فانيتي فير: كتاب عن ابن سلمان يكشف اختطافه أميرا من باريس
نشرت مجلة “فانيتي فير” مقالا عن كتاب جديد سيصدر عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعنوان “الدم والنفط: البحث القاسي لمحمد بن سلمان عن القوة العالمية”. ومؤلفا الكتاب هما برادلي هوب وجاستين شيك.
وفي ثنايا الكتاب، وصف الكاتبان عملية اختطاف الأمير سلطان بن تركي من باريس، وقالا إن الطائرة التي استقلها من باريس إلى القاهرة كانت مثيرة للشك، طاقم الطائرة كان فيه 19 شخصا أكثر من العدد العادي وكلهم من الرجال وبدون أي مضيفة، وزاد من شك حاشية الأمير عدم تقديم معلومات عن الرحلة مما دفع بحرس الأمير سلطان إلى تحذيره من “مصيدة”. ولكن الأمير سلطان كان متعبا وافتقد والده الذي كان ينتظره في القاهرة.
وأرسل له الأمير محمد بن سلمان طائرة خاصة لمقابلة والده، فسلطان بن تركي هو حفيد مؤسس الدولة السعودية، الملك عبد العزيز بن سعود. وكان والده تركي الثاني نظرا لوجود ولد آخر لعبد العزيز بنفس الاسم مرشحا للعرش لولا أنه تزوج من ابنة شيخ صوفي معروف، وهو ما دفعه للعيش بالمنفى نظرا لاعتبار العائلة الصوفية حركة منحرفة.
ويعيش الوالد في فندق بالقاهرة ولسنوات طويلة. وحافظ سلطان على علاقات مع أفراد العائلة في السعودية وتزوج في عام 1990 من ابنة الأمير عبد الله الذي أصبح ملكا، لكنها توفيت في حادث سيارة، وقرر الأمير البالغ من العمر 22 عاما العيش متحررا من القيود. واستخدم المخصصات المالية له من عمه الملك فهد لكي يتجول في أوروبا بحاشيته المكونة من الحرس وعارضات الأزياء والمرافقين.
وكان الملك العجوز متسامحا بل ويحب الحياة العالية للأمراء ويحب ابن أخيه. وظهر هذا عندما خرج من المستشفى في جنيف بعد عملية جراحية في عينه عام 2002، حيث كان سلطان يدفع الكرسي المتحرك، وهو شرف لم يحصل عليه أي أمير. ولم يكن لسلطان منصب رسمي في الحكومة ولكنه كان مؤثرا وتحدث مع الصحافيين الأجانب حول آرائه في السياسة السعودية.
وفي كانون الثاني/يناير 2003 خرج عن السياق عندما دعا الحكومة السعودية إلى التوقف عن دعم رئيس وزراء لبنان لأنه يستخدم المال السعودي لدعم حياته الباذخة. ولم يكن لتصريح مثل هذا ليترك صدى في المجتمع الدولي، ولم يكن سلطان الأمير الوحيد الذي اتهم رفيق الحريري بالفساد. لكن تصريحات من هذا القبيل سقطت مثل القنبلة الحارقة داخل العائلة، خاصة نجل الملك فهد المؤثر عبد العزيز الذي غضب من تصريحات سلطان.
وكانت عائلة الحريري على علاقة قوية معه. وبعد أشهر أرسل سلطان بيانا بالفاكس إلى وكالة أسوشيتد برس أعلن فيه عن لجنة لاقتلاع جذور الفساد بين الأمراء وغيرهم ممن “ينهبون ثروة البلد خلال الـ 25 عاما الماضية”.
وبعد شهر أرسل عبد العزيز دعوة إلى سلطان ليقابله في قصر الملك فهد بجنيف لمحاولة حل المشاكل. وحاول عبد العزيز دفع سلطان للعودة إلى المملكة لكنه رفض. وتم حقنه بمخدر وجره إلى طائرة نقلته إلى الرياض. كان وزن سلطان 182 كيلوغرام وربما أدى جره بأطرافه أو المخدر إلى تأثر أعصاب رجليه والحجاب الحاجز. وقضى الـ 11 عاما التالية داخل وخارج السجن وأحيانا محبوسا في مستشفى حكومي بالرياض.
