الحياة المعاصرة.. كيف شملت قراءة الكتب الورقية؟ وهل سيطرت “الرقمية”؟
بات الكتاب الرقمي مصدرا معرفيا ومهيمنا بقوة على جميع الأعمار دون استثناء تماشيا مع تطورات الحياة المعاصرة، إذ سهلت الشبكة العنكبوتية كثيرا في القراءة الرقمية، سواء بنقلها أو بتحميلها أو الوصول إليها، وفي الوقت ذاته نرى تمسّك محبي الكتب الورقية بجلسات القراءة التي تأسرهم تفاصيل تقليب صفحات الكتاب.
ولكن، هل نحن متوازنون ومنطقيون باستخدام الكتاب “الرقمي”؟ وماذا حل بموقع الكتاب “الورقي” في حياتنا؟
التدوين في الحياة المعاصرة “رقميا”
تقول التربوية الدكتورة أمل بورشك إن العديد من الأفراد اتجهوا للكتاب الرقمي نظرا لتعدد ميزاته، ومنها: قلة التكاليف، وإمكانية ترجمته لأي لغة وربطه بالمراجع العلمية، ومرونة التعامل مع حجم حروفه، وسهولة نسخه وتحويله، ووجود موجهات لآلية التعامل مع محتويات الكتب الرقمية.
وتتابع “لا يمكن إغفال دور التدوين في الحياة المعاصرة على أي موقع في الشبكة العنكبوتية، لتطور التكنولوجيا الحديثة وانسياب الإنترنت في كل بقاع العالم، مما ساهم في تسارع تنامي الثقافة الإلكترونية التي ارتكزت على التعلم مدى الحياة لسهولة التعامل مع الحداثة، فاقتحم عالم الكبار أيضا ليُسر خطوات القراءة الإلكترونية”.
“الرقمي” يجذب القراء
وترى الدكتورة بورشك أن الكتاب الرقمي حقق حلم كثير من القراء بتمكنهم من الحصول على نسخة من كتاب ما بكل يسر وسهولة، في حين قد يصعب حصول القارئ على نسخة ورقية منه.
إضافة إلى تمكن الكتاب الرقمي من جذب القراء بالميديا الشيقة في عالم الإنترنت بالصوت والصورة والكلمة، حيث ساهم عالم العزل الاجتماعي -بسبب كورونا- الذي عايشه العالم في فتح آفاق تعليمية جديدة ومتنامية، وذات جودة عالية تتوافق ومتطلبات العصر الراهن، وفق بورشك.
وكما تؤكد فرضية الأديب الإيطالي أمبرتو إيكو في تاريخ الثقافة، “لم يحدث أن قام شيء بقتل شيء آخر، ولكن هناك شيء ما يغير صورة جذرية لشيء آخر”.
“الكتب الورقية”.. مذاق خاص
وتؤكد الدكتورة بورشك أن “لقراءة الكتب الورقية مذاقا خاصا، ولا يمكن أن تطغى عليه أي وسيلة أخرى، فبدءا من مشاهدة الكتاب أمام عينيك، يمنحك شعورا جميلا، يجذبك لحمله، وتصفح أوراقه”.
وتضيف “للقراءة الورقية طقوس خاصة بالكتاب العلمي والبحث، والقراءة للطفل والاقتراب منه بحنّية، وقراءة الروايات والاستمتاع بتقليب الصفحات ومشاهدة الصور”.
وأيضا الحفاظ على الكتب الورقية وتخزينها والخوف عليها، لتأثرها بالعوامل الجوية، وفق بورشك، فيكافح القارئ من أجل بقائها سليمة حتى لا تتفتت صفحاتها، ولا يعيرها لأحد لأهمية قيمتها المعنوية من إرث متناقل من الأجداد وتذكرهم بمن اقتنوها قبله، فيستمتعون بالإحساس الحقيقي من خلال لمسه، ويغضبون إن تمزق.
“الورقي” أم “الرقمي” للتعلم؟
تقول بورشك “بوصفي تربوية أجد الكتاب الورقي أفضل للتعلم، لأن قراءة الكتب الرقمية لا تمنحك فترة مناسبة للتركيز، وتتشتت القراءة بسبب الإشعارات الواردة للهاتف، أو قفز الصفحات من بين يديك، وعدم القدرة على مواصلة القراءة لنفاد بطارية الجهاز أو تعرضه للعطل، مما يؤثر سلبا على مزاجك”.
وتضيف “رأيي الشخصي كتربوية، أشعر بالسعادة وأنا أقرأ في النوعين من الكتب الورقية والرقمية ولا أستغني عن أي منهما، ولكن أشعر بألفة في التعامل مع الكتاب الورقي، وفي الوقت ذاته لا أستهين بمدى السهولة التي حققتها في حياتي بفضل الكتب الرقمية”.
