من المسؤول عن تدهور اقتصاد لبنان.. وما مصير الليرة؟
يقف لبنان على عتبة انهيار وشيك اقتصاديا وماليا بحسب مؤشرات الأوضاع السلبية التي تقاطعت مع توقعات وتحذيرات الخبراء الاقتصاديين والماليين والمختصين في الشأن اللبناني، لا بل باتت الأزمات الحياتية عنوانا واضحا ليوميات المواطن اللبناني مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم إلى حد غير مسبوق.
وتبادر الحكومة اللبنانية إلى طرح خطوات للإنقاذ ومنها خوض مفاوضات مع البنك
الدولي للحصول على قروض بمعدل 10 مليارات دولار لتعويم الوضع المالي المنهار في
البلاد وانهيار العملة أمام سعر صرف الدولار الأمريكي، وسط اتهامات تطال سياسيين
بالتعاون مع حاكم مصرف لبنان المركزي بالتواطؤ والشراكة في تدمير الاقتصاد والعملة
الوطنية لصالح أجندات سياسية داخلية وخارجية ولمصالح مالية خاصة مرتبطة بواقع
“الفساد المستشري في البلاد”.
وبحسب لغة الأرقام فإنه يطمح صندوق النقد الدولي بأن يخفض لبنان حجم الدين العام
البالغ أكثر من 150 بالمئة من الناتج المحلي، فيما تستنزف أزمة الأزمات في لبنان
وهي الكهرباء ميزانية الدولة بقرابة 40 بالمئة، وهو ما يعزز فرضيات الفساد السياسي
الكبير في هذا الملف تحديدا.
لكن الحكومة على الرغم من تحركاتها تبدو حذرة في بث التفاؤل في ظل مناخ عالمي غارق
في كيفية مواجهة جائحة كورونا، وتراجع فرص التوافق الداخلي على رؤية مشتركة في ظل
المناكفات والتجاذبات.
وفيما تكال الاتهامات ضد حزب الله بأنه هو من تسبب بتفاقم الأزمة، اعتبر قياديون ونواب تابعون له في تصريحات منفصلة أن “أزمة لبنان تكمن في تراكمات فساد عمرها أكثر من ثلاثين سنة لم يكن للحزب دور فيها، بل كان من المطالبين دوما بمحاسبة المفسدين أيا كانت انتماءاتهم وطوائفهم، ولطالما قدم الحزب بلاغات للقضاء حول شبه فساد وتورطات مسؤولين في الدولة بملفات فساد ونهب وإهدار للمال العام”.
الهروب من “الواقع”
واستبعد عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل، مصطفى علوش، إيقاف التدهور المتسارع
في البلاد قائلا إن “الحكومة تهرب من مسألة إيجاد حلول في ظل غياب المخططات
الحقيقية والجادة وافتقادها للقدرة على ضبط الانفلاتات المتعددة الأوجه التي
تشهدها البلاد”.
وحمل علوش في تصريحات لـ”عربي 21″ رئيس الحكومة حسان دياب وأعضاء وزارته مسؤولية الانهيار الحاصل في البلاد لأنهم لم يقاربوا المشكلة الحقيقية بجدية، لافتا إلى أن الأزمة مرتبطة بسيطرة حزب الله على مقدرات الدولة وتلويحه بتفوقه بالسلاح والتهويل المستمر ضد معارضيه من السياسيين والمواطنين.
ووضع علوش “الأزمة الحياتية في خانة المعضلة السياسية التي تمر بها البلاد
منذ فترة”، معتبر أن عملية إنقاذ لبنان ومساعدته من الخارج لا تتم من دون
تسوية أوضاعه السياسية وإثبات قدرة الدولة على الضبط والسيطرة من دون أي تدخلات من
حزب الله أو إملاءات من محور (يقصد إيران) يحاول الاستثمار في لبنان.
وتوقع علوش حدوث الأسوأ، قائلا: “يتضح أننا نسير نحو الفوضى العارمة وقد يكون
أحد وجوهها فوضى الشارع والانفلات الأمني، وذلك وفق استطلاعات موثوقة”.
