كاتب يروي قصة طرده من “الغارديان” بسبب نقده لـ”إسرائيل”
قالت مجلة “كرنت أفيرز” إنه من المعروف على نطاق واسع أن منتقدي إسرائيل، بغض النظر عن مدى قوة أسس الانتقاد، يعاقبون بشكل روتيني من قبل المؤسسات العامة والخاصة على خطابهم.
وأشارت المجلة، في تقرير إلى توثيق الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) نمطا يتم بموجبه “إسكات أولئك الذين يسعون إلى الاحتجاج أو المقاطعة أو انتقاد الحكومة الإسرائيلية بطريقة أخرى”، وهو اتجاه “يتجلى في حرم الجامعات، وفي عقود الولايات، وحتى في مشاريع قوانين لتغيير القانون الجنائي الفيدرالي”، و”يقمع كلام الناس من جانب واحد فقط من النقاش الإسرائيلي الفلسطيني”.
كما أظهر مركز الحقوق الدستورية أن “منظمات المناصرة لإسرائيل والجامعات والجهات الحكومية والمؤسسات الأخرى استهدفت الناشطين المؤيدين للفلسطينيين بعدد من التكتيكات، بما في ذلك إلغاء النشاطات، والشكاوى القانونية التي لا أساس لها، والإجراءات التأديبية الإدارية، والإقالات، والاتهامات الكاذبة والتحريضية بالإرهاب ومعاداة السامية، “ويخلص إلى أن هناك استثناء فلسطينيا لحرية التعبير”.
ولفتت إلى أنه أحيانا ما يتخذ الجهد لإسكات منتقدي إسرائيل على شكل إجراء حكومي صريح، فهناك حملة مفتوحة لتجريم الخطاب الذي ينتقد إسرائيل، بل إن بعض الولايات تطلب قسما من موظفي الحكومة يتعهدون فيه بعدم مقاطعة إسرائيل. لكن كما يشير الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي، في موقع “ميدل إيست آي”، فإنه غالبا ما يأتي في شكل اتهامات لا أساس لها بأن الانتقادات الموجهة لإسرائيل هي معاداة للسامية.
في أمريكا، ألغيت عروض عمل لأكاديميين ينتقدون إسرائيل، أو مُنعوا من التدريس، وطردت CNN الأكاديمي مارك لامونت هيل؛ بسبب دعوته إلى فلسطين حرة. وفي بريطانيا، هناك حملة سخيفة استمرت لسنوات لتشويه صورة زعيم حزب العمال السابق (ومنتقد سياسة الحكومة الإسرائيلية) جيريمي كوربين بأنه معاد للسامية.
كما أشارت هيومان رايتس ووتش إلى أن الحكومة الأمريكية توجه اتهامات لا أساس لها بمعاداة السامية لها ولمنظمات حقوق الإنسان الأخرى، مثل منظمة العفو الدولية وأوكسفام التي كشفت سجل إسرائيل السيئ في مجال حقوق الإنسان. وداخل إسرائيل نفسها، يتم قمع حقوق الفلسطينيين في حرية التعبير بوحشية، وحتى اليهود الذين يدعمون حقوق الفلسطينيين يتعرضون لمضايقات منتظمة من قبل الاحتلال.
وكتبت عبير النجار من موقع Open Democracy، العام الماضي، عن كيف يتم “جعل وسائل الإعلام الإخبارية الرئيسية والسائدة حساسة ضد أي إشارة إلى الحقوق الفلسطينية أو القانون الدولي، وأي انتقاد لإسرائيل أو سياساتها”.