وفي عام 2014 أصيب بأنفلونزا الخنازير قادته إلى تهديد حياته. ولأنه كان شبه مشلول ولم يعد يمثل تهديدا على العائلة سمح له بالسفر لتلقي العلاج في ماساشوستس بأمريكا، ويعني هذا أنه أصبح حرا.
خلال فترة مرضه وسجنه جرت تغيرات واسعة داخل العائلة المالكة، وأصبح الملك عبدالله ملكا، أي والد زوجته المتوفاة. ولكن هذا لم يكن يتسامح مع الإسراف والثروة المفرطة وقطع الأعطيات عن الأمراء وعاقب الذين أساؤوا السلوك وبذروا.
لكن سلطان لم يفهم التغير الأكبر في العائلة بعد وفاة الملك عبدالله ووصول الملك سلمان المتقشف إلى الحكم. وبدلا من تخفيف ظهوره قام بإجراء عملية شفط الدهون وجراحة تجميلية وأعاد تجميع حاشيته التي لم يرها منذ عقد.
ومع عودة المجموعة بدأ الأمير سلطان يتحرك في أوروبا مثل أمير سعودي في التسعينات من القرن الماضي. وكان حرسه يتكون من رجال مسلحين وست ممرضات متفرعات وصديقات استأجرهن من شركة عارضات سويسرية. وكان سلطان ينفق ملايين الدولارات في الشهر، فمن أوسلو إلى برلين وجنيف وباريس كانت قافلة الأمير تأكل أفضل الطعام وتتناول أحسن الخمور.
وبعد قضاء أيام في مدينة كان سلطان يأمر خدمه بتحضير حقائبه ويتصل مع السفارة السعودية لتأمين حماية له ويقفز في طائرة مستأجرة إلى مدينة ثانية. وفي منتصف 2015 استأجر سلطان فندقا فارها في أحسن موقع بجزيرة سردينيا. وظل الديوان الملكي يرسل مخصصاته إليه. ولكنه شعر أن الأموال قد تتوقف في أي لحظة، ولهذا طور خطة وهي مطالبة الحكومة السعودية بتعويضات عن الإصابة التي تعرض لها أثناء عملية الاختطاف عام 2003.
ورفضت الحكومة دعم مشاريع إنشاء شركة أو استثمار كبقية الأمراء. وناشد الأمير محمد بن سلمان مساعدته، بعدما علم أنه أصبح أقوى أمير في العائلة، لكنه لم يتلق ردا. وعندها قرر في صيف 2015 تقديم دعوى ضد العائلة بتهمة الاختطاف. لكن المقربين منه حذروه، وقال محاميه في بوسطن، كلايد بيرغسترسر: “لقد اختطفوك مرة، فهل هذا يمنعهم من اختطافك مرة ثانية”.
ولكن سلطان لم يستمع لتحذير محاميه كما يستمع عادة لنصائحه وقدم الدعوى حيث بدأ محقق سويسري التحقيق في القضية. وعندما وصل الخبر إلى الصحف قطع الديوان الملكي مخصصاته. ولم تعرف حاشية الأمير بالمشكلة إلا بعد أسابيع، وعندما طلب يوما خدمة في فندقه بسردينيا، رفض المطعم إيصال الخدمة إليه. وعندها أخبره واحد من حاشيته “أنت مفلس”. وكان الفندق يستطيع إخراج الأمير وحاشيته لكنه سيخسر في هذه الحالة مليون دولار. وأكد سلطان لإدارة الفندق أنه سيدفعها. ووافق على فتح حسابه وتقديم الخدمات إليه.
وحاول سلطان التفوق على محمد بن سلمان. ففي نظام الولاية السعودية لو كان الملك عاجزا فيمكن لأشقائه عزله من السلطة. ولهذا أرسل رسالتين من مجهول إلى أعمامه. وقال إن أخاهما الملك سلمان عاجز وبدون قوة ودمية في يد الأمير محمد.
