فورين بوليسي: التعامل مع السعودية كدولة “طبيعية” يقتضي تغيرا في لعبتها الدبلوماسية ووقفا لغض النظر الأمريكي

لندن- نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لكارين يانغ، الباحثة المقيمة في معهد أمريكا انتربرايز قالت فيه إن السعودية تسعى لأن تكون دولة طبيعية في المنطقة، ولكن الوصول إلى هذا يحتاج من إدارة جوزيف بايدن الحالية إعادة ضبط العلاقة، ومن السعودية تغيير في لعبتها الدبلوماسية.
وبدأت يانغ مقالتها بالقول: “حان الوقت لإعادة ضبط العلاقات الأمريكية- السعودية. وكان الرئيس جوزيف بايدن واضحا في التعبير عن نيته: يجب وقف “إذن ما يطلق عليه “بطاقة المرور الحرة” التي منحتها إدارة دونالد ترامب للقيادة السعودية الضالة والقوية، وأديرت العلاقة ولوقت طويل بعيدا عن نظر الرأي العام بشكل أدى لتآكل معاييرها”. وكما قال بايدن عام 2019 عندما سئل عن الكيفية التي سيتعامل فيها مع العلاقات: “سأكون واضحا من أننا لن نبيع مزيدا من الأسلحة إليهم، وفي الحقيقة سنجعلهم يدفعون الثمن ونجعلهم في الحقيقة منبوذين كما هم”.
وبدا أن إدارة بايدن أوفت في هذا الأسبوع بالوعد عندما علقت مبيعات السلاح للسعودية والإمارات بانتظار مراجعة الصفقات. وتعلق الكاتبة أننا نشاهد وأخيرا “وضوحا وتدقيقا في العلاقات الثنائية”.
ومن المفارقة أن التطبيع هو ما ترغب به السعودية، فهي تريد مكانا على المسرح العالمي كما في عام 2020 عندما استضافت قمة دول العشرين فيما تهدف سياستها الخارجية شرعية وطبيعية واحتراما وجذب الإستثمارات الأجنبية والسياحة. ويجب على بايدن منحها بالضبط ما تريد- معاملتها مثل بقية الدولة بمسؤوليات ورقابة من الخارج لأفعالها في الداخل والخارج.
وسيكون هذا صعبا في ضوء اقتراب العودة إلى الإتفاقية النووية أو خطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران. فسياسة ناجحة مع إيران تحتاج إلى علاقات ثنائية وظيفية وتعاونية مع السعودية. ولكن التحدي أولا، هو الإعتراف بدور الولايات المتحدة في استيعاب وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان السعودية في الداخل والخارج ومن ثم إنشاء إطار للتعاون مع البلد الذي يظل مهما للولايات المتحدة مع أن التركيز ينحرف عن الطاقة الإحفورية إلى مكان آخر. كما أن إقناع أعضاء الكونغرس والمواطنين الأمريكيين أن علاقة ثنائية صحية مع السعودية تصب في مصلحة الولايات المتحدة، سيكون دفعة لإدارة بايدن لو أرادت تحقيق أجندة سياستها المحدودة في الشرق الأوسط.
ولعقود تعاملت الولايات المتحدة مع السعودية كحالة خاصة، حيث بررت سياساتها التعسفية في الداخل في وقت حاولت فيه الحفاظ على الشراكة القائمة على أمن النفط. وفي الفترة الأخيرة أسهمت الولايات المتحدة بتسليح واحد من أفضل الجيوش عدة وسلاحا والأسوأ أداء في العالم، كما أثبت حملة الغارات الجوية العقيمة على اليمن. وبدأت في 2015 أثناء إدارة أوباما حيث قدمت الولايات المتحدة الدعم للعمليات العسكرية في اليمن بشكل حولته إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم، ولا تزال القنابل المصنعة في أمريكا تسقط على المدنيين اليمنيين. وفي ظل إدارة ترامب أصبحت العلاقة ذات الطبيعة الشخصية أكثر ترسخا.
واستفاد السعوديون منها واختاروا من يريدون محاورته متجاوزين الطرق الدبلوماسية المعروفة أو وزارة الخارجية مفضلين الحديث مباشرة مع صهر الرئيس جاريد كوشنر أو ترامب نفسه. وهو ما أدى إلى تراجع التعامل الدبلوماسي والتخلي بالجملة عن المبادئ الأمريكية بشأن قتل صحافيين وهز مؤسسة رجال الأعمال في السعودية واختطاف رئيس وزراء. وعليه يجب وقف الطرق القديمة في إغماض العين عما تفعله السعودية. ومع أن ترامب زاد من تدهور الوضع إلا أن هذه الأشكال سابقة عليه.
وفي الوقت الذي كانت فيه العلاقات الأمريكية- السعودية تتراجع شهدت المملكة منذ 2015 تغيرات من ناحية الحد من سلطة رجال الدين وفتح المجال أمام المرأة وفتح الحدود للزيارة والإستثمار وما إلى ذلك.
وتريد السعودية أن تكون مركز القوة الإقتصادية في الشرق الأوسط والتأثير في السياسة الخارجية، ويمكنها عمل هذا بسبب الحجم والأرصدة والجيش وقدرتها على التدخل في الإقتصاد السياسي للسودان ومصر وإثيوبيا وباكستان. ثم هناك النفط الذي ستظل السعودية تنتجه حتى يتوقف العالم عن الحاجة إليه. كما وعززت دول الخليج علاقاتها مع الصين مما يعني أن إدارة بايدن تحتاج للبدء في معالجة مشكلتها مع بيجين أو ما تنظر إليها كأولوية أمن قومي من الشرق الأوسط والسعودية تحديدا.
ومع أن إدارة بايدن وضعت أهدافا محدودة للشرق الأوسط في الفترة الأولى من حكمها إلا أن المنطقة لديها طرق تلفت الإنتباه إليها، وبخاصة التعافي الإقتصادي من وباء كورونا وسيكون الشرق الأوسط في خطر من التحديات التي تنتظره مثل زيادة مستويات الدين السيادي والمعوقات البنيوية لخلق فرص عمل في القطاع الخاص وشبكات الحماية الإجتماعية المثقلة وغير القادرة على الوفاء بمطالب القطاع العام علاوة على توفير العناية الصحية ومساعدة الفقراء. وكلها وصفة للإضطرابات الإجتماعية والتنافس السياسي المستمر منذ الربيع العربي.
كما واقترحت إدارة بايدن إعادة التوزان في التعامل الدبلوماسي مع المنطقة، كرد فعل على تحركات كوشنر الهاوي. وربما كان هذا الموقف رد فعل مفرط، ذلك أن إدارة ترامب حققت بعض النجاحات مثل التطبيع بين دول عربية وإسرائيل، كما أن إدارة بايدن تعهدت بالعودة للإتفاقية النووية التي خرج منها ترامب في 2018 لن يكون بمثابة عودة إلى 2015 بل يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الوجود الإيراني في سوريا واليمن وغيرها وتطور الصواريخ الباليستية. وحتى لو كانت العودة للإتفاقية النووية ضمن أهداف محددة، فعلى إدارة بايدن التعاون مع دول المنطقة خاصة السعودية والإمارات.
ويقتضي التعامل مع السعودية كدولة طبيعية والإعتراف بها بقوة إقليمية ذات تأثير ومصالح أن تحسن من لعبتها الدبلوماسية. وعليها أن تظهر الشفافية فيما تقوم به من عمليات عسكرية في اليمن ومحاسبة وتفتح منفذا إلى الإجراءات القضائية في الداخل. ولو أرادت السعودية أن تتميز عن إيران وتقدم نفسها كشريك لمواجهة النشاطات الإيرانية الخبيثة بالمنطقة، فعليها السماح بالتدقيق في مزاعم الإرهاب الموجهة ضد أبنائها.