الغارديان: يبحث الناس عن أخبار سارّة.. لكن الوباء بدأ للتو
الغارديان: يبحث الناس عن أخبار سارّة.. لكن الوباء بدأ للتو
نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالا لـ”ويليام هاناج”، أستاذ التطور ووبائية الأمراض المعدية في جامعة هارفارد، اعتبر فيه أن الحديث عن تجاوز ذروة انتشار فيروس كورونا المستجد “يمكن أن يكون مضللا”.
وحذر “هاناج” من أن الجائحة العالمية قد تكون لها “عدة قمم”، ملقيا الضوء على الفرق بين حالتي ووهان الصينية وإيطاليا، قبل الحديث عن خطورة المشهد في بريطانيا.
لم تصلنا مؤخرا الكثير من الأخبار السارة، ولكن مع نبأ خروج بوريس جونسون من المستشفى يوم الأحد، والتصريحات التي تتحدث عن تجاوز ذروة الضغط على خدمة الصحة الوطنية خلال فترة أعياد الفصح، فإنه قد يتشكل لديك انطباع بأن العاصفة في طريقها إلى الانحسار، وبأن وباء “كوفيد-19” سيصبح قريبا مجرد ذكرى.
يعزز هذا الانطباع ما يرد من تقارير حول دراسات أجريت على المجتمعات التي ضربها الوباء. فأخيرا بدأنا نرى نتائج الأبحاث التي تشخص الإصابة من خلال رصد أجسام مضادة لفيروس “سارس كوف-2” الذي يسبب “كوفيد-19”.
تشير بعض هذه البيانات بقوة إلى أن كثيرا من حالات الإصابة بالعدوى تمر دون أن تلاحظ، وأن المصابين لا تظهر عليهم سوى أعراض بسيطة مثل فقدان القدرة على الشم والذوق، وأنه نتيجة لذلك قد يصبح عدد الناس المحصنين أكبر مما كنا نظن، ومن المؤكد أن هذا مؤشر على أن المجتمعات البشرية حول العالم يمكنها أن تتنفس الصعداء وتبدأ بالعودة إلى العمل.
للأسف ليس الأمر كذلك بتاتا.
فالحديث عن الذروة يمكن أن يكون مضللا، لأنه ليس واضحا ما إذا كنت تتكلم عن جبل “ماترهورن” أم عن جبل “تايبل ماونتين” – فكلاهما له ذروة، إلا أن ذروة أحدهما أبرز بكثير من الأخرى.
وفي بلدان مثل إيطاليا (على النقيض من ووهان) لم يتبخر سريعا الفوران الأولي للوباء، وهناك العديد من الأسباب لذلك، ولكن أهمها على الإطلاق هو تأثير التباعد الاجتماعي الذي تحقق في الصين بينما كان صعبا تحقيقه في الأماكن الأخرى، ومرجع ذلك في الأغلب تلك الحريات التي نعتز بها في الديمقراطيات الليبرالية.
والأسوأ من ذلك أنه قد تكون لدينا سلسلة من القمم. بمعنى آخر، قد يمثل ما يحدث الآن بالضبط ذروة واحدة – ولكن ليس “الذروة”. والسبب في ذلك هو أنه على الرغم من جميع المؤشرات الإيجابية من فحوصات الأجسام المضادة، إلا أن الغالبية العظمى من الناس غير محصنين.
وأورد مقال نشر في الدورية الطبية البريطانية بيانات من الصين تفيد بأن ما يصل إلى أربع من كل خمس حالات عدوى بفيروس “سارس كوف 2” قد تكون بلا أعراض. ثم يمضي المقال لينقل عن أشخاص في مركز البرهان الطبي في أكسفورد (CEBM) قولهم إنه إذا كان ذلك صحيحا “فما الذي نبحث عنه بحق الجحيم؟”.
