إشارات أميركية للتفاوض مع روسيا.. ما معالم الصفقة؟

دفعت الجهود الدبلوماسية الحثيثة الجارية للتوصل إلى حل سياسي لأزمة أوكرانيا لحديث بعض المعلقين عن إمكانية التوصل إلى صفقة ترضي جميع الأطراف، وذلك على الرغم من احتشاد أكثر من 130 ألف جندي روسي على الحدود مع أوكرانيا.
واستضافت موسكو أمس الاثنين الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الذي أجرى محادثات ماراثونية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وفي الوقت ذاته، جمع البيت الأبيض الرئيس جو بايدن بمستشار ألمانيا أولاف شولتز، في أول زيارة له للعاصمة الأميركية.
واعتبر عدد من الخبراء تأكيدات الرئيس بوتين بأنه لن يكون هناك رابحون في حال نشوب الصراع العسكري أنها إشارة إلى انفتاحه على حل سياسي يخدم مصالح بلاده ويحفظ ما وجهه.
حل سلمي لأزمة أوكرانيا
بدوره، يعتبر أندرو لوسين المسؤول السابق في وزارة الخارجية وخبير الشؤون الروسية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية في واشنطن أنه من غير المرجح التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة في هذه المرحلة، ولكن لا يزال هناك بصيص من الأمل، على حد قوله.
وفي حديث مع الجزيرة نت يذكر لوسين أن المسار الدبلوماسي مستمر مع “استمرار تبادل الرسائل بين موسكو والعواصم الغربية حول موضوع الأمن الأوروبي، وتقديم واشنطن ردودها على مقترحات بوتين لمعالجة مخاوفه الأمنية المنطقية”.
ويضيف لوسين أن “اجتماع مجموعة نورماندي هذا الأسبوع لبحث كيفية حل الصراع في شرق أوكرانيا يمثل أيضا دليلا على وجود بارقة أمل في عدم انزلاق روسيا تجاه الخيار العسكري”.
من جهته، لم يبد الأستاذ في جامعة دارتموث والخبير في السياسة الخارجية الأميركية وليام وولفورث أي تفاؤل، ويقول في حديث للجزيرة نت إن “الصورة العامة لا تزال تبدو قاتمة مع استمرار الحشد الروسي العسكري، وتغير التقديرات اليومية عن احتمالات حدوث الغزو في أي لحظة”.
ويكرر ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكنغز -في حديثه للجزيرة نت- القول إن روسيا قدمت مطالب “لا يمكن الموافقة عليها، وهذا ما يدركه بشده صانعو السياسية الروسية، ويدفعني ذلك للتشكيك في دوافع العملية السياسية الحالية، حيث يبدو أن روسيا اختارت مبكرا طريق الصراع بدلا من طريق التسوية”.
صفقة بايدن لتجنب الغزو المتوقع
ويؤكد لوسين أن “إدارة بايدن لن تقدم على أي تنازلات من شأنها أن تقوض حق أوكرانيا السيادي في تقرير المصير، وهناك فهم واضح في واشنطن بأن التفاوض على هذا المبدأ الأساسي من شأنه أن يقودنا إلى طريق خطير”.
ويعبر عن اعتقاده بأن الحلول الوسط الممكنة قد عرضت بالفعل، بما في ذلك فرض قيود متبادلة على المناورات ونشر القذائف، ومقترحات بتشكيل عمليات تفتيش مشتركة لبعض المنشآت العسكرية.
وأضاف أنه من الصعب تصور ما هي التنازلات الأخرى التي يمكن تقديمها لتجنب بيع أوكرانيا أو قلب أسس النظام الدولي الليبرالي، حسب قوله.
ويتفق البروفيسور وولفورث مع لوسين، واعتبر أن إدارة الرئيس بايدن قد “رفضت بالفعل مطالب روسيا الأساسية بشأن أوكرانيا وتوسيع حلف شمال الأطلسي كتابة”.
ويضيف أن التصريحات تشير إلى بعض الانفتاح، على الأقل تجاه مسألة عضوية كييف في حلف الناتو بالمستقبل، مع عدم التراجع عن المبدأ الأساسي المتمثل في الحق السيادي لأوكرانيا في الاختيار، وعدم المس بسياسة الباب المفتوح لحلف شمال الأطلنطي، كما ذكر.
معضلة حفظ ماء وجه بوتين
وعما يمكن أن تقدمه واشنطن لحفظ ماء وجه الرئيس الروسي، أكد ستيف بايفر أن الغرب وواشنطن قدما ما يمكن أن يحفظ ماء وجه الرئيس الروسي، خاصة في ما يتعلق بأفكار نزع السلاح وإجراءات بناء الثقة، والتعاون والتنسيق بين روسيا وحلف الناتو.
في حين أشار لوسين إلى أن واشنطن قد أبدت استعدادها للتفاوض بشأن القيود المفروضة على وضع أسلحة هجومية وإجراء مناورات عسكرية بالقرب من الحدود الروسية، والتي تعالج المخاوف الأمنية الأساسية لبوتين، مضيفا “وبوسع بوتين أن يقدم هذه العروض إلى الجماهير المحلية في روسيا باعتبارها إنجازا”.
لكن لوسين أكد مع ذلك أن الهدف الرئيسي لروسيا في هذه الأزمة هو منع أوكرانيا من التقدم أكثر على طريق الاندماج مع المؤسسات الغربية.
وقال “إذا لم يتمكن بوتين من تحقيق هذا الهدف من خلال الدبلوماسية فإن خياراته المتبقية تبقى ثنائية، إما التراجع أو المضي قدما في هجوم عسكري أو هجوم إلكتروني واسع النطاق على أمل تغيير الواقع على الأرض”.
وفي رده على سؤال حول نوع الصفقة التي يمكن أن تحفظ ماء الوجه للرئيس الروسي بوتين، اعتبر وولفروث أن هذا هو السؤال الأكبر “فروسيا تسعى إلى التوصل لاتفاق كبير، وتغيير حقيقي لا لبس فيه وقابل للقياس بخصوص الوضع الأمني الأوروبي الراهن”.
وتابع أن الولايات المتحدة ردت بجدول أعمال متجدد لنزع السلاح يركز على القوات التقليدية في أوروبا، ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتدابير عسكرية لبناء الثقة، والاستعداد لإعادة الانخراط، خاصة من خلال صيغة نورماندي في عملية مينسك، إلا أن هذا كله قد لا يبدو كافيا للرئيس بوتين، وفق وولفروث.
المصدر : الجزيرة