هل أطلق الريف المصري شرارة الغضب ضد نظام السيسي؟
أثار خروج تظاهرات مصرية غاضبة في ريف مصر الأحد، الكثير من التساؤلات والتكهنات حول دلالات غضب الفلاحين ضد نظام السيسي واحتمالات تحوله إلى هبة شعبية عارمة.
ومنذ العام 2005 وخروج التظاهرات العمالية ضد نظام حسني مبارك من مدينة المحلة الكبرى الصناعية (غرب الدلتا)، وحتى ثورة يناير 2011 وما سبقها من تظاهرات وما تلاها أيضا؛ كانت تظاهرات الغضب تأتي من المدن المصرية ومن العاصمة القاهرة دون الريف المصري.
كما أن التظاهرات التي شهدها عهد المجلس العسكري (شباط/ فبراير 2011 وحتى منتصف 2012) وفترة حكم الرئيس مرسي (منتصف 2012/ 2013)، وأيضا التي خرجت ضد السيسي في العام 2019، انطلقت جميعها من المدن المصرية دون أن تصل إلا مناطق قليلة من الريف المصري.
وخرجت تظاهرات محدودة في قرية “الكداية” بمحافظة الجيزة، التي شهدت تحطيم سيارتين لقوات الأمن عصر الأحد، وتبعتها تظاهرات في قرى مجاورة لها هي “صول”، و”الديمسي”، و”أطفيح”، و”العياط”، والشوبك، وجمعها بالجيزة.
كما انطلقت مظاهرات أخرى حاشدة بجزيرة “الوراق” وسط نيل القاهرة، وبعض قرى محافظة المنوفية وسط الدلتا، وقرى بمركز دار السلام بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، حتى كتابة هذا التقرير.
وقام الشباب الغاضب بالخروج لشوارع القرى والهتاف ضد النظام العسكري الحاكم والمطالبة برحيل رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وقطع الطرق الرئيسية، فيما واجهتهم قوات الأمن بإطلاق الرصاص الحي لتفريقهم.
“ستكبر مثل كرة الثلج”
وحول دلالات تظاهرات غضب الريف المصري، واحتمالات تحوله إلى هبة شعبية، قال أحد قيادات الصف الثاني من جماعة الإخوان المسلمين، بإحدى محافظات الدلتا، إن الريف المصري هو ملح الأرض وقدس أقداس الهوية المصرية، حيث رابطة الدم والجيرة الممتدة”.
وأضاف لـ”عربي21″ مفضلا عدم كشف هويته: “لذلك ليس غريبا أن تكون صافرة البداية من ريف الجيزة تحديدا، فالجيزة معقل القبائل العربية العريقة، وملتقى الدلتا بالصعيد فهي ضمير مصر”.
ويعتقد أن “غضب فلاحي مصر ظهر أولا لأن الفلاح أكثر المتضررين من القرارات الحمقاء، كإزالة المباني وقوانين التصالح، وكذلك هدم المساجد كسابقة لم يشهدها الفلاح في الاحتلالين الفرنسي والإنجليزي، ولأنه الحلقة الضعيفة؛ لم يعد عنده ما يخسره”.
وتابع: “كما لا ننسى مخزون الكراهية مما جرى لقرى الجيزة إثر انقلاب عبدالفتاح السيسي العسكري منتصف 2013، على الرئيس محمد مرسي، واعتقال وقتل وتشريد الآلاف من أهالي قرى ناهيا، وكرداسة، والصف، والعياط، والبدرشين”.
وحول احتمالات تحول غضب الفلاحين المصريين إلى هبة شعبية، قال القيادي في الإخوان؛ إنها “بلا شك ستكبر مثل كرة الثلج، وكذلك بدأت ثورة يناير 2011، حتى سقط المخلوع”.
وبشأن رد الفعل المتوقع من قبل النظام ومدى احتمالات أن ينزل الجيش لقمع الحراك بالقرى كما هدد السيسي بذلك الشهر الماضي، يرى أنه “حتى الآن موقف الأجهزة الأمنية جيد من حيث ضبط النفس، وفي ظني أنها في كثير من قطاعاتها استوعبت درس ثورة يناير، ولن يختلف موقف الجيش كثيرا”.
