لماذا يقع البعض بفخ “الأكاذيب” حول كورونا؟
يدور تساؤل مهم حول أسباب وقوع بعض الناس ومنهم مثقفون في “فخ الأخبار الكاذبة والشائعات المضرة”، والتي يكثر تداولها حاليا بالتزامن مع تفشي جائحة كورونا.
ينتج عن الأخبار الخاطئة أضرار كبيرة في بعض الأحيان، حيث خلص تقرير من إحدى المحافظات الإيرانية إلى أن عدد ضحايا الأكذوبة التي شاعت في إيران حول فوائد الكحول الإيثلي في الوقاية من فيروس كورونا المستجد كان أعلى من عدد ضحايا الفيروس نفسه.
وأشار استطلاع للرأي أجرته مجلة “إيكونوميست” بالتعاون مع شركة “يوغوف” لأبحاث الأسواق إلى أن 13 في المئة من الأمريكيين يعتقدون أن أزمة كورونا المستجد برمتها أكذوبة، في حين يعتقد 49 في المئة منهم أن الفيروس من صنع البشر.
واتخذ موقعا فيسبوك وتويتر مؤخرا خطوة غير مسبوقة بحذف منشورات لبعض زعماء العالم لترويجها معلومات غير دقيقة حول مخاطر تفشي الفيروس، وعلاجات لم تثبت صحتها قد تضر أكثر مما تنفع.
وسلطت “بي بي سي” الضوء على الأسباب المؤدية لوقوع البعض في فخ الأكاذيب وكيفية تجنب ذلك، وهي كالآتي:
غزارة المعلومات
مع غزارة المعلومات التي تتدفق علينا يوميا على مدار الساعة، قد نعتمد أحيانا على الحدس لتمييز المعلومات الدقيقة من الملفقة. ويستعين مروجو المعلومات الملفقة ببعض الحيل البسيطة لتبدو رسالتهم صادقة قدر الإمكان، حتى لا نتحقق من صحة مصدرها.
وذكر باحثون في إحدى الدراسات أن “الأفكار عندما تتدفق بسلاسة، ينساق الناس وراءها”.
وأثبتت إيرين نيومان، من الجامعة الوطنية الأسترالية، أن وضع صورة بجانب المعلومة يعزز من مصداقيتها، حتى لو كانت هذه الصورة تمُت بصلة بعيدة للمعلومة، مثل وضع صورة للفيروس مع معلومة عن علاج جديد.
وتكون المعلومات الملفقة في الغالب مفعمة بالتفاصيل والكلمات والعبارات الوصفية والقصص الشخصية، وتضاف إليها معلومات شائعة أو اسم جهة شهيرة، مثل هيئة طبية معترف بها، لتبدو الأكذوبة مقنعة.
وقد يعزز تكرار العبارة نفسها، سواء في نفس النص أو في عدة رسائل، من المصداقية. فكلما تكررت المعلومة على صفحتنا على موقع التواصل الاجتماعي، زادت سهولة انخداعنا بها، حتى لو كانت الشكوك تساورنا في البداية في مدى مصداقيتها.
مشاركة المعلومة قبل التحقق من صحتها
أشارت أدلة مؤخرا إلى أن الكثير من الناس يشاركون المعلومات على مواقع التواصل الاجتماعي قبل التفكير في مدى صحتها.
وأجرى غوردون بينيكوك، كبير الباحثين في سيكولوجية المعلومات الزائفة بجامعة ريجينا في كندا، دراسة طلب فيها من المشاركين تمييز الأخبار الزائفة من الصحيحة حول فيروس كورونا المستجدّ، وانخدع المشاركون بالأخبار الزائفة في نحو 25 في المئة من المرات، في حين ذكر 35 في المئة منهم أنهم قد ينشرون هذه الأخبار الملفقة.
ويقول بينيكوك إن هذا يدل على أن الناس ينشرون الأخبار التي لو فكروا للحظات في مدى صحتها لأدركوا أنها ملفقة.
ويعزو بينيكوك ذلك إلى الرغبة في الحصول على أكبر قدر من التفاعل من رواد الموقع، سواء بالإعجاب أو المشاركة.
ويظن البعض أن المعلومة لو كانت تتضمن شيئا من الصحة فستفيد أصدقاءهم أو متابعيهم، ولو كانت خاطئة فلن تضرهم، لكنهم لا يدركون أن مشاركة المعلومات الخاطئة قد تضر الآخرين.
