هل تحاول روسيا حقا سرقة الأسرار المتعلقة بفيروس كورونا؟
نشرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على محاولات روسيا سرقة الأسرار المتعلقة بفيروس كورونا.
وقالت المجلة، في تقريرها إن التمييز بين أعمال التجسس القديمة وأعمال الحرب المدمرة كان في الماضي مسألة بسيطة نسبيًا. ولكن في العالم الرقمي المعاصر، أصبحت عملية التمييز هذه صعبة جدا على الرغم من أهميتها البالغة. والجدير بالذكر أن الأخبار الحديثة التي تفيد بأن الروس قد شنوا “هجمات خبيثة” على المنظمات المهتمة بمسألة فيروس كورونا تسلط الضوء على مشاكل التعريف الجديدة التي نواجهها.
وأوردت المجلة أن القصة انتشرت هذا الأسبوع عندما أصدرت الحكومة البريطانية بيانًا مدعومًا من المسؤولين الأمريكيين والكنديين زعمت فيه أن مجموعة من المخترقين الذين يعتقد أنهم وظفوا من قبل المخابرات الروسية، استهدفت المنظمات الغربية المشاركة في أبحاث تطوير لقاحات كوفيد-19.
وحسب وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث البريطانية، “من المحتمل للغاية أن هذه المجموعة كانت تحاول جمع معلومات حول تطوير اللقاح أو أبحاث عن الفيروس نفسه”، في حين وصف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب عمليات التسلل بأنها “غير مقبولة على الإطلاق”. وصرح مدير العمليات في المركز القومي للأمن السيبراني في المملكة المتحدة: “نحن ندين هذه الهجمات الدنيئة التي شُنت ضد أولئك الذين يقومون بعمل جدي لمكافحة جائحة فيروس كورونا”.
وأشارت المجلة إلى أن هذه التصريحات تدفعنا إلى طرح بعض الأسئلة المهمة على غرار ما إذا كان استخدام التجسس السيبراني “للرد على أسئلة استخبارية حول الوباء”، كما صاغها التقرير البريطاني، يشكل سلوكًا خبيثًا ودنيئا؟ إذا كان الأمر كذلك، فسيكون من المفاجئ حقاً إذا لم تقع إدانة جواسيس الإنترنت الغربيين عن فعل نفس الشيء في الصين وبلدان أخرى تتعامل مع فيروس كورونا الجديد. في الواقع، سيشكك قلة من الناس في حقيقة أن فهم أصول ومسار كوفيد-19، وكذلك قياس جهود المنظمات الأجنبية في التعامل مع انتشاره وتطوير العلاجات ضده تمثل مهمة استخباراتية، بالغة الأهمية.
وأكدت المجلة على أهمية رفض مثل هذه المنافسات غير المقبولة على أسس أخلاقية وقانونية، وبذل كل جهد لردعها. ولكن مثل هذه المنافسات لا تعد أمرا غير مألوف على مستوى التقاطع المضطرب والمتداعي بين عالمي الأعمال والعلاقات الدولية. فقد تجسست الحكومتان الأمريكية والسوفيتية بشكل مكثف على برامج الفضاء الخاصة ببعضهما البعض سعيا منهما للفوز بسباق من يصل أولا للقمر في الستينيات. كما أن سعي روسيا والصين ودول أخرى لاتباع طرق غير مشروعة في سباق تطوير لقاح اليوم، لا يمثل خبرا فريدا من نوعه، خاصة أنه لم يُسلط الضوء بعد على إمكانية تعاون دولي لمكافحة المرض.
وتساءلت المجلة عما إذا كانت مثل هذه التدخلات تعتبر دنيئة فقط عندما يكون هدفها هو عرقلة أو تعطيل الأبحاث الهامة وإحباط الجهود الغربية لمنع ومعالجة كوفيد-19. يعد مثل هذا الهدف أكثر من كونه دنيئا. فهو يشكل تهديدا أمنيا حقيقيا لمواطني البلدان المستهدفة، إن لم يكن للعالم بأسره. ويشير التقرير البريطاني إلى مثل هذا الهدف المدمر من خلال استخدام عبارات مثل “الهجمات ضد أولئك الذين يقومون بعمل حيوي”، لكنه لا يقدم أي أدلة قاطعة للتمييز بين جمع المعلومات الاستخبارية وسرقة بروتوكول الإنترنت والأعمال التخريبية الخبيثة.
وأوضحت المجلة أن المشكلة لا تكمن في نواقص التقرير البريطاني بقدر ما تكمن في طبيعة التكنولوجيا السيبرانية الحديثة نفسها. بمجرد دخول المتسللين إلى نظام الكمبيوتر، يمكنهم اختراق شبكته بالكامل وجمع كميات هائلة من البيانات القيمة. ويمكنهم أيضًا إتلاف تلك البيانات أو تدميرها، أو حتى تعطيل وظائف النظام. وغالبًا ما تكون الأهداف النهائية للعملية السيبرانية غير واضحة لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات بعد الكشف عنها.
ووفقا لما يشير إليه الاستهداف الروسي المزعوم للمنظمات ذات الصلة بكوفيد-19، فإن التكنولوجيا السيبرانية تغير أيضًا أهداف عمليات المخابرات. فعلى سبيل المثال، ركزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة جهودها لتحصيل كيانات الأمن القومي، وهو عالم محدد من كبار القادة السياسيين والجيوش ومنظمات الاستخبارات وصناعة الدفاع وأنظمة الأسلحة ومختبرات التكنولوجيا المتقدمة. وبالنسبة للتجسس السيبراني، هناك تمييز ضئيل بين أهداف الأمن القومي والأهداف المدنية.
وأفادت المجلة بأن العديد من التطورات التكنولوجية تعتمد على الشركات المحلية الناشئة ومسرعات بدء التشغيل الخاصة أو الجامعية، مما يجعل هذه الكيانات أهدافًا لجامعي المعلومات الاستخبارية. كما تتطلب مواكبة هذه التطورات حتمًا أن يتجسس جواسيس الإنترنت على ما كان يُعتبر يومًا ما منطقة مدنية.
وخلصت المجلة إلى أن كل العوامل السابقة تجعل الأحكام التي سوف تصدر بشأن النوايا الروسية تجاه الأبحاث المتعلقة بكوفيد-19 والقرارات المقابلة حول كيفية التصدي له صعبة للغاية.