هل تهيّأ العرب بعد الوباء؟
ياسين نجار
في كل الحالات، وما دمنا في غير موقع من مواقع القوة فإن السبيل إلى التقدّم خطواتٍ إلى الأمام هو هامش المناورة بين القوى المتنفّذة، فلعلّ لنا في صعود بيكين فرصة للخروج من إكراهات خارطة سايكس بيكو وما تعنيه من هيمنة غربية، شريطة ألا نتهافت نحو القبضة الصينية، بل أن نحسن القراءة الجيوسياسية هذه المرة، وإن غداً لناظره قريب.
إذا تحقّقت مطامح الرئيس شي جين بينغ سريعاً، فإن تغيرات جيوسياسية آتية قريباً. ربما سنكون حيال معادلة تذّكرنا بوضعية حضارية عاشتها أمتنا في مرحلتها التأسيسية، فحين كان الإسلام مجرّد دعوة ثم دولة وليدة كان العرب محاطين بالروم والفرس وهم في حروب متواترة بينهم. كيف لقبائل متفرقة الكلمة أن يكون لها صوت مسموع بين إمبراطوريّتين راسختي الأقدام؟
مع انقشاع الجائحة بالتدريج، بدأ الحجم الحقيقي للعملاق الصيني يظهر. اعتبار الصين قطباً بات حقيقة جيوسياسية لم يعد ممكنا إنكارها. في المقابل، وللأسف لا نرى إلى اليوم موقفاً عربياً واضحا من الصين، إذ تبدو محجوبة في السياسات الخارجية العربية بدوائر أقرب (أوروبا ـ أمريكا ـ روسيا ـ قوى إقليمية كتركيا وإيران)، كما أنها غائبة في نقاشات النخب وتبدو فضاء مغلقا وملغزاً على الجميع
بلغ التشويه الغربي مداه في قلب أزمة الصين مع الفيروس، ولم يخففه سوى وصول الوباء إلى أوروبا ثم إلى أمريكا الشمالية، فكلما اشتدّت الأزمة بهؤلاء إلا واضطروا بشكل من الأشكال إلى المعونة الصينية، في ما عدا بعض الممارسات العنجهية من الرئيس ترامب والتي تشكّل اليوم نقطة يهاجمه منها خصومه السياسيون على مشارف الانتخابات الرئاسية نهاية هذا العام.
وإذا كان هذا التسلق الصيني في سلّم الاقتصاد متيناً ولا يمكن لأحد أن يشكّك فيه، فقد وجد الغرب في ملفات أخرى ما يعيق تحوّل الرأسمال الاقتصادي إلى رأسمال سياسي، وهنا كانت تُرفع بانتظام ورقات حقوق الإنسان والسيطرة على شبكة الأنترنت وقمع الأقليات وغير ذلك.
الصعود الصيني ليس مصادفة، فقبل ثلاثة عقود، وخلال حكم دن زياوبينغ كان البلد غارقاً في مشاكله الديمغرافية والسياسية، وقد سخر كثيرون وقتها من تنظيرات خبراء اقتصاد أشاروا بأن الصين ستقفز بعد سقوط الاتحاد السوفييتي إلى ثاني اقتصاد عالمي متجاوزة حتى الجار الياباني الذي احتل هذا الموقع لعقود.