قروض ومنح سرية لمصر تعويضاً عن سد النهضة

كشفت مصادر حكومية مصرية بمجلس الوزراء ووزارة الري عن اتفاقات وشيكة بين رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي والقيادة الصينية، ومع الاتحاد الأوروبي ودول أخرى، كل على حدة، على مجموعة من القروض والمنح “التي سيظل قسم كبير منها سرياً غير معلن”، سيتم تخصيصها لمشروعات رفع كفاءة شبكة الري ومياه الشرب وتحسين استفادة مصر من كميات المياه الواردة إليها وتنقيتها وجلب نظم حديثة لتحسين الجودة والتحلية والمعالجة، بقيمة إجمالية ستفوق 350 مليار جنيه مصري (2.2 مليار دولار). وتمثل هذه القيمة النسبة الأكبر من مبلغ إجمالي قدره 430 مليار جنيه (2.7 مليار دولار) لتنفيذ جميع المشروعات الخاصة بهذا المجال خلال 10 سنوات، على أن يتم تمويل 50 ملياراً (314 مليون دولار) أخرى من النسبة الباقية من المساعدات والقروض الإماراتية والسعودية. ويبقى حوالي 30 مليار جنيه (189 مليون دولار) سيتم تمويلها عن طريق طرح بعض المشروعات ذات العائد من تلك الحزمة، لدخول القطاع الخاص مع الشركات التابعة للقوات المسلحة. وأبدت مصادر سياسية واقتصادية حكومية أخرى، خشيتها من التأثيرات السلبية لهذه القروض، التي توقعت المصادر نفسها، ألا تقلّ نسبتها عن 70 في المائة من المساعدات المتوقعة. وهو ما يحمّل الاقتصاد المصري الذي يشهد أصلاً معضلات كبرى، مشاكل جديدة، يمكن أن تدفع به إلى مآلات غير مسبوقة، تهدده بمخاطر تقترب من حافة “الخطر الذي لا يمكن علاجه”، خلال عقود.
الصين كانت الدولة الأكثر تجاوباً مع الاتصالات المصرية
وذكرت المصادر لـ”العربي الجديد”، أنه في الأسبوعين الماضيين اللذين تعطلت فيهما بشكل مؤقت المفاوضات الفنية والقانونية حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، فتحت السلطات المصرية عبر المخابرات العامة ووزارتي الخارجية والتعاون الدولي قنوات اتصال مع الأطراف الرئيسية المراقبة لمسار المفاوضات، مثل الولايات المتحدة والصين والبنك الدولي وفرنسا وألمانيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي. وعبرت مصر عن رغبتها في دعم جهودها لتلافي التضرر من إنشاء سد النهضة، طالما استمر تقاعس المجتمع الدولي إزاء إنتاج مخرجات ناجحة وحاسمة وملزمة من مسار التفاوض. وأضافت المصادر أن الصين كانت الدولة الأكثر تجاوباً مع الاتصالات المصرية في هذا السياق، استكمالاً للاتصالات التي أجريت بين الطرفين نهاية الشهر الماضي لاستكشاف ما يمكن لبكين تقديمه لحلحلة الأزمة، بالضغط على الجانب الإثيوبي أو بتقديم مساعدات “كبيرة” لمصر لمساعدتها على تلافي الأضرار المتوقعة بما لها من خبرات طويلة في التعامل مع قضايا الأنهار. وركزت هذه الاتصالات على العرض الذي سبق أن قدمته لتقريب وجهات النظر منتصف الشهر الماضي، والذي سبق ووصفته مصادر لـ”العربي الجديد” بـ “محاولة لتحسين العلاقات وتلافي اهتزاز الثقة بين الجانبين، بعد إعاقة الصين طرح مشروع القرار المصري المدعوم أميركياً، لإلزام إثيوبيا باستئناف المفاوضات ومنع الملء الأول المنفرد للسد”.
