سوريا والطاغية
ياسين نجار
اتسمت العلاقة بين تركيا و”هيئة تحرير الشام” على مدار السنوات السابقة بالتبادل المصلحي والتقارب الأيديولوجي، ففيما وجدت “تحرير الشام” في تركيا داعما وغطاء محليا من الناحية العسكرية ومنافحا أيديولوجيا وسياسيا إقليميا ودوليا، وجدت تركيا في الهيئة قوة عسكرية مدربة ومنظمة ومهيكلة يمكن الاعتماد عليها في منطقة إدلب
تبدو
خيارات تركيا و”هيئة تحرير الشام” صعبة بدرجة كبيرة: تركيا غير قادرة
على التراجع بفعل الضغوط الروسية المستمرة، و الهيئة غير قادرة على التراجع وخسارة
نفوذ صنعته منذ ثمان سنوات.
وأمام هذا الوضع، لن
يكون أمام تركيا سوى اعتماد الضغوط الاقتصادية والاستخباراتية مع قليل من العمل
العسكري، ويبدو أن الروس بدأوا يميلون إلى هذا التكتيك، خوفا من عملية عسكرية
مباشرة ضد التنظيمات الإرهابية قد تدفع قادتها للهروب نحو مناطق أخرى داخل سوريا
أو خارجها، لا سيما نحو المناطق المحيطة بروسيا
بالمقابل كثورة سورية تدرك تماما أنها لا يمكن لها إلا أن تعيش في فضائها المنسجم مع حريتها وكرامتها وعزتها، ولا بدّ لها أن تتعاون مع القوى الجادّة في إسقاط الطاغية وتخليص السوريين من ليل طويل ألمّ بهم، ولكن هذه القوى بالطبع لن تكون القوى الاحتلالية جزءا منها، فالاحتلال عليه أن يدفع ثمن احتلاله، وليس مكافأته.
الانقلاب الذي حصل على الطاغية إن كان الانقلاب الداخلي بسبب الخلافات العائلية بين مخلوف والأسد، أو الانقلاب الخارجي الذي نلمسه من خلال التسريبات الروسية المعارضة له، أو الحصار الاقتصادي الأمريكي القاتل للنظام، وقرب تطبيق قانون قيصر بعد أسابيع من الآن مما يجعل الليرة السورية ثمن طباعتها أعلى من قيمتها التداولية، كل هذا كان مردّه وأساسه وجوهره إصرار السوريين على نيل حريتهم مهما كانت التضحيات، ولو كانت على شكل مقابر جماعية، أو براميل متفجرة، وقصف وإبادة، أو مخيمات لا تقي بردا ولا حرا، فكانت فضيحة عالمية بامتياز، فضيحة للأمم المتحدة التي صمتت صمت القبور عن كل هذه المجازر، دون أن تحرك ساكنا، فكانت وظيفتها «الشاهد اللي ما شافشي حاجة»، وهي التي تسارع اليوم لدعوة الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، بينما صمتت عن هذا السلاح الذي قتل السوريين لعقد كامل تقريبا.
انتفاضة مدينة طرابلس التي ينظر إليها السوريون على أنها أقرب إلى المدن السورية، بقدر ما تشكل فرحة لديهم ضد نظام هو امتداد لنظام حكمهم في سوريا، بقدر ما تشكل أيضاً مخاوف وهواجس من أن يتم الاستفراد بها، والتضحية بها على غرار مجزرة حماة في سوريا عام 1982م، وما يجري للمدن السورية اليوم، وحتى على غرار ما حلّ بطرابلس في الثمانينيات على يد نظام الوصاية البعثي، غير أن ما أُطلق عليه ثورة الجياع، وهي تسمية مؤلمة لقلب كل عربي، قد شملت لبنان كله، مما أدى إلى تراجع وانحسار هواجس السوريين من إمكانية الاستفراد هذه.
.