قيود جديدة على النشر في مصر.. ماذا تبقى للإعلام كي يتناوله؟
فرض المجلس الأعلى للإعلام (حكومي) قيودا على النشر في أربعة موضوعات مصيرية بالنسبة للمصريين، اعتبرها متعلقة بالأمن القومي المصري.
وطالب المجلس الصحف ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في مصر بالالتزام بالبيانات الرسمية، في القضايا المتعلقة بالأمن القومي مثل انتشار “فيروس كورونا”، والصراع في الجارة الغربية “ليبيا”، وأزمة المياه ومفاوضات “سد النهضة” الإثيوبي، وأحداث “شمال سيناء”.
وحذر المجلس من أنه سيتخذ الإجراءات التي كفلها له القانون ضد المخالفين وضد أي محاولة للعبث بمقدرات الأمة بتوقيع أقصى العقوبات والإحالة للنائب العام.
وفي نهاية أيار/ مايو الماضي، حظر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الحديث ببعض الموضوعات منها المواد التي تدعو لمخالفة الدستور والقانون، والإخلال بأمن البلاد، وتمس سمعة وكرامة مواطني مصر ومؤسساتها، والتي تتعرض للأديان والمذاهب الدينية تعرضا من شأنه تكدير السلم العام.
تلك القيود وسابقاتها تأتي بالرغم من سيطرة النظام العسكري الحاكم على الصحافة والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ومعظم قنوات ووسائل التعبير عن الرأي عبر مجموعة من القوانين وأساليب الرقابة والسيطرة المالية والتوجيه الأمني، وحجب الصحف والمواقع المعارضة واعتقال المعارضين والصحفيين.
وأقر قانون “الصحافة والإعلام” الذي وافق عليه البرلمان المصري عام 2018، أحد عشر عقوبة لمخالفة أحكام القانون بينها “غرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على نصف مليون جنيه”.
وتفتح القيود الجديدة بابا للتساؤل حول ما تبقى للصحافة والإعلام من موضوعات غير محظور تداولها والنشر فيها ولا تقود الصحفيين للحبس والاعتقال الذي طال قبل أيام 3 صحفيين بينهم المعارض محمد منير.
“محاولة لتقنين الاعتقال”
وفي رؤيتها قالت الكاتبة الصحفية مي عزام: “لا يحق للمجلس الأعلى للإعلام وضع ضوابط على وسائل التواصل الاجتماعي، فهو ليس جهة اختصاص، ولكن اختصاصه يقتصر على وسائل الإعلام التي تتخذ شكلا مؤسسيا بغض النظر عن حجم هذه الوسيلة”.
عزام أضافت بحديثها أن “هذه الوسائل لو كانت صحفية يتحكم المجلس بها بما له من صفة فيها؛ فيمكن حجبها وإصدار غرامات حال مخالفتها من وجهة نظر الأعلى للإعلام لشروط العمل الإعلامي بمصر”.
وتابعت: “كما يمكن القبض على أي إعلامي يخالف شروط الأعلى للإعلام المتغيرة وتكون هذه تهمته؛ أما في حال وسائل التواصل فهل يستطيع المجلس حجب (فيسبوك) و(تويتر) وغيرها من منصات عالمية؟ أم أنه سيقوم باختراق الحسابات الشخصية للأفراد؟”.
وتعقد الكاتبة المصرية أن “قرار الأعلى للإعلام تحصيل حاصل”، مشيرة إلى أنه “بالفعل يتم الآن اعتقال أفراد بسبب ما يكتبونه على صفحاتهم الشخصية، ولكن الجهات الأمنية المنوط بها ذلك تريد أن تغسل يديها وتجعل الوضع وكأنه قانوني أو له غطاء قانوني، بعد أن زاد الانتقاد خارج مصر”.
وأوضحت أن “تصدر الأعلى للإعلام المشهد لهو دليل على أن هناك من يحاول أن يجعل جهة ما تتحمل المسؤولية بدل الطرف الثالث الخفي”.
وعن العقاب المنتظر حال مخالفة تلك القرارات حسب قانون الصحافة والإعلام، قالت عزام: “لا يعلمه إلا الله؛ فهناك من يخالف لوائح وقوانين الإعلام ويتم القبض عليه ثم يترك بعد ساعات بكفالة بسيطة وهناك من يظل رهن الحبس الاحتياطي سنة، أقل أو أكثر”.
وختمت بالقول: “في مصر كل حالة لها حكم مختلف، ولا أحد يستطيع التنبؤ، وهذا شيء محير جدا، ويبتعد كثيرا عن منطق الأمور”.
“هذا ما تبقى لصحفيي مصر”
وفي تعليقه قال الكاتب الصحفي سيد أمين: “لم يتبق شيء للصحفي لكي يتحدث فيه بحرية سوى شؤون المطبخ والطبيخ، وأن يردد فقط موقف الدولة دون نقصان أو زيادة”.
أمين أضاف بحديثه “: “إنهم يريدون تحويل الصحفيين جميعا لأبواق غصبا عن إرادتهم، وإلغاء الرأي الآخر وملكة التفكير تماما، ويسمحون للاختلاف بموضوع واحد وحيد وهو التقريح في الدين الإسلامي والتراث الإسلامي والعربي”.
ويعتقد أن “إلغاء الأصوات الأخرى لا يصب لصالح النظام لأنه يعطي انطباعا عاما بوجود خلل لا يستقيم مع طبيعة الدول، وهو وجود حكومة ومعارضة، ولا يمكن أن يكون الجميع حكومة ويتبنون رأيها فهذا غير منطقي”.
وفي توقعه للعقاب المنتظر حال مخالفة تلك القرارات قال أمين: “بالقطع سيستخدم قانون الصحافة والإعلام لعقاب معارضة الداخل بعقوبات مالية كبيرة، ويتم زيادة تكميم الأفواه المكممة من خلاله”.
“إخفاء الفشل”
صحفيون ونشطاء ومعارضون رأوا أن أن تلك الخطوة تعد تهديدا رسميا من السلطة المصرية لكل من يكتب حرفا في الصحافة والإعلام ومواقع التواصل مغايرا لوجهة النظر الرسمية للسلطة فإن العقاب مصيره، حسب قول الناشطة والأكاديمية الدكتور ليلى سويف عبر “فيسبوك”.
وقال البرلماني السابق محمد الفقي: “للأسف الشديد مصر في خطر، وهم يريدون إخفاء الفشل”.
وقال الأكاديمي الدكتور عصام عبدالشافي إن “حظر النشر بملفات سيناء وليبيا وكورونا وسد النهضة يعني اعتراف بالفشل في إدارة هذه الملفات”.
وتساءل الصحفي سيد صابر: “كصحفيين وكتاب ماذا نكتب؟ مجيبا بتهكم: “نكتب في فن تربية الكتاكيت، وآليات وطرق الأرانب في التكاثر، وشرح أيهما أفضل للمعيز البرسيم أم الذرة العويجة”.