لماذا نعتقد ان السفيرة الامريكية في لبنان تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية وتستحق الطرد وليس الاستدعاء فقط؟
28 يونيو، 2020
السيدة دوروثي شيا السفيرة
الامريكية في لبنان تتعاطى مع معظم اللبنانيين، حكومة وشعبا، كما لو انهم اتباع او
عبيد لحكومتها، توجه لهم الأوامر، وتتدخل في شؤونهم الخاصة، والأخطر من ذلك انها
تحاول بث الفتن لتفريق صفوفهم، وتأليبهم ضد بعضهم البعض، ولهذا نعتقد ان استدعاءها
الاحتجاجي من قبل السيد نصيف حتي وزير الخارجية اللبناني كان اقل كثيرا من
المطلوب.
السفيرة الامريكية تجاوزت كل الأعراف الدبلوماسية عندما
ادلت قبل يومين بتصريحات تعرضت فيها بشكل مسيئ لحزب الله اللبناني الذي تضعه
دولتها على قائمة الإرهاب عندما اتهمته بأنه “دولة داخل دولة”، واستنزف الخزينة
اللبنانية وكلفها مليارات الدولارات التي ذهبت الى “جيبه” وليس الى خزينة الدولة،
و”حال الحزب دون اجراء إصلاحات اقتصادية تحتاجها البلاد”.
هذه اللغة الفوقية المتعالية التي استخدمتها السفيرة
الامريكية ما كانت ستقدم عليها لو انها كانت تدرك مسبقا ان رد الدولة اللبنانية
على مثل هذه التجاوزات سيكون اكثر صرامة، ولا يقتصر فقط على الاستدعاء الى مقر
وزارة الخارجية والاحتجاج على تصريحاتها الجارحة والمحرضة، ضد “حزب الله” الذي
يشكل مكونا رئيسيا في النسيجين السياسي والاجتماعي اللبناني، وتتمثل في الحكومة
والبرلمان معا، ولعب، ويلعب دورا أساسيا في استقرار لبنان ومنع انزلاقه الى حرب
أهلية دموية بكظم الغيظ، والترفع عن الهبوط الى مستوى بعض خصومه.
فلو كان “حزب الله” “إرهابيا” لما ترك السفارة الامريكية
ترسل طائرة لاختطاف مجرم قاتل مثل عامر الفاخوري الذي كان يمتثل امام القضاء
اللبناني بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ونقله الى قبرص، وهي الخطوة التي عرضت حزب الله
لانتقادات عديدة حتى من اقرب حلفائه في لبنان وخارجه، فقد كان من السهل عليه
التصدي لهذه الطائرة ومنع هبوطها في فناء السفارة، ولكنه آثر وأد الفتنة وتجنيب
لبنان الصدام.
ما لا تعرفه السفيرة الامريكية، او تعرفه، وتحاول تجاهله،
ان الحزب كان وما زال يضخ حوالي 150 مليون دولار في خزينة الدولة اللبنانية شهريا
كرواتب ونفقات تصل اليه كتبرعات او مساعدات من ايران والمواطنين اللبنانيين الذين
يعيشون في الخارج، ولم يكلف هذه الخزينة دولارا واحدا، والغالبية الساحقة من
اباطرة الفساد في لبنان الذين نهبو البلد وهرّبوا عشرات المليارات من أمواله الى
حساباتهم في الخارج هم خصومه السياسيين أصدقاء الولايات المتحدة الامريكية، ولا
نقول من عملائها تأدبا.
نعم نتفق مع السفيرة بأن الفساد هو الوباء الأكثر فتكا
بلبنان واقتصاده، ولكنه يتواضع امام التدخلات الامريكية في شؤونه الداخلية التي
تحمي الفاسدين وتنشر الفتنة الطائفية في صفوفه، واشعال فتيل الحرب الاهلية مجددا.
الخطيئة الكبرى التي ارتكبها “حزب الله” تتمثل في امتلاكه
أسباب القوة والإرادة التي مكنته وحلفاؤه من هزيمة دولة الاحتلال الإسرائيلي،
وتحرير الأراضي اللبنانية عام 2000 والتصدي لعدوانها عام 2006، وتحقيق الردع
الاستراتيجي معها، واحباط كل الضغوط الامريكية لترسيم الحدود البرية والبحرية
اللبنانية وفق الشروط الإسرائيلية، ونهب اكبر قدر ممكن من الثروة النفطية والغازية
اللبنانية في البحر المتوسط.
لا نعرف كيف سيرد “حزب الله” على هذه الاهانات،
والتطاولات، التي أقدمت عليها السفيرة الامريكية في حقه، ولكننا نعرف، وبحكم
معرفتنا لبنود معاهدة فيينا المتعلقة بتنظيم العمل الدبلوماسي ووضع قواعده، ان طرد
هذه السفيرة باعتبارها انتهكت هذه المعاهدة، هو اجراء الحد الأدنى الذي يجب ان
تتخذه الحكومة اللبنانية.
رحم الله تلك الأيام التي كان يرد فيها حزب الله على مثل
هذه التطاولات الامريكية بالطرق التي تستحق، ونكتفي بهذا القدر.