الكاتب ناثان روبنسون، روى قصة طرده من صحيفة الغارديان؛ بسبب نقده لإسرائيل، وقال: “أنا أكتب للصحيفة منذ عام 2017، أولا كمساهم، ثم ككاتب عمود. أكتب بشكل حصري تقريبا عن السياسة الأمريكية. لم أكتب قط عن إسرائيل. لطالما كان محرري راضيا عن عملي، ولهذا السبب ظللت أتلقى التكليف بالكتابة. أنا جيد في طرح تعليقات سياسية حادة وجيدة المصادر بسرعة، وتحتاج إلى القليل من التحرير. لم يرفض لي مقال لأسباب تتعلق بالمحتوى إلا مرة واحدة، بحسب ما أتذكر، وهو ما حدث عندما انتقدت جو بايدن بسبب العلاقات التجارية الفاسدة لهنتر بايدن.
وتابع، في أواخر كانون الثاني/ ديسمبر، بأن الكونغرس كان يأذن بحزمة جديدة من أموال الإغاثة من فيروس كورونا. في الوقت نفسه، كان يوقع أيضا على 500 مليون دولار إضافية كمساعدات عسكرية لإسرائيل. ولطالما كانت إسرائيل واحدة من أكبر المتلقين للمساعدات العسكرية الأمريكية، ولم تتجاوزها أفغانستان إلا في السنوات القليلة الماضية (وإن لم يكن على أساس الدولار لكل فرد). وهي، وفقا لخدمة أبحاث الكونغرس، “أكبر متلق تراكمي للمساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية”، وتشكل المساعدات الأمريكية ما يقرب من 20% من ميزانية الدفاع الإسرائيلية.
كان من المحزن أن نرى أنه في الوقت نفسه الذي كان فيه الكونغرس يمنح الشعب الأمريكي القليل جدا من المساعدات الإغاثية من كوفيد، كان يمنح الجيش الأكثر تقدما من الناحية التكنولوجية على الأرض المزيد من صواريخ كروز.
وأضاف: “أنا شخصيا شعرت بالفزع والاكتئاب لرؤية تمويل جديد للصواريخ الإسرائيلية يتم تمريره في نفس الوقت الذي يبعث على الرثاء للإغاثة الصغيرة من كوفيد. إسرائيل قوة مسلحة، وتبسط هيمنتها شبه الكاملة على الفلسطينيين. لقد قدمنا لها بالفعل الكثير من المساعدات العسكرية التي لا تحتاجها. لماذا إذن وأثناء الوباء يوجه الكونغرس الأموال إلى أنظمة الصواريخ الجديدة؟”.
وقال الكاتب: “أنا نشط بشكل معتدل على تويتر، لذلك عبرت عن غضبي بتغريدة هزلية. وكتبت بسخرية تغريدتين مترابطتين. الأولى: “هل تعلم أن الكونغرس الأمريكي غير مسموح له فعليا بأن يأذن بأي إنفاق جديد ما لم يكن جزءا منه موجها لشراء أسلحة لإسرائيل؟ إنه القانون، والثانية: أو إن لم يكن القانون المكتوب فعليا، فهو متأصل جدا في العادات السياسية، بحيث لا يمكن تمييزه وظيفيا عن القانون”.
بالطبع، كانت التغريدة الأولى عبارة عن سخرية (وهو أمر شائع على تويتر)، ولكن للتأكد تماما من عدم تفكير أحد كان هذا نوعا من القانون الفعلي، قمت بإتباعها بتغريدة ثانية، لأفصح بوضوح أنني كنت أمزح، كانت هذه مزحة بنسبة 100%، فلا مجال لسوء تفسير هذه النكتة.
لا أقرأ ردودي على تويتر، لأنها دائما ما تكون مليئة بالسوء، ولا أحب الخوض في الجدل. لكن أحد الزملاء أخبرني أن بعض الناس يدعونني بـ”معاد للسامية”. ضحكت، لأنه من الواضح أن هذا كان سخيفا، وهو المثال الأكثر كاريكاتورية لإطلاق وصف التعصب على النقد المشروع. كنت أشير فقط إلى الحقيقة الدقيقة تماما، المتمثلة في أننا نقدم قدرا هائلا من المساعدات العسكرية لإسرائيل، وأننا نخصصها للحصول على دعم خاص، حتى أثناء الوباء. قالت نانسي بيلوسي ذات مرة إنه “إذا انهارت واشنطن العاصمة على الأرض، فإن آخر شيء سيبقى هو دعمنا لإسرائيل”، وأنا أصدقها.
