مصر: بوادر أزمة جديدة بين شيخ الأزهر والنظام.. البرلمان يوافق على تعديلات قانون دار الإفتاء تقضي بتبعيتها لوزارة العدل وليس “الأزهر” وهيئة كبار العلماء ترفضها وتعتبرها عدوانا
20 يوليو، 2020
فيما اعتبره
المراقبون بوادر لأزمة جديدة بين شيخ الأزهر والنظام،وافق البرلمان المصري مبدئيا
اليوم على تعديلات قانون دار الإفتاء التي تقدم بها الدكتور أسامة العبد رئيس
جامعة الأزهر الأسبق والمقرب من النظام،والتي تقضي بتبعية دار الإفتاء لوزارة
العدل وليس للأزهر.
غضب عارم
التعديلات
المقترحة أثارت غضبا عارما لدى هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة بالأزهر) واعتبرتها
عدوانا على الأزهر بنزع تبعية دار الإفتاء للأزهر،وجعلها تابعة لوزارة العدل.
هيئة كبار
العلماء أكدت في خطاب تم إرساله للبرلمان أن دار الإفتاء تابعة للأزهر بحكم
التاريخ والدستور، مؤكدة أن التعديلات المقترحة مخالفة للدستور.
وأوصت
هيئة كبار العلماء بعدم الموافقة على القانون،موضحة أن الدستور المصري قد نص على
أن الأزهر الشريف هو المرجع الأساس في كل الأمور الشرعية التي في صدارتها الإفتاء،
والبت في كافة الأمور المتعلقة بالشريعة، والرد على الاستفسارات الشرعيَّة من أية
جهة، وتقديم الآراء الشرعية في شأن المعاملات المالية المعاصرة، وإجراء الأبحاث
الشرعية المتعلقة بالفتوى، والرد على الشبهات المثارة، وغيرها من الأمور الشرعية
التي تضمنها مشروع القانون، مؤكدة أن إسناد تلك الأمور لهيئة تابعة لوزارة العدل،
ولا تتبع الأزهر الشريف؛ أمر ينطوي على مخالفةٍ دستورية، ومساسٍ باستقلال الأزهر،
وجعل رسالته مَشَاعًا لجهات أخرى لا تتبعه؛ حيث إن دار الإفتاء ستصير عندئذٍ
كيانًا عضويًّا مُنْبَتَّ الصلة عن الأزهر الشريف، وتمارس عملها بمعزل عن
الأزهر.وفقا للمشروع المعروض.
وأضاف الخطاب
أن الأزهر ليس أشخاصًا، وإنما رسالة عامة وشاملة حدَّدها الدستور في باب مقومات
الدولة بصورة واضحة لا لبس فيها، ومن ثَمَّ فإن أية هيئة دينية إسلامية يتم
إنشاؤها، وتعمل على تحقيق رسالته، تُعَدُّ بالضرورة جزءًا لا يتجزأ من رسالة
الأزهر، ويراجع الأزهر الشريف أعمالها، ويشرف عليها، والقول بغير ذلك يُشكل مخالفة
صريحة لنص الدستور.
كما أوضح
الخطاب أن ما ذكر في مقدمة القانون المقترح -من أن هناك فصلًا بين الإفتاء والأزهر
من نحو 700 عام، وأن هناك كيانًا مستقلًّا (دار الإفتاء)- غير صحيح، مؤكدا أن مقر
الإفتاء في القدم كان في الجامع الأزهر، حيث يذهب المستفتي إلى مقر المفتي بالجامع
الأزهر فيقدم للمفتي أو أمينه ورقةً كتب فيها الاستفتاء المطلوب إجابته؛ فيقدم له
المفتي الفتوى الشرعية عن سؤاله، ثم يحكي هذه الفتوى على أمين الفتوى فيكتبها
لاحقة على السؤال، أو يعيد كتابة السؤال مرة أخرى، ويلحق به الإجابة، وفي بعض
الأحيان كان المفتي يسمح لأمين فتواه إذا وجد فيه أهلية القيام بالفتوى بالرد على
الاستفتاء، وفي جميع الأحوال يقوم المفتي بالتوقيع على الفتوى كمستند رسمي يعتمد
عليه المستفتي في إثبات حقوقه، مضيفا أن جميع مناصب الإفتاء في مصر طوال العصر
العثماني كانت في يد علماء الأزهر: وأشهرها إفتاء السلطنة – إفتاء القاهرة – إفتاء
الأقاليم.