وأوضحت المصادر أن تفضيل الصين جاء بسبب القلق الذي يسيطر على السيسي من استدعاء بعض القوى الأوروبية كوسطاء لحلحلة المفاوضات وتقديم المساعدات، وذلك لعدم إبداء تلك القوى تعاطفاً تجاه مصر من قبل وطرحها حلولاً يراها تمثل خرقاً للسيادة المصرية وتفتح الباب لممارسة ضغوط عليها لتغيير أولويات إنفاقها المحلي. ومن هذه الحلول، اقتراح التكفل بإدارة نظام لرفع كفاءة إدارة المياه مقابل قبول خطة ملء وتشغيل أكثر مرونة لصالح إثيوبيا، فضلاً عن الرقابة الأوروبية الصارمة لأموال المنح والقروض المقدمة منها، على عكس الصين. لكن هذه الاعتبارات لم تمنع السيسي من فتح قنوات اتصال أيضاً مع القوى الأوروبية، لتأمين مزيد من المساعدات لنفس الأغراض، مع الضغط على مسألة ضرورة الحفاظ على مصر كشريك تنموي وسياسي واقتصادي مهم للأوروبيين، وعدم ملاءمة تركها فريسة لأضرار قد تغير الملامح الجيو استراتيجية للمنطقة بالكامل، بسبب تحكم إثيوبيا في المياه. وفي الوقت نفسه؛ نفى اثنان من مصادر “العربي الجديد” أن تكون النقاشات على تلك الحزمة من المشروعات والمساعدات الموجهة لها قد طغت على مطالبة مصر بالتوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً، لكن مصدرين آخرين بوزارة الري اعتبرا الأمر “يحمل تأثيراً أكيداً على جدية التفاوض لتحقيق آمال مصر كاملة من الاتفاق”. وشككوا في جدية المفاوضات الحالية بسبب قابلية أديس أبابا للانقلاب على نقاط التوافق السابقة في أي لحظة لإهدار الوقت قبل التشغيل الأول للسد في فبراير/شباط المقبل.
رفضت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي، التعليق على إعلان الإمارات التطبيع مع إسرائيل، مشددة على أن ذلك “أمر داخلي يهمها”، رغم أنها لم تفوت سابقاً فرصة للتدخل في الشأن الليبي والتهجم على دول عربية وإسلامية شقيقة وصديقة.
واعتبرت موسي، في برنامج” متابعات”، على القناة الوطنية الأولى (التلفزيون الرسمي)، أن إعلان الإمارات “أمور داخلية.. بالنسبة لنا ولسياستنا الخارجية وثوابت الدبلوماسية التونسية؛ فإننا لا نتدخل.. هذا شأن داخلي”.
وحول التناقض في موقفها بين رفض التعليق على إعلان التطبيع والتنديد بـ”التدخل التركي في ليبيا”، ردت موسي بالتشديد على أن “هناك فرقا بين الأمرين، وعلى أن لليبيا حدودا مع تونس، وعلى أن ما يحدث فيها يؤثر على الأمن القومي التونسي”.
وهاجمت موسي رئاسة البرلمان التونسي بسبب بيان التنديد بإعلان الإمارات تطبيعها مع إسرائيل، معللة ذلك بأنها “ترفض أي بيان صادر عما يسمى بمؤسسة رئاسة البرلمان التونسي”، التي قالت إنه “لا وجود لها في القانون الداخلي”، بحسب تعبيرها.
وانتقد متابعون موقف موسي من إعلان دولة الإمارات تطبيعها مع إسرائيل، وتناقض مواقفها في ما يتعلق بالشأن الداخلي للدول، خصوصا بالعودة إلى اللائحة التي أرادت بها جر البرلمان لإعلان موقف رافض للتدخل الخارجي في ليبيا، بغاية استهداف دول شقيقة في حسابات إقليمية.
واعتبر رئيس كتلة حركة النهضة، نور الدين البحيري، في تدوينة على صفحته الرسمية في “فيسبوك”، بعنوان “التطبيع خيانة”، أنه “لم يفاجئه شجب عبير موسي لمواقف الأحزاب والمنظمات والمؤسسات التي دانت إعلان حاكم الإمارات التطبيع مع الكيان الصهيوني، بدعوى أن ذلك القرار شأن إماراتي داخلي”.
وببّن البحيري أنه “بهذا الموقف أكدت عبير مرة أخرى أن الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس آخر ما يهمّها”.