وقال جو بايدن ذات مرة إنه لو لم تكن هناك إسرائيل، لـ”كان على أمريكا اختراع إسرائيل “لحماية مصالحنا. كما لاحظت خدمة أبحاث الكونغرس في تقرير، فإن أمريكا لديها التزام مباشر بعلاقة خاصة مع إسرائيل من شأنها أن تساعدها في الحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” على الدول الأخرى. من سياسة الحكومة الأمريكية الواضحة أن تحصل إسرائيل على أولوية الوصول إلى تكنولوجيا الأسلحة الأمريكية.
عندما تغرد، خاصة عن شيء مثير للجدل، يمكنك أن تتوقع أن يغضب بعض الناس، ويطلقوا عليك أوصافا، لم يكن لدي أي فكرة عن السرعة التي سأطرد بها.
في وقت لاحق من ذلك اليوم، تلقيت بريدا إلكترونيا من جون مولهولاند، رئيس تحرير صحيفة “الغارديان” الأمريكية. لم أتلق أي مراسلات منه من قبل، لأن معظم اتصالاتي في صحيفة الغارديان تتم مع المحرر الذي يتعامل مع عملي، كان بند الموضوع في الرسالة “خاص وسري”. وفيما يلي نصه:
ناثان،
مرحبا،
بما أنك تقدم نفسك جزئيا بأنك كاتب عمود في الغارديان، اسمح لي أن أعرب عن قلقي عندما تقوم بادعاء مثل هذا:
ليس هناك قانون كهذا، والحال كهذا، فإنه كما يقولون، أخبار مزيفة، وبغض النظر عن تغريدتك اللاحقة عندما تقول إنه “لا يمكن تمييزه عن القانون”، إنه ليس قانونا وانتهى الأمر.
اذا ما اعتبرنا الكلام المتهور العام الماضي -وقبله- عن كيف تقوم “جماعات/ تحالفات يهودية” أسطورية بممارسة كل النفوذ على كل مناحي الحياة العامة الأمريكية، ليس واضحا لدي كيف يمكن أن يخدم هذا الحوار العام، ولست متأكدا لماذا اختيار المساعدات المالية لإسرائيل في تغريدة تفتقر إلى أي سياق -ودون ذكر المساعدات التي تتلقاها أو تلقتها تاريخيا بلدان أخرى- يشكل إضافة مهمة للحوار العام.
أنت حر بالطبع لأن تستخدم تويتر بالشكل الذي تريده، ولكن يغضبني أن شخصا يقدم نفسه على أنه كاتب عمود في الغارديان أن يصرح تصريحا واضحا بأنه خطأ دون أي سياق/ تبرير، كما أرى.
جون مولهولاند
رئيس تحرير الغارديان أمريكا
القول بأن الدولة اليهودية الوحيدة تسيطر على أقوى دولة في العالم تعبير معاد للسامية بكل وضوح. إن أسطورة “النفوذ اليهودي” يشير إلى كراهية قاتلة. قم بحذف هذا واعتذر.
الآن، لا بد أن بعض الأشياء هنا صدمتك. أولا، حقيقة أن بند الموضوع “خاص وسري” يعني أنه لا يريد أن يعرف الآخرون ما يقوله لي. كان يفضل أن تظل كلماته سرية.
