لماذا يصمت العرب على جرائم حرق المتطرفين للقرآن؟
الصمت التام كان هو رد فعل الحكومات العربية والإسلامية، إزاء جريمة حرق نسخ من القرآن الكريم سجلتها الكاميرات وشهدها العالم الجمعة الماضي، والتي ارتكبها سياسيون متطرفون وجماعات عنصرية من السويد والدنمارك.
وفيما عدا تركيا لم تتقدم أية دولة عربية أو إسلامية بأي اعتراض أو استهجان أو اتخاذ إجراء دبلوماسي باستدعاء أو سحب السفراء.
الاستنكار التركي جاء على لسان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، الأحد، حيث قال عبر “تويتر”: “يحرقون نسخا من القرآن الكريم في أوروبا، ثم يزعمون أنهم يدافعون عن العقل والعلم والحرية والعدالة”.
وأدانت الخارجية التركية، السبت، ما وصفته بـ”الاستفزازات القبيحة” والعمل “الدنيء تجاه كتابنا المقدس”، لافتة إلى تعرض مسلمي أوروبا لظواهر العنصرية ومعاداة الإسلام.
وشعبيا غاب التضامن مع القضية بشكل كبير، ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي نقلت الجريمة بالصوت والصورة وتفاعل معها بعض النشطاء إلا أنه لم يتم إطلاق أية هاشتاغات ودعوات تضامن واستنكار للجريمة.
وعلى مستوى المؤسسات الدينية، أدان “الأزهر الشريف”، و”دار الإفتاء المصرية”، و”منظمة التعاون الإسلامي”، الجريمة واعتبروها عملا تحريضيا ضد المسلمين واستفزازيا لمشاعرهم.
والجمعة، قام عنصريون بارتكاب جريمة حرق نسخ من القرآن الكريم يتزعمهم اليميني الدنماركي المناهض للهجرة والإسلام رئيس حزب “هارد لاين” أو “الخط المتشدد” راسموس بالودان.
السياسي المتطرف، قام في نفس التاريخ من العام 2019، بنفس الجريمة لمعتقد أكثر من 1.9 مليار مسلم وفق آخر تعداد للمسلمين عام 2020.
كما أنها نفس الجريمة التي ارتكبها في آذار/ مارس 2019، فيما شهدت الدنمارك عام 2015، جريمة برسم صور مسيئة لنبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- وقبلها جرائم مشابهة في هولندا.
وانطلقت احتجاجات لنحو 300 من المسلمين الغاضبين بمدينة مالمو رفضا لإحراق القرآن الكريم بالبلد الذي يتزايد فيه عدد المسلمين سنويا ليصل نحو 8.1 بالمئة من إجمالي السكان وفقا لتقرير مركز بيو للأبحاث عام 2017.
“رب ضارة نافعة”
ويواجه نحو 56 مليون مسلم في أوروبا أعمالا عدائية تعرف باسم الإسلاموفوبيا، وحول أسباب تكرار هذه الجريمة، يقول المصري المقيم بالدنمارك محمد القمحاوي: “بكل بلد قلة ضالة وعنصرية مع أن الدول الإسكندنافية بعيدة عن الصراعات؛ ولكن بين حين وآخر تظهر الفئة الضالة بأفعال يستنكرها معظم السكان”.
وأشار القمحاوي في حديثه إلى أن “تلك الجرائم تأتي بمردود طيب وبعد كل حادثة يلتفت الناس للقضية ويقرأون عن الإسلام، ويدخل عدد ليس بقليل منهم بعد الاقتناع بالدين الحنيف وأنه عكس ما يعتقدون يدعو للسلام والعدل والمحبة”.
“لهذا يصمت العرب؟”
من جانبه قال الكاتب والباحث الإعلامي المقيم بكندا، سيد الجعفري إن “الصمت الرسمي العربي تجاه الجرائم التي يرتكبها المتطرفون والعنصريون بالعالم الغربي أمر ليس بجديد؛ فالحكومات العربية مشغولة بقضاياها الداخلية للسيطرة على شعوبها لتسهل قيادتهم والتحكم فيهم حفظا لكراسيهم”.