وعن إمكانية التدخل الخارجي لإنقاذ لبنان اقتصاديا، رأى علوش أن “التجارب
السابقة أثبتت فشلها من خلال مؤتمرات باريس الثلاثة الإنقاذية، حيث لم تستطع
الدولة القيام بإصلاحات بنيوية في ظل هيمنة حزب الله على الوضع اللبناني واستنزافه
البلاد وسوقه نحو المحور الإيراني”.
وعن اتهامات مصدرها رئيس الحكومة لحاكم مصرف لبنان بمسؤولية التلاعب بالوضع
المالي، قال: “لا بد من توجيه اتهام مباشر للمتورطين والمضي بالإجراءات
القانونية في حال حدوث تجاوزات فعلا”، منوها إلى أن “هناك محاولة
استدارة حول الأسباب الموضوعية ومنها الملف السياسي واستقلالية الدولة وملف التلاعب
المالي والاقتصادي والفساد الذي يَنْخُر مفاصل الدولة لا سيما في ما يتعلق بملف
كهرباء لبنان الذي أرهق الخزينة العامة واستنزفها طوال السنوات الماضية”.
أزمة ولكن لا فوضى
وعلى الرغم من حذره الشديد حيال الأوضاع الراهنة، لكن الخبير الاقتصادي، لويس
حبيقة، رفض الحديث عن انهيار شامل في البلاد، ورأى أن العجز واضح لدى مؤسسات
الدولة وهيئاتها الرقابية، كاشفا في حديث لـ”عربي21″ عن شح في عدد
المراقبين التابعين للدولة ما يقلل من فرص ضبط الأسواق ومراقبة التجار وحماية
المستهلك، وانتقد غياب محاسبة المخالفين.
وقال حبيقة: “سطرت الهيئات الرقابية 670 مخالفة في الفترة الماضية غير أن أحدا من المخالفين لم يحاسب أو يتم إيقافه، واقتصر الأمر على إحالة الملفات المخالفة إلى القضاء للبت فيها، وهذا ما يعني مماطلة وتسويفا وفقدانا لحس المسؤولية تجاه تردي الأوضاع في البلاد”.
ونوّه إلى أن “إنزال العقاب بعدد من المخالفين يعيد إلى الأسواق اتزانها
ويحدّ من حال الانفلات التي تشهده الأسواق اللبنانية لاسيما في شهر رمضان”.
وعن إمكانية حدوث فوضى شاملة في ظل الترهل الحاصل، قال: “من الممكن حدوث
انفجار شعبي وفوضى لو أن العالم كله لا يعيش أوضاعا مماثلة ولكن إذا نظرنا حولنا
لوجدنا التخبط يضرب العالم كله، حتى إن الولايات المتحدة تعاني من أسوأ وضع
اقتصادي منذ أزمة عام 1928 بحسب تقارير اقتصادية، والحال نفسه في البرازيل، وليست
أوروبا بعيدة عن الأوضاع المتردية، وبالتالي فإن اللبنانيين يعضون على جرحهم
بانتظار اتضاح المشهد العالمي”.
وعن تدهور سعر الدولار وكيفية ضبطه، قال: “ارتفاع سعر الدولار مرتبط بتوفره
في الأسواق من عدمه، ولا يستطيع المصرف المركزي ضخ عملة الدولار عشوائيا رغم توفر
قرابة 20 مليارا في خزائنه، لأن معالجة ارتفاع العملة مرتبط بعملية دخول الدولار
والاستثمارات في القطاعات المختلفة والتحويلات وغيرها من العوامل التي تعزز من
قيمة العملة اللبنانية تجاه الدولار”.
واعتبر حبيقة، أن هذه الأزمة “سياسية بامتياز وتتطلب توافقا وطنيا وإجماعا على خارطة طريق تنقذ العملة من حال التضارب التي غرقت فيه من أكثر من ستة أشهر”.