ومن هنا يتضح
مغالطة ما تضمنه تقرير اللجنة المشتركة بمجلس النواب بأن دار الإفتاء قد نشأت
مستقلةً عن الأزهر الشريف منذ 700 سنة!!!! وتاريخ نشأة دار الإفتاء يؤكد ذلك.
كما أوضح أنَّ
نصَّ القانون رقم 103 لسنة 1961م، وتعديلاته بالمرسوم بقانون رقم 13 لسنة 2012م،
أكَّد أنَّ الأزهر هيئة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية، ويكون مقرها القاهرة، ويجوز
أن تنشئ فروعًا لها في عواصم المحافظات في مصر، أو في دول العالم؛ تحقيقًا
لأهدافها العالمية السابق الإشارة إليها في هذه المادة، بما في ذلك إنشاء المعاهد
والمراكز الإسلامية والبحثية والكليات الجامعية، وتكفل الدولة استقلال الأزهر، كما
تكفل الدعم المادي المناسب له ولجامعته وكافَّة هيئاته، ويُمثل الأزهر الشريف
المرجع النهائي في كل ما يتعلق بشئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية
والفكرية الحديثة”.
كما أوضح
الأزهر أن مشروع القانون المقترح قد تضمن إنشاء هيئة دينية إسلامية، وأناط بهذه
الهيئة الاختصاص بكافة ما يتعلق بالفتوى، فقد أسند إليها إجراء الأبحاث الشرعية
المتعلقة بالفتوى، وجعَلَها الجهة القوَّامة على شئون الفتوى، والرد على الشبهات
المثارة، وهي المتحدث في كل شئون الشريعة الإسلامية، وإعداد المفتين وتأهيلهم
(داخل جمهورية مصر وخارجها)، وترجمة الفتاوى الشرعية إلى اللغات المختلفة ونشرها،
وإصدار النشرات والكتب والمجلات، وأية إصدارات ذات الصلة بنشاط دار الإفتاء، وأن
ينشأ بدار الإفتاء مركز يسمى “مركز إعداد المفتين” برئاسة المفتي، يهدف إلى إعداد
الكوادر العلمية التي تشتغل بالإفتاء، وإكسابهم المهارات اللازمة لذلك، وتأهيلهم
داخل مصر وخارجها، وإصدار شهادة دبلوم يُعادلها المجلس الأعلى للجامعات، وهذا
افتئات على مجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر، التي تختص بإصدار الشهادات
العلمية في العلوم الإسلامية.
ولما كان
الاختصاص المسند للهيئة الجديدة في المشروع المقترح يؤدي إلى اعتبارها كيانًا
موازيًا للأزهر الشريف، ويتعدي علي اختصاصاته، ومنها اختصاصات هيئة كبار العلماء،
ويتضمن منح اختصاصاتها لدار الافتاء الجديدة بالمشروع، المنصوص عليه بالمادة 32
مكرر من القانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها.