وقال الكاتب ما كان واضحا من البريد الإلكتروني هو أن مولهولاند كان غاضبا للغاية. كما قلت، التهمة سخيفة، لم أفرد إسرائيل، لكن السياسة الأمريكية فعلت، لقد أشرت فقط إلى أن هذا ما نقوم به، وأننا نقوم به عن قصد، لأننا نعتقد أن لإسرائيل استحقاقا خاصا “لميزة عسكرية نوعية” لا يتمتع بها جيرانها. لكنني سرعان ما رأيت أن وظيفتي قد تكون في خطر. لذلك حذفت التغريدة، وأجبت على مولهولاند، معتذرا عن فعل أي شيء يمكن أن يفسر على أنه مساس بنزاهة الصحيفة.
فأنا بحاجة إلى الدخل، وبينما كان الأمر محبطا للغاية بالنسبة لي أن أجعل الغارديان تراقب تغريداتي، شعرت على مضض أنه سيتعين علي قبول الحدود الجديدة التي كنت أتوقع أن تُفرض على خطابي العام. وكنت أعلم أن الرقابة ستكون مشددة، لكنها بدت حتمية، وكنت آمل أن تكون محدودة. التوظيف يعني أن أرباب العمل يمارسون سلطات قسرية على خطاب الموظفين، حتى خارج الوظيفة، وعلي أن أدفع إيجار سكني مثل أي شخص آخر.
وتابع: “رد مولهولاند علي، مشيرا إلى أنه يقدر اعتذاري وقال إن الحادث يمكن أن يترك وراءنا. وأرسل لي المحرر رسالة نصية ليطلب مني معلومات حول التغريدات، مشيرا إلى أن صحيفة الغارديان كانت مستاءة، لكنه قال لي “لا تقلق”. لقد اعتبرتها تعني أنه طالما بقيت صامتا بشأن إسرائيل على تويتر، فإن الغارديان ستستمر في نشر أعمدتي حول مواضيع أخرى. من المؤكد أنه حل وسط رديء وبالنظر إلى الوراء ربما لم يكن يجب أن أفكر فيه.
ورأى أنه من الصعب تبرير التزام الصمت بشأن الدعم العسكري الأمريكي لدولة تنتهك حقوق الإنسان لمجرد أن المرء يحتاج إلى راتب، لكن الكتاب الذين يعتمدون على الكتابة للحصول على الدخل يواجهون خيارات صعبة عندما يخبرهم رئيسهم عن الآراء المسموح لهم بالتعبير عنها علنا. ومع ذلك، في وقتها، بقيت متأملا أن يكون هناك طريقة لمواصلة الكتابة، وقلت لنفسي إنني سأبذل قصارى جهدي للتعبير عن رأيي بصدق دون التعرض لانتقادات تحريرية، رغم أنني كنت قلقا بشأن ما قد يترتب على ذلك.
ولكن بعد ذلك حدث شيء غريب. خلال الأسابيع القليلة التالية، أصبح محرري غير مستجيب بشكل مثير. لقد أرسلت النص بعد الآخر لأعمدة جديدة، ولم يكن هناك رد. أو أحصل على وعد بأنهم سيتحدثون معي قريبا، دون تنفيذ للوعد. كان الأمر غير مألوف للغاية، لأنه في العام الماضي، اتصل بي المحرر بانتظام ليطلب مادة عمود جديد. فجأة، كان هناك صمت غريب.
وأشار إلى أن تلقى مكالمة من المحرر الخاص. “وأخبروني أنهم أرادوا نشر أعمدتي، لكن الأمر مع مولهولاند جعل الأمر مستحيلا في الوقت الحالي، وأنهم بحاجة إلى التحدث معه لتصحيح الأمور. حاولت مرة أخرى أن أستوعب الأمر، فقلت إنني أعرف أنه سيكون هناك إرشادات جديدة يجب أن ألتزم بها، وأنني مستعد لأن أجلس مع مولهولاند لإجراء محادثة لمناقشة توقعاته.