تجاهل رد الفعل التلقائي
أشارت أبحاث إلى أن بعض الناس “أفضل بالفطرة” في تجاهل ردود الفعل التلقائية الفورية من غيرهم، ولهذا فإن بعض الناس أسهل انخداعا بالأخبار الزائفة من الآخرين.
ولقياس مدى سهولة الانخداع بالأفكار الزائفة، استعان بينيكوك باختبار التفكير المعرفي. فإذا صادفت مثلا سؤالا من قبيل: أبو إميلي لديه ثلاث بنات، الأولى تدعى أبريل، والثانية مايو، فما اسم الثالثة؟”
ستكون الإجابة التلقائية التي تتبادر إلى ذهنك هي “يونيو”، لكن الإجابة الصحيحة هي إميلي.
ويتطلب التوصل إلى الإجابة الصحيحة تجاهل أول إجابة تتبادر إلى ذهنك. ولهذا يقيم هذا الاختبار قدرة المرء على توظيف ذكائه بإمعان النظر في المعلومة والتروي، بدلا من التسليم بالإجابة البديهية.
وعلى النقيض، بعض الناس لديهم قدرات ذهنية ومعرفية عالية، لكنهم يتكاسلون عن استخدامها، ويطلق علماء النفس على هذه الظاهرة “البخل المعرفي”.
ويجلعنا البخل المعرفي أكثر عرضة للتحيّز المعرفي، وقد يغير الطريقة التي نتلقى بها المعلومات الصحيحة والزائفة.
ولاحظ بينيكوك أن الأشخاص الذين أحرزوا درجات متدنية في اختبار التفكير المعرفي، كانوا أقل قدرة على تمييز الأخبار الزائفة من الصحيحة قبل مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وخلصت دراسة أجراها ماثيو ستانلي، من جامعة ديوك في دورهام بولاية نورث كارولينا، إلى أن مهارات التفكير التحليلي تنبئ بمدى سهولة الانخداع بالأفكار الزائفة، وانتهاج السلوكيات الصحية التي تسهم في الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد.
ويقول ستانلي إن نحو 13 في المئة من المواطنين الأمريكيين يعتقدون أن الوباء برمّته مجرد أكذوبة، وقد يمتنعون عن اتباع إجراءات النظافة الشخصية والتباعد الاجتماعي، وهذه النسبة في الولايات المتحدة كفيلة بنشر الفيروس بوتيرة متسارعة.
أوقف نشر المعلومات المغلوطة
قد يُسهم كل منا في التصدي للمعلومات الزائفة، ويكفي أن نعرف أن الكثيرين، مثقفون وغير مثقفين، يميلون إلى التسليم بالمعلومات دون بذل مجهود في التفكير في مدى صحتها.
ويقول ستانلي إن التصدي للشائعات والمعلومات المضللة يتطلب تبسيط المعلومات قدر الإمكان حتى يتقبلها الأشخاص الذين لا يريدون بذل مجهود في التفكير، ويفضل أن تكون المعلومات مشفوعة بالصور والرسومات البيانية.
وبدلا من تكرار الأساطير والمعلومات الزائفة لتفنيدها، قد يكون من الأفضل إبراز المعلومات الصحيحة حتى تترسخ في أذهان الناس وتحل محل الزائفة. لأن تكرار المعلومات الزائفة قد يجعلنا نألفها ومن ثم نعتقد أنها صحيحة.
أما عن سلوكياتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، فعندما ترى منشورا أو معلومة، يجدر بك أن تحتكم للعقل ولا تنجرف وراء المشاعر، ونبحث عن مصدر المعلومة والأدلة العلمية التي نؤيد مصداقيتها قبل أن ننشرها على صفحاتنا.
وتُعدّ مصداقية المعلومة أهم من حجم التفاعل الذي ستجتذبه على صفحتك على موقع التواصل الاجتماعي. ويرى بنيكوك أن شبكات التواصل الاجتماعي قد تحفّز المستخدمين للاستقصاء والتدقيق في المعلومات قبل نشرها. إذ لاحظ بنيكوك في تجاربه أن تشجيع المشاركين على التحقق من صحة المعلومات شجعهم على تدقيق الأخبار والمعلومات فيما بعد.
ومن الواضح أن التصدي لانتشار المعلومات المغلوطة الخطيرة عن الوباء قد لا يقل صعوبة عن محاولات احتواء الوباء نفسه. وفي ظل تفاقم هذه الأزمة، سيكون كل منا مسؤولا عن التصدي لهذه المعلومات الزائفة ومنع انتشارها.