وشدد البحيري على أن” عبير أثبتت بموقفها مما أتاه حاكم الإمارات منفردا، في خرق صريح للقرارات العربية والاسلامية والدولية، أن كل القيم والمواثيق لا تزن أكثر من جناح بعوضة عندها، وأن كل ما يهمها وأغلى أمانيها انتهاز الفرصة لتقديم كل آيات الولاء والطاعة لسيدها الحاكم بأمره في الإمارات، ورد الجميل له عما أنفقه وينفقه دعما ومساندة لها وتدخلا في شؤون تونس ودول المنطقة استهدافا للانتقال الديمقراطي وللثورة”.
https://www.facebook.com/v2.6/plugins/post.php?app_id=1486573318285171&channel=https%3A%2F%2Fstaticxx.facebook.com%2Fx%2Fconnect%2Fxd_arbiter%2F%3Fversion%3D46%23cb%3Df4a9b18869f774%26domain%3Dwww.alaraby.co.uk%26origin%3Dhttps%253A%252F%252Fwww.alaraby.co.uk%252Ff1aa0a69545212e%26relation%3Dparent.parent&container_width=611&href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2FMr.Noureddine.Bhiri%2Fposts%2F3529902140407578&locale=en_US&sdk=joey&show_text=true&width= وفي تحليله لموقف موسي، اعتبر المستشار السابق للرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، والمدير الأسبق لمعهد الدراسات الاستراتيجية طارق الكحلاوي، أنه “اختبار في الاستقلاية فشلت فيه موسي كما هو متوقع، وهو لا يكشف نفاقها فحسب، بل يكشف أيضا رعاتها ومموليها؛ نعم هناك مؤامرة عبرية إسرائيلية على العرب، وهي تلك التي تستهدف حقهم في الحرية والديمقراطية… الإمارات طابور خامس في هذه المؤامرة وموسي طابور سادس خلف الإمارات!”.
وندد مدونون بموقف موسي عبر مواقع التواصل الاجتماعي وانتقدوا بشدة تناقضها، وانحيازها للمحور المطبع مع إسرائيل ما يكشف عن ارتباطاتها الخارجية وولاءاتها لدول على حساب القضايا العادلة التي يناصرها التونسيون.
وعلق المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في حديثه لـ”العربي الجديد”، قائلًا إن الشأن الفلسطيني “كان دوما وسيبقى شأنا تونسيا؛ فكلما اهتز ركن في فلسطين اهتز له التونسيون وتحركوا”.
وأكد المحلل أنه “لا حياد مع القضية الفلسطينية العادلة، وموقف موسي من الإمارات ترجم بوضوح علاقاتها بهذا البلد”، مشددا على أن “الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الذي تنسب فكرها له وتستمد منه مرجعيتها، كان منحازا لفلسطين على مر التاريخ منذ احتضان القيادة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي جميع خطاباته ومواقفه الشهيرة”.
واستغرب المتحدث أن تكون تونس في معزل عما يحدث في فلسطين، “وكأن المسألة ليست أمنا قوميا تونسيا”، مذكّرا بمجزرة حمام الشط عندما أغارت طائرات صهيونية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس مخلفة 68 شهيدا وأكثر من 100 جريح.
وقال المؤدب “مرت 35 سنة على انتهاك إسرائيل سيادة تونس وحدودها، في حمام الشط، ودماء الشهداء لم تنضب بعد، وما زالت انتهاكاتها في تونس متواصلة؛ وآخرها تورط الموساد في اغتيال المهندس محمد الزواري، وقبله صلاح خلف وهايل عبد الحميد وأبو محمد العمري وخليل الوزير، الذين استشهدوا جميعا على أرض تونس”.
وكانت موسي اتهمت مرارا بدفاعها عن الإمارات وسياساتها، وخصوصا مشروعها الرامي لضرب التجربة التونسية عبر بث التوتر فيها، وتعطيل مؤسسة البرلمان، قلب الديمقراطية التونسية.
وكانت الرئاسة التونسية أكّدت، أمس الأربعاء، في أول تعليق رسمي على الخطوة الإماراتية، أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، جدد التأكيد على موقف تونس الثابت من الحق الفلسطيني، وثقته في أن الشعب الفلسطيني سيسترد حقوقه المشروعة، وأن “هذا الحق ليس صفقة ولا بضاعة أو مجرد سهم في سوق تتقاذفها الأهواء والمصالح”.