، مشيرا إلى وجود طرق أخرى غير مباشرة كالسيطرة على عقارات لا يوجد فيها طابو أخضر وإنما قرار محكمة، فيتم حرق المحكمة كما حدث في دوما فتضيع الملكيات وتعود الدولة لوضع يدها على الأملاك عبر البلديات والوحدات الإدارية.
بدوره، يربط المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي بين هذه الخلاصة واستصدار النظام خلال السنوات العشر الماضية أكثر من قانون يمس عقارات النازحين واللاجئين، خصوصا القانون رقم 10 للعام 2018 والقانون رقم 11، غير أنه يرى أن تملّك البيوت أو الاستحواذ عليها تحركه أهداف أخرى.
تشبه عمليات الاستحواذ والمصادرة المنهجية لأملاك اللاجئين والنازحين والفارين من الحرب في سوريا خلال السنوات العشر اللاحقة على الثورة السورية عام 2012 ما سبق أن مارسته إسرائيل مع أملاك الفلسطينيين عند احتلالها أراضيهم خلال حرب عام 1948، بما في ذلك إحلال وتوطين جماعات موالية لها في منازل وأملاك سوريين وفلسطينيين رحلوا عنها خلال إحدى مراحل الحرب.
ففي يونيو/حزيران 1948 أصدرت الحكومة الإسرائيلية برئاسة دافيد بن غوريون قانون “الأملاك المتروكة في فلسطين” وفي يوليو/تموز من العام ذاته عين ما وصف بـ”القيّم على أملاك الغائبين”، وفي ديسمبر/كانون الأول 1948 أصدرت الحكومة الإسرائيلية أول مجموعة أنظمة بشأن أملاك الغائبين، كما أصدرت في يونيو/حزيران وسبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول 1949 قوانين تحدد مفعول الأنظمة المذكورة.
كان الهدف الواضح من هذه الأنظمة منع عودة أي من المهجّرين العرب إلى الأراضي أو الممتلكات التي تركوها قبيل 1948 أو أثناءها أو بعدها.
وتوج الكنيست الإسرائيلي تلك الإجراءات بإقرار “قانون أموال الغائبين” في مارس/آذار 1950 الذي ينص على جواز مصادرة أملاك اللاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا منها أثناء النكبة بذريعة وجودهم خارج حدود دولة إسرائيل أو في دول معادية (مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق واليمن والسعودية).
إذا كان هذا حال أملاك الفلسطينيين الذين هجّروا ولجؤوا عام 1948 إلى الدول المجاورة أو إلى داخل فلسطين (داخل الخط الأخضر) والضفة الغربية وغزة فهل تتكرر المسألة ذاتها مع أملاك السوريين الذين فروا من الحرب في العقد الثالث من الألفية الثانية.
وفي هذا الصدد، يقول الحقوقي السوري ورئيس تجمع السوريين الأحرار غزوان قرنفل “حتى نكون واقعيين ولا نبيع الوهم للناس فإن سبل استعادة تلك الممتلكات قليلة وصعبة جدا، خاصة إذا كانت تلك الممتلكات ضمن مناطق عشوائية أو أخضعت للقانون رقم 10 أو لعمليات إعادة التنظيم، وبالتالي فإن فرصة استرداد تلك الممتلكات تبقى شبه معدومة إذا ما بقيت تلك السلطة، لذلك نرى أنه من المهم جدا أولا تضمين أي حل سياسي قادم بنودا أو فصلا خاصا ينص على ضمان حقوق الملكية العقارية للنازحين واللاجئين، ورد ممتلكاتهم إليهم أو تعويضهم عنها تعويضا عادلا عند تعذر الرد، وثانيا أن تتم مقاربة هذا الأمر من قبل السلطة الانتقالية من منظور وطني شامل تتحمل فيه الدولة مسؤولية إعادة الإعمار، ورد الممتلكات المتاح ردها لأصحابها، وتقديم البديل المعادل لمن فقد ملكيته ويتعذر ردها، على أن تكون ضمن نفس المدن والبلدات التي أجبر الناس على مغادرتها”.