كان من الواضح أنني خضعت للرقابة بشكل صريح؛ بسبب نشر تغريدة تنتقد إسرائيل. أوضح المحرر الخاص بي أنه لولا التغريدة لكانوا قد قبلوا مقالاتي. كان تأكيد مولهولاند أن كتاب الغارديان “أحرار” للتعبير عن آرائهم زائفا بشكل واضح. أنت حر، لكن إذا انتقدت إسرائيل، فإن مقالاتك تذهب في سلة المهملات. اعترف المحرر الخاص بي بكل ذلك بشكل مباشر، بقوله إن رفض مقالاتي كان نتيجة مباشرة للتغريدة.
لكن اتضح أنه لن يتم تجاهلي مؤقتا فقط. في يوم الثلاثاء، اتصل بي المحرر، وأخبرني أنه بعد محادثة مع مولهولاند، تقرر إلغاء مقالتي تماما. سألت إذا كان من الممكن بالنسبة لي التحدث مع مولهولاند والتوصل إلى حل ما. قال المحرر الخاص بي إن ذلك غير ممكن، وأنه قد أشار إلى أن الصحيفة لن تعمل معي في المستقبل أيضا، مما يعني أنه لا ينبغي لي أن أزعج نفسي بإرسال مقالات مقترحة مستقلة بين الحين والآخر.
أن تُطرد من وظيفتك أمر مزعج، خاصة عندما يحدث دون سابق إنذار في منتصف جائحة، عندما يكون من الصعب العثور على عمل. لم أكسب ذاك القدر من المال من عملي في الصحف ، لكن الكتابة السياسية اليسارية ليست مربحة، وكنت بحاجة إلى هذا المال. كان علي أن أكون مستعدا لقبول بعض الرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بي من قبل الغارديان في محاولة يائسة للحفاظ على وظيفتي.
لكن لا توجد سياسة “ثلاثة أخطاء” عندما يتعلق الأمر بانتقاد إسرائيل، بغض النظر عن مدى تبرير هذا النقد، وبغض النظر عن بُعده عن معاداة السامية الفعلية. لا يهم أنني حذفت كلماتي بسرعة. إن تجاوزت الخط، انتهيت. هذا ليس بسبب بعض المؤامرات الواسعة، ولكن بسبب السياسة التي يتم من خلالها اعتبار حليف لأمريكا فوق النقد وغالبا ما تُستثنى السعودية من النقد أيضا.
وقال إنه من الواضح أن صحيفة الغارديان لا تريد أن يعرف أحد أنها ستراقب منشورات كتّابها على مواقع التواصل الاجتماعي بخصوص إسرائيل. ولم يكن مولهولاند يريدني أن أخبر أحدا بما يقوله لي. أراد التأكيد على أنني كنت حر تماما في قول ما أريد. لم يعطني أحد تعليمات توجهني لما يمكنني ومالا يمكنني قوله، لأن مثل هذه المجموعة من المبادئ التوجيهية ستكون إقرارا صريحا بأن الكتاب ليسوا أحرارا، ولا أن عليهم اتباع خط معين بشأن إسرائيل، وأن يقولوا فقط ما تمت الموافقة عليه تحريريا.
لقد طلبت تحديدا إرشادات بشأن ما يمكنني قوله وما لا يمكنني قوله، ولكن بينما تمتلك صحيفة الغارديان دليل تحريري داخلي للتصميم والأسلوب، إلا أنه ليس لديها دليل رسمي لقواعد الخطاب فقط قواعد غير مكتوبة.
لطالما كنت أنتقد أولئك الذين يرسمون صورة لليسار كمجموعة من الناشطين الشموليين الذين يؤمنون بـ “ثقافة الإلغاء” ويحاولون خنق حرية التعبير. هذه الصورة تعكسها بالضبط. الرجعيون والمتطرفون يحصلون على مكبرات صوت ضخمة بشكل عام. من ناحية أخرى، يعمل ناشطو المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) تحت تهديد الملاحقة الجنائية. أنا مؤيد بشدة لحرية التعبير، لأسباب مبدئية وعملية على حد سواء، لكنني انتقدت بعض الخطاب “المؤيد لحرية التعبير” الذي يعامل اليساريين على أنهم التهديد الأساسي، ولا يذكر كيف يمكن لنقاد إسرائيل أن يُطردوا بسبب تعبيرهم.
