العلماء على وشك معرفة سر “التخدير العام” الذي اكتشف منذ 170 عاما
لأكثر من 100عام، وضعت المستشفيات مرضاها تحت تأثير التخدير العام لإجراء العمليات الجراحية والروتينية، واليوم يتم استخدام التخدير العام في جميع أنحاء العالم آلاف المرات كل يوم.
ومع أننا نعلم أن التخدير العام يعبث بوعينا، إلا أن الآلية الفعلية وراءه كانت
غير معروفة عندما تم اكتشافه لأول مره، وما زال العلماء لا يملكون تفسيرا كاملا
لما يحدث.
وقال بول مايلز، الباحث في التخدير في جامعة موناش لموقع “ScienceAlert“:
“كان هذا لغزا كبيرا منذ زمن”.
ولكن ذلك لم يمنع العلماء من التوصل إلى فرضيات خلال الـ 170 سنة الماضية. حيث إنه
من غير المعقول عدم فهم ما يحدث على مستوى بيولوجي أعمق، خاصة بالنظر إلى التجارب
المؤلمة لبعض المرضى الذين استيقظوا أثناء إجراء العملية الجراحية.
وفي عام 1847، اقترح باحثان فكرة ” نظرية الدهون”، التي تشير إلى أن
التخدير يؤثر على الأغشية الدهنية الموجودة في الدماغ لقمع نشاطنا العصبي الطبيعي.
لكن سرعان ما فقدت نظرية الدهون زخمها في العقود التالية لصالح فرضيات أخرى،
معظمها كانت تدور فكرتها حول مستقبلات الدماغ -والأدوية المستخدمة- التي تتسبب في
فقدان الوعي.
ويقول مايلز: “عزل الباحثون أنواعا معينة من المستقبلات داخل الدماغ،
والخلايا الفرعية التي تخلق هذه الحالة من التنويم المغناطيسي أو اللاواعي”.
وأضاف: “ومع أننا نقترب من معرفة كيفية عمل التخدير العام ولماذا يعمل، هناك
الكثير من الأشياء غير المعروفة حتى هذه اللحظة”.
يضيف الموقع في تقريره، أن العام الماضي شهد العديد من المقالات التي تدعي أنها قد
حلت لغز آلية التخدير العام. في حين أن هذه العناوين قد تجعلك تعتقد أن لدينا جميع
الإجابات إلا أن الأمور ليست بهذه البساطة.
وفي بحث نشر مؤخرا في “PNAS”، قدم البحