فتيات غير مُحتشمات ومشروبات كحوليّة وتدخين.. فيلم فرنسي متُهمٌ بتشويه الحراك الجزائري وحرف أهدافه السياسيّة إلى جنسيّة.. “الجزائر حبيبتي” عمل وثائقي يُثير حفيظة الجزائريين وبختم القناة الفرنسيّة الخامسة

فيما يبدو يُمارس الإعلام الفرنسي سطوته الإعلاميّة التضليليّة، بعد الحقبة الاستعماريّة الفرنسيّة الطويلة للجزائر، والتي كان قد أنهاها أجداد الجزائريين الحاليين بنضالهم، لتعود إليهم القناة الخامسة الفرنسيّة، بفيلمٍ وثائقي، يتناول حراكهم، والذي كان قد نجح في إنهاء فترة حكم الرئيس عبد العزيز بو تفليقة.
الفيلم أثار حفيظة الجزائريين، كون أهداف صانعه، تدور في فلك كما بدا من مشاهده المُتداولة، مُحاولة في تنميط شكل الحراك، وأخذه إلى مناطق التسفيه، والانحلال، وإسقاطه على بعض الأنماط السلوكيّة في أوساط الشباب، الذين قدّمهم الفيلم الوثائقي بباحثين عن الحريّات الجنسيّة، والمشروبات، والانفتاح.
العمل الذي حمل اسم “الجزائر حبيبتي”، وهو بتوقيع الصحفي مصطفى كسوس، حيث أظهرت مشاهد فيلمه، الشباب الجزائري يتناول الكحول، وإبراز ما وصفه نشطاء بالكبت الجنسي، هذا عدا عن إظهار الفتيات الجزائريات بلباس انفتاحي، غير محتشم في بعضه، كما وإظهارهن بمشاهد التدخين، والثورة لأجل الحريّات الجنسيّة، وهو ما لم ينل رضا المنصّات الجزائريّة المُعترضة على العمل الذي برأيهم يُشوّه “ثورتهم” التي حملت أهدافاً نبيلة.
ومُنطلق الاعتراض الأساسي لدى النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، أنّ العمل أغفل الأسباب الحقيقيّة لانطلاق الحراك السلمي، وهي أسباب سياسيّة نجحت في منع ترشّح الرئيس عبد العزيز بو تفليقة لولايةٍ خامسةٍ، وما نتج عنه من استدعاء لرموز الحُكم إلى القضاء، حيث العمل يقرأ حراك الشباب بطريقة ملتوية، ومما يُثير حفيظة الشباب بالأكثر أنه معروض على شاشةٍ فرنسيّةٍ.
ودشّن النشطاء الجزائريّون، وسماً “هاشتاق” تحت عنوان “روبورتاج قناة france5″، للتعبير عن رفضهم للعمل، وما جاء فيه من قراءةٍ حملت إسقاطات جنسيّة، على حراكٍ سياسيٍّ، كان جُل همّه صناعة التغيير، والتطلّع للمُستقبل.
عبد الرزاق مقري، رئيس حركة “مجتمع السلم”، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، قال إنّه “حين تابع وثائقي القناة الفرنسية الخامسة، تأكد أنّ عبيد فرنسا في الجزائر تعلّموا الكذب من سيّدتهم (فرنسا)”.
وأضاف مقري، في تغريدة عبر “تويتر”، الأربعاء: “عندهم شريحة قليلة جدا تصدقهم يشحنونها بالدجل والسيناريوهات الخيالية”.
واعتبر أنّ “الحل مع هؤلاء هو الديمقراطية الحق حتى يظهر حجمهم أمام العالم (..) ولتبرز المكونات الحقيقية للحراك الشعبي”.
وفي تدوينة عبر “فيسبوك”، قال الإعلامي الجزائري حفيظ دراجي، إنّ “الحراك يزعج فرنسا وإعلامها يقويه أكثر، ريبورتاج (تقرير) فرانس 5 التافه سيوحد الجزائريين أكثر، ويزيدهم إصرارا على التمسك بحراكهم وثوابتهم وقيمهم”.
وأضاف دراجي: “هذا الريبورتاج سيقوي الحراك ويجعله أكثر تماسكا، ليثبت بأنه ثورة حقيقية ضد بقايا فرنسا”.
بدوره، قال الصحفي الجزائري جعفر خلوفي، إنّ “الوثائقي فيه علل كثيرة أولاً؛ من حق الصحفي أن يستجوب من يشاء، لكن من واجبه تقديم صورة شاملة عن الجزائر بتنويع الآراء والمتدخلين وعدم استنساخهم”.
وأضاف خلوفي، عبر “فيسبوك”، أنّ “كل القصص يجب أن تُحكى، لكن من غير المقبول أن يعرض صحفي وثائقيا حول الحراك دون صوت شباب الملاعب، ودون حديث عن المعتقلين”.
ووفق المتحدث، فإن “النظرة الفرنسية للتابوهات (المحرمات بالمعنى الاجتماعي) في الجزائر طغت على قرابة 20 دقيقة أو أكثر من العمل”.
وأشار خلوفي إلى أنّ “المشكل ليس في تناول الكبت الجنسي، بل يكمن في تحويل مُعضلة سياسية بالدرجة الأولى، إلى شهادات مكرّرة وأحيانا مقحمة عنوة عن الواقع الجنسي للشباب”.
من جانبها، استنكرت الناشطة ريم حسيبة، ما بثته القناة الفرنسية، معلقة بالقول: “حين تسقط فرانس 5 إلى أدنى مستوى”.
ورأت في منشور عبر “فيسبوك”، أنّ “القناة أظهرت فن التلاعب والكذب عبر وثائقي يسيء للجزائر، مستواه رديء ينّم عن انعدام المهنية”.
وتابعت بقولها: “فيلم زائف يثبت أن النظام الفرنسي يحمل كراهية تاريخية وعميقة ضد الجزائر التي طردتها في 1962″، في إشارة إلى تاريخ استقلال الجزائر.
** الحراك رفض التبعية لفرنسا
من جهتها، رأت الإعلامية الجزائرية إيمان عويمر، التي غطت الحراك منذ بدايته، أنّ ما بثته القناة الفرنسية “لا يعكس إطلاقا الحراك الجزائري”.
وقالت عويمر، في حديث للأناضول، إنّ “الحراك الشعبي أبهر العالم بسلميته وتحضره وسقف مطالبه في التغيير وبناء دولة الحق والقانون”.