وأشار إلى أن “أول علامات ذلك الهروب من الشرطة وترك المعدات والسيارات، حدث هذا في مدينة العاشر من رمضان، وتكرر في قرية أطفيح بالجيزة”، معتقدا أنه لو انكسرت موجة التظاهرات فإن التخوف من انتقام قادم من الريف؛ لكنه سيعني صب مزيد من الوقود على النار”.
وختم بالقول: “وماذا عساه السيسي أن يفعل أكثر مما فعل، لقد صار لكل عائلة إما شهيد أو معتقل، أو جباية وتفقير وتجويع”.
“نقلة نوعية”
من جانبه قال الأكاديمي المصري الدكتور أحمد رشاد، إن انطلاق التظاهرات من الريف يأتي “أولا: من درجة الوعي التي انتشرت بين جميع فئات الشعب؛ بسبب استمرار الظلم الذي طال الجميع في كل مناحي الحياة، وكان هدم المنازل الشرارة التي أنارت طريق المظاهرات”.
وأشار ثانيا بحديثه لـ”عربي21″، إلى أنه “أصبح هناك إرث تراكمي عند أهل الريف من خلال وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، التي استمرت في تعرية النظام وأفعاله ورفع مستوى الوعي خلال ٧ سنوات”.
رشاد، أكد أن ثالث الأسباب، هو أن أبناء الريف تضرروا في الزراعة والرعي وسوء الأحوال الاقتصادية خلال حكم العسكر، وقد تكون هذه المظاهرات البسيطة في ريف مصر هي نقلة نوعية جديدة وإضافة جديدة، وبداية لهبة شعبية للمصريين”.
“الأكثر تهميشا”
وقال الناشط المصري علي شنن؛ إن “الريف المصري أصبح من أكثر فئات المجتمع تهميشا، ومعظم القرارات الاقتصادية والسياسية أصابت هذه الفئة على مستوى الحياة المعيشية”.
وأضاف لـ”عربي21″، أن “الريف المصري يعاني من مصادر الدخل المادي المحدودة، والدخل عن طريق الزراعة أصبح لا يلبي المطالب الحياتية، والوظائف الدونية داخل المجتمع المصري التي لا تلبي مطالب الأسرة”.
وأكد أن “النظام العسكري لم يفكر يوما في صالح هذه الفئة؛ بل كل قراراته تصب في مصلحة فئة معينة تخدم هذا النظام مباشرة (الجيش، الشرطة، القضاء، رجال الأعمال) على حساب فئات العمال والفلاحين التي أصابتهم مباشرة، فيزداد الفقير فقرا فوق فقره وأصبح الوضع المعيشي لا يتحمل، وآخرها قرارات هدم البيوت”.
“رسالة واضحة للسيسي”
من جانبه قال الناشط السياسي حسام المتيم؛ إن “الريف المصري يمثل الرقعة الأكبر في التوزيع السكاني والديموغرافي في الداخل المصري؛ وللمفارقة فهي الشريحة التي تنال الحظ الأوفر من سلبيات قرارات دولة السيسي”.
وأشار بحديثه لـ”عربي21″، إلى “معاناة الريف من الخدمات الأساسية الأقل؛ من تعليم وصحة وبنى تحتية؛ بالإضافة لتضاعف حجم تأثر أهلنا في الريف من ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومستوى التضخم بشكل عام”.
وتوقع المتيم، أن “تتأثر شرائح المجتمع الريفي بشكل أكبر؛ مع اتخاذ الإجراءات الأخيرة الخاصة بهدم المنازل، وهو ما يدفعهم للغضب وإعلان رفضهم بشكل مباشر لقرارات الحكومة ولنظام السيسي ككل”.
وقال إنه “على الرغم من أن التظاهر المباشر ليس هو الوسيلة الأكثر تأثيرا خارج المدن الرئيسية، إلا أن انتشار الاحتجاجات الغاضبة مؤخرا في عدة قرى مصرية، يحمل دلالة ورمزية شديدة الوضوح ورسالة واضحة لنظام السيسي”.
وختم بالقول: “هذه الرسالة تقول إن مزيدا من التضييق على المواطنين، سيتأتى ربما بملامح ومقدمات نهاية دولته ونظام حكمه”.