وقال: “لم يعد هناك سر أن المشكلة الأخطر في صحته هو الجانب العقلي الذي جعل الملك تحت سيطرة ابنه محمد”. وقال سلطان إن محمد فاسد وحول ملياري دولار من أموال الحكومة لحسابه الخاص. وأضاف أن الحل الوحيد هو عزل الملك و”عقد اجتماع طارئ لأعضاء العائلة البارزين ومناقشة الوضع واتخاذ كل الإجراءات لحماية البلد”.
وسربت الرسالتان لصحيفة “الغارديان” ومع أنهما ليستا موقعتين إلا أن المسؤولين السعوديين تعرفوا على الكاتب. وانتظر سلطان تحركا من أعمامه أو محاولة لإسكاته من ابن عمه ومنحة حياة حرة مثل والده. ويبدو أن الخطة نجحت، فبعد نشر الرسالتين ظهر مليونا دولار في حسابه، دفع نصفها للفندق وجدد في النصف الثاني خططه للترحال.
وفوق كل هذا تلقى دعوة من والده في القاهرة حيث أرسل الديوان الملكي طائرة خاصة من أجل نقله إلى هناك. ودهش مساعدوه فقد كانوا شهودا على عملية اختطافه الأولى التي قادت إلى سجنه. وتساءلوا كيف يمكنه الثقة وركوب نفس الطائرة؟ لكن سلطان كان واثقا على يبدو من المصالحة مع ابن عمه.
وأرسل الديوان الملكي طائرة بوينغ 737-800 تستطيع استيعاب 189 راكبا. وأرسل سلطان طاقمه لمقابلة طاقم الطائرة. وبدا طاقم الطائرة مثل رجال أمن لا مضيفين. وقال له عضو في فريقه: “هذه الطائرة لن تذهب إلى القاهرة” و”يجب ألا تثق بهم” و”لماذا تثق بهم؟”.
ولكن كابتن الطائرة خفف من المخاوف عندما عرض ترك 10 من الطاقم في باريس حتى يؤكد أن الرحلة عادية وليست اختطافا. وأمر خدمه بالتحضير للسفر، ممرضاته والعارضات ورجال أمنه حيث زاد عددهم عن العشرين. وأقلعت الطائرة بدون مشاكل من باريس. وظل اتجاه الرحلة إلى القاهرة على الشاشة لمدة ساعتين ثم بعدها أطفئت.
وسأل أحد أعضاء حاشية سلطان الكابتن سعود وعاد بإجابة أن هناك عطلا فنيا. وسيقوم المهندس بإصلاحه.
ومع بدء الطائرة بالهبوط علم الجميع أنها ستهبط في الرياض وليس في القاهرة، فلم يشاهدوا نهر النيل يتلوى مثل الثعبان ولا الأهرامات. وحاول فريق سلطان معرفة ما سيحدث لهم بعد دخولهم السعودية بدون تأشيرات. وفي صوت ضعيف قال سلطان لواحد من حرسه “أعطيني البندقية” فرفض لأن حراس الطائرة مسلحون أيضا.
ولهذا جلس سلطان صامتا حتى هبطت الطائرة. ولم يكن هناك أي مجال للقتال عندما قام الرجال بجر الأمير في ممر الطائرة، ولم يره أحد منذ ذلك الوقت.
تم نقل حاشية الأمير، إلى نقطة التجمع في المطار ثم إلى فندق. وظلوا ثلاثة أيام بدون السماح لهم بالخروج أو الاتصال. وفي اليوم الرابع نقلوا إلى مكتب حكومي وأدخلوا واحدا بعد الآخر إلى غرفة اجتماعات كان يجلس على رأسها كابتن الطائرة، وهذه المرة بالثوب السعودي. وقال: “أنا سعود القحطاني وأعمل في الديوان الملكي”.
وكان القحطاني يعرف سابقا بـ “سيد هاشتاغ” نظرا لهجومه على نقاد النظام، ولكن باختطاف الأمير سلطان أصبح شخصية مهمة في الجهاز الأمني سيعتمد عليه الأمير محمد بن سلمان في مهام أخرى. وطلب القحطاني من كل شخص التوقيع على تعهد بعدم الحديث وعرض مالا على البعض وأرسلهم من حيث أتوا.