وفضلًا عمَّا
تقدم فقد تضمَّن مشروع القانون المقترح عُدوانًا على اختصاص هيئة كبار العلماء
بالأزهر واستقلالها، وهي التي تختص وحدها بترشيح مفتي الجمهورية، وقد جاء المشروع
مُلغيًا للائحة هيئة كبار العلماء التي تكفَّلت بإجراءات ترشيح ثلاثة بواسطة أعضاء
هيئة كبار العلماء، والاقتراع وانتخاب أحدهم لشغل المنصب، وجاء المشروع
مستحدثا موادد ليبقى المفتي في منصبه حتى بلوغه السن القانونية المقررة
للتقاعد،دون اعتداد بالمدة المحددة في لائحة هيئة كبار العلماء والتي عين فضيلة
المفتي الحالي وجدد له علي أساسها،وأيضا تجيز التجديد له بعد بلوغ هذه السن، دون
تحديد مدة لذلك،ودون العرض على هيئة كبار العلماء.
كما شكلت بعض
مواد المشروع تغوُّلًا على جامعة الأزهر التي حدَّد القانون بالمادة 33 من القانون
رقم 103 لسنة 1961 اختصاصاتها التي نصت على أن “تختص جامعة الأزهر بكل ما يتعلق
بالتعليم العالي في الأزهر، وبالبحوث التي تتصل بهذا التعليم أو تترتَّب عليه..”
ولم يخلُ
المشروع من المساس بمجمع البحوث الإسلامية الذي يتألَّف من عددٍ لا يزيد على خمسين
عضوًا من كبار علماء الإسلام يُمثلون جميع المذاهب الإسلامية، ويكون من بينهم عددٌ
لا يزيد على العشرين من غير مواطني جمهورية مصر العربية، بالمخالفة لنص المادة 15
من القانون رقم 103 لسنة 1961.
كما أنَّ
المخالفات الدستوريَّة التي شابت مشروع القانون لا تقتصر أو تقف عند مجرد العدوان
على اختصاصات الأزهر الشريف، ومحاولة إنشاء كيان موازٍ للأزهر يقوم في موضوعه
وغايته على محاولة الحلول محلَّه في رسالته وأغراضه، فالأمر يتجاوز حدود النزاع
على الاختصاصات، أو التشبث بالصلاحيات، أو احتكار جهةٍ للقيام بدور معين، ومنع
غيرها من مشاركتها فيه، فالخطورة تكمن في تجزئة رسالة الأزهر الشريف، وإهدار
استقلاله الذي هو عِمادُ وسطيته واعتداله، فالأزهر ليس مجرد هيئة وأشخاص، وإنما هو
رسالة علميَّة لا تحتمل إلا أن تكون مستقلة غير تابعة، وهذا المشروع المعروض يخلُّ
إخلالًا جسيمًا بالدستور، كما يخلُّ بالاستقلالية والحياد الذي ينبغي أن يتمتع
بهما منصب مفتي الجمهورية.
وترتيبًا على
ذلك رأت هيئة كبار العلماء بالأزهر، عدم الموافقة على مشروع القانون المعروض
بصورته الراهنة للأسباب سالفة البيان.
القرار سياسي
البعض اعتبر
التعديلات المقترحة سياسية بحتة بعيدة عن الدين، معتبرا أن دار الإفتاء وليد
الأزهر ودورها لن تتحمله وزارة العدل .
وقال آخرون إن
الفتاوى ستنطلق على هوى النظام وستكون فتاوى مسيسة.. مثل الأحكام القضائية.
بعض المراقبين
قال إن القانون الجديد سيلغي دور الازهر نهائيا وسيمرر كل الفتاوي التي رفضها شيخ
الأزهر من قبل مثل : الطلاق المكتوب وتكفير داعش.
ولمَ لا؟
على الجانب
الآخر أيد البعض التعديلات المقترحة مؤكدا أن الفتاوى ليست دينية فقط ولكن تتخللها
مصالح وظروف عصرية مستحدثة قد تغيب عن المؤسسات الدينية.
تعبتني يا
فضيلة الإمام!
البعض ذكّر
بالخلاف القديم بين السيسي و شيخ الأزهر، ومقولته الشهيرة له في أحد اللقاءات:
تعبتني يا فضيلة الإمام!