أتمنى لو كانت لدى هؤلاء الناس الشجاعة لكي يذهبوا ويكرروا الإفصاح عن ذلك الرأي الآن حالا في قسم الطوارئ بحي “برونكس” بمدينة نيويورك، حيث يمارس الطب الفعلي. إن القلق بشأن المعدل الحقيقي للعدوى التي لا تصاحبها أعراض، أو فترة الحصانة غير المعروفة حاليا، واحتمالية حدوث “موجة ثانية”، يشبه الإشادة بأداء موسيقي داخل ناد للجاز والتلفظ بكلمة “جميل” بينما يتعرض المبنى من حولك للهدم ويفقد عازف البيانو رأسه بترا.
تم التعرف في بريطانيا على ما يزيد عن 93 ألف إصابة، ولنكمل هذا العدد ولنقل إن عدد الإصابات وصل إلى 100 ألف، فإذا كانت الأرقام التي أوردتها الدورية الطبية البريطانية دقيقة، فإن الرقم الحقيقي هو خمسة أضعاف ذلك، أي أن حالات الإصابة الحقيقية في بريطانيا هي نصف مليون إصابة، وإذا كانت تلك هي الذروة، وما زلنا نرى العديد من الحالات صعودا وهبوطا، فإن المجموع سيصل إلى مليون إصابة بالعدوى منذ الفورة الأولى التي حصلت في بريطانيا، على أمل أن يكون جميعهم قد تحصنوا بذلك.
لكن ذلك يعني أن ما يقرب من 65 مليون نسمة داخل بريطانيا سيبقون بلا حصانة.
سأحاول أن أكون متفائلا فوق العادة هنا، وأفترض أن كل من أصيب بوباء كوفيد-19 قد أصبح محصنا تماما (وهذه ليست مسلمة) وأن الفيروس يتجه نحو الطرف الأقل قابلية للانتشار في سلسلة التقديرات المتاحة حاليا. سوف نحتاج في هذه الحالة لأن يكون نصف عدد السكان قد أصيب بالعدوى حتى يتحقق مستوى الحصانة المجتمعي الذي سيضع حدا لاستمرار الوباء في النمو وفي إجهاد أنظمة العناية الصحية.
وبينما أنا منهمك في كتابة هذه المقالة، أوردت التقارير الإخبارية أن عدد الوفيات في بريطانيا قد تجاوز عشرة آلاف شخص. ونظرا لوقائع جميع البيانات في الأوضاع الطارئة لأي مرض معد، فمن المحتمل أن يكون هذا الرقم أقل من الواقع. ومرة ثانية، لو افترضنا أن تلك هي الذروة وأن هنالك رقما مشابها للوفيات في طريق النزول، فهذا يعني ما مجموعه 20 ألفا منذ الفورة الأولى. ولكن لكي تصل إلى الحصانة المجتمعية فإن عليك أن تضرب ذلك بما لا يقل عن 30 ضعفا، أي 600 ألف وفاة على الأقل لنتمكن من الوصول إلى تلك النقطة.
حتى في أفضل السيناريوهات، ما يزال بعيد المنال التوصل إلى لقاح ينهي الأزمة بشكل كامل، ولكن ليس من العسير، في الوقت ذاته، التعرف على العديد من السبل التي تمكننا من إبطاء معدل انتشار الوباء وإنقاذ الأرواح.
ومن هذه السبل إجراء اختبارات محسنة تمكننا من التعرف على الحالات وعلى المخالطين لها، وهو ما يمكن أن يعزز من خلال الأساليب الرقمية الذكية للتعرف على الأشخاص المهددين.
وتجرب الحكومات حول العالم أساليب مختلفة للحفاظ على الوظائف وإبقاء المؤسسات مفتوحة أثناء تطبيق إجراءات الإغلاق، وما من شك في أن ذلك سيشكل عبئا كبيرا على الاقتصاد. ولكن وفاة الآلاف من الناس أيضا يشكل عبئا على الاقتصاد، وليس ممكنا ببساطة حماية الاقتصاد بشكل تام من آثار وباء من هذا النوع.
لا أنفك حيث أعيش في كامبريدج ماساشوسيتس عن سماع صفارات الإنذار. لم تقترب هذه الأزمة من نهايتها بعد، بل على العكس، لقد بدأ الوباء للتو.