وأضاف بحديثه : “بل إن تلك الحكومات تعمل على تشويه بعض الحركات والشخصيات الإسلامية التي ترفض السير بفلكها، وتتطلّع لتطبيق تعاليم الإسلام بالحكم والحرية، مثلما يحدث بمصر والسعودية، كبرى الدول الإسلامية، حتى زاد الأمر عن حدّه وهاجم بعض حكام العرب الإسلام نفسه بحجة تجديد الخطاب الديني”.
وأشار الجعفري، لوصف عبدالفتاح السيسي المسلمين بالإرهاب، بأحد خطاباته، عندما استنكر أن “يقتل 1.6 مليار الدنيا كلها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكّنوا هم من العيش”.
وأكد أن “مشكلة هذا الصمت العربي الإسلامي أنه يغري العنصريين خصوصا بأوروبا التي تشهد مدا عنصريا كبيرا، ويزيد أزمة الإسلاموفوبيا بالغرب، التي يحرص الحكام العرب على تغذيتها لكي يستقيم لهم الحكم ببلادهم، وألا يسمع الغرب أصوات روّاد حركات الإصلاح بالعالم العربي وهم ينادون بقيم الحرية والعدالة والمساواة”.
وقال: “ولا ننسى هنا أن حكاما عربا يتحدثون عن خطورة الخطاب الإسلامي بلقاءاتهم العامة بهدف تشويه خصومهم من تيار الإسلام السياسي، فما بالنا بما تقوم به سفاراتهم بالخفاء لتخويف الحكومات والشعوب الغربية من ارتفاع وتيرة انتشار الإسلام بالعالم، وطلب مساعدتهم للتغلب على خصومهم من الإسلاميين”.
ولفت الباحث المصري إلى وجود “آلة إعلامية عربية موجّهة للداخل العربي، وآلة إعلامية غربية موجّهة لشعوبها يتحكّم فيها المال، وجزء منه للأسف يأتي من دول الخليج العربي”، مضيفا: “ولعل حادث نيوزيلندا الأخير الذي اقتحم فيه مسلّح مسجدا، وفتح النار على المصلين، نموذج صارخ لذلك”.
وقال إنه “وعلى المنوال نفسه، تنشغل الشعوب العربية بأزماتها الداخلية من معاناة بسبب غلاء الأسعار، والأزمات الاقتصادية الخانقة، والملاحقات الأمنية التي أصبحت سمة عامة بكثير من بلادنا العربية”.
ويرى الجعفري أن “الشعوب معذورة في ذلك؛ فعندما يلهث المواطن العربي خلف لقمة عيشه التي تكاد تكفي أسرته لا يمكن أن نلومه على التقصير بقضية لا تشغل له اهتمامه بفعل الدول وإعلامها”.
وتابع: “لكن المشكلة الأكبر أن الحركات والنخب الإسلامية، وكثير من أصحاب الأقلام الإصلاحية أصبحوا مشغولين بقضايا التحرّر الداخلي، حتى أصبح من الترف تجاوز هذه القضية إلى غيرها، وهو أمر صحيح لحد بعيد؛ فالأولى صناعة إنسان حرّ قبل أن تكلّفه بإبداء الرأي بقضية لا تمسّ قوت يومه”.
وأكد الصحفي المصري، أن “الدور الأكبر هنا على المؤسسات الإسلامية بالغرب لمواجهة الإسلاموفوبيا، وتقديم صورة جيدة عن الإسلام وتعاليمه القيمة”.
ويرى أنه “لا يمكن هنا التعويل على الموقف الرسمي التركي وحده؛ لأن تركيا مشغولة بالقضايا الإقليمية، وقد تتخذ حكومات أوروبية من خلافها السياسي مع أنقرة وسيلةً لإذكاء الإسلاموفوبيا ودفع العنصريين لديها لمهاجمة الإسلام ورموزه، بسبب التصاقه لديهم بالعنصر التركي منذ الفتوحات العثمانية لأوروبا”.