ولكن لتكن صحيفة الغارديان صادقة بشأن ما تفعله والمواقف الأيديولوجية التي تطلبها من كتابها. دع مشتركي وقراء الغارديان يفهموا أنه إذا خرج كتاب الأعمدة في الصحيفة عن الخط، فسيتم طردهم، مما يعني أن القراء لا يستمعون بالضرورة إلى الآراء التي قد يسمعونها لو لم تمارس الصحيفة سيطرة نشطة على خطاب كتاب الأعمدة.
أخبرني المحرر في وقت من الأوقات أن الصحيفة تعتبر خطاب كتاب الأعمدة على وسائل التواصل الاجتماعي إشكالية مستمرة وتحاول إيجاد طريقة للتعامل معها. أفترض أن هذا أمر صعب حقا، لأن الغارديان تريد الاحتفاظ بالحق في طرد الأشخاص إذا قالوا شيئا خاطئا، مع الحفاظ أيضا على التظاهر بأنهم لا يفعلون مثل هذا الشيء، والحفاظ على الانضباط على رسائل البريد الإلكتروني “الخاصة والسرية” بدلا من وضعها في دليل مكتوب.
لقد لاحظت أن الكثير من الأشخاص المؤيدين ظاهريا لحرية التعبير لا يقولون الكثير عندما يواجه منتقدو إسرائيل عواقب مهنية. وتبقى قصتي تافهة نسبيا، ويجب أن يظل التركيز على الفلسطينيين الذين ذبحوا وشوهوا بسبب العدوان العسكري الإسرائيلي (حياة هؤلاء الفلسطينيين لا تعني شيئا على الإطلاق لأولئك الذين يعبرون عن غضبهم من تغريدتي أكثر من الاستخدامات الفعلية لأنظمة الأسلحة التي نشتريها لإسرائيل). المشكلة الحقيقية في فرض الرقابة على منتقدي إسرائيل هي أنه يسهل على حكومة ذلك البلد الاستمرار في قتل المتظاهرين والحفاظ على الحصار الذي تقول الأمم المتحدة إنه “ينكر حقوق الإنسان الأساسية بما يتعارض مع القانون الدولي ويرقى إلى العقاب الجماعي”.
وقال إنه في عام 2018، أطلق قناصة إسرائيليون النار على مئات الفلسطينيين، بمن فيهم أطفال ومسعفون، في احتجاجات مسيرة العودة الكبرى وفقا لميدل إيست مونيتور، “في يوم واحد فقط، 14 أيار/ مايو، أطلق الجيش الإسرائيلي النار وقتل سبعة أطفال” وأصاب أكثر من 1000 متظاهر بالذخيرة الحية – لكن إسرائيل لم تخضع أبدا للمساءلة وواصلت ،أمريكا تزويدها بالأسلحة.
وختم الكاتب بالقول: “آمل، مع ذلك، أن نرى بالضبط كيف يتم قمع منتقدي إسرائيل. أنت تقول الشيء الخطأ فتفقد مركزك. لا توجد فرصة ثانية، سيتم وصفك بمعاداة السامية، وتختفي وظيفتك بين عشية وضحاها. هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار إسرائيل في ارتكاب جرائم مروعة. إن التحدث بصدق وصراحة عن الحقائق قد يؤدي إلى فرض رقابة سريعة. وتستمر انتهاكات حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب. وعندما يستهدف القناصة الإسرائيليون الأطفال الفلسطينيين، فإن الغارديان متواطئة”.