العالم يتحدث “رقميا”
من جهتها تقول مدربة التنمية البشرية والمهارات الحياتية المعتمدة سوسن كيلاني “أتاحت لنا التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي إمكانية وصول عالية جدا وسريعة للمعلومات، كما مكنتنا من مقارنة الأخبار وانتقاء العناوين التي تعبر عن الحقائق”.
وتضيف “في مجال التدريب، احتجنا أن نقرأ الجديد في عالم التدريب عبر الإنترنت، خصوصا في أوضاع كورونا، وقمنا بعمل دورات تدريبية رقمية أيضا باستغلال الإمكانيات المتاحة من تطبيق “زوم” (Zoom) مثلا، وفي نادي صديقات الكتاب قرأنا كتبا رقمية لصعوبة الحصول على الكتب الورقية”.
وتعبر عن رأيها بالقول “أفضل القراءة من كتاب ورقي، أكتب على هوامشه أفكاري وأتركها لأولادي وأحفادي من بعدي إرثا عظيما، كالذي تركته لي أمي السيدة خيرية كنعان رحمها الله مؤسسة نادي صديقات الكتاب في الأردن”.
وتتابع “لن أتحدث عن مجانية الكتاب الرقمي فهي نقطة حساسة، ولكن عند المقارنة ولدى توفر المال، فإنه لا مجال للمفاضلة، الكتاب الورقي هو رقم واحد بالنسبة لي، ولكن ضمن الظروف والإمكانيات المتاحة يجب أن نتعلم ونتطور ونواكب لغة العصر الرقمية وإلا خسرنا على المستوى الشخصي والعملي والعائلي”.
وتشرح أننا نقرأ الكتب الورقية ونشتري من معرض الكتاب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا دعما للثقافة والمثقفين والمبدعين، ونلجأ للكتاب الرقمي طلبا للسرعة وتبعا للحاجة للمعلومة من مصادر غير متوفرة بالكتب التي تحت أيدينا، عالمنا متغير بشكل كبير حيث تتجدد المعلومات والنظريات بسرعة استثنائية ولا مجال للرجوع للوراء، ولكن لنكن متوازنين ومنطقيين من دون إسراف أو بخل.
وتختم حديثها “كل العالم يتحدث رقميا حتى أحفادنا الصغار، وكل شيء يصبح سهلا مع التدريب والإصرار والصبر ولا يأس مع الحياة، الأماني الكبيرة ترتقي بالإنسان وأدواته”.
الحفاظ على القراءة الورقية
“أعشق الكتاب الورقي.. أعشق قراءة الكتاب وأنا لوحدي أحلل وأكتب وأدون على حاشيته أهم المحطات وأجمل العبارات وخلاصة تفكير الكاتب وخلاصة تفكيري في أوجه الاختلاف وأوجه التشابه.. أكون سعيدة وأنا أرسم سطرا مستقيما تحت الأفكار التي تروق لي.. وأنا أرسم علامات الاستفهام والتعجب”، بهذه الكلمات عبرت رئيسة نادي صديقات الكتاب آسيا الأنصاري عن شغفها ومواظبتها على قراءة الكتب الورقية.
وتتابع الأنصاري: وهذا لا يقف حائلا أمام استخدامي للحاسوب والتزود بمختلف المعلومات العلمية والأدبية وغيرها.
وتشرح الأنصاري دور النادي في الحفاظ على القراءة الورقية بقولها “نعتمد الثقافة المقروءة وسيلة لتثقيف المرأة الأم والمربية صانعة الأجيال، ونشجع القراءة والمطالعة والاهتمام بالكتاب الورقي تأليفاً وترجمةً وقراءة، كما نلخص الكتب القيمة ونناقشها”.
وتضيف: يحرص النادي على تشجيع القراءة ضمن مبادرات وورش، ونسعى إلى أن نجعل الطفل محبا للقراءة بتوزيع كتب على مجموعات من الأطفال تتفق وأعمارهم ونشجعهم بالمسابقات والجوائز.
القراءة وفن التعامل مع الإنترنت
أستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي يقول إن “القراءة والبحث والمتابعة ومحاولة الحصول على المعلومات في الوقت الحالي جميعها رقمية، تتم من خلال أدوات مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويعلل الخزاعي انتشار القراءة الرقمية بتجدد وسائل المعرفة في مواقع التواصل، وسهولة عملية البحث وتوفير الوقت والجهد والنوعية، وهذا نوع من فن التعامل مع الإنترنت، فالجميع بحاجة لها ولا يستطيع تجاوزها.
ويقول الخزاعي “نحن بحاجة لأن يكون لدينا ثقافة التعامل مع الكتاب الرقمي، بكيفية توعية الطالب الرقمي والمعلم الرقمي من خلال التأكد من المعلومات والبحث عنها، وجودتها ونوعيتها، والتأهيل للحصول على المعلومات”.
ويوضح الخزاعي: في الوقت الحاضر باتت جميع الفئات العمرية متمكنة من عادات القراءة الرقمية، التي تمارس بقوة من قبل الجميع، وتشير العديد من الدراسات العلمية لأهمية القراءة الرقمية.
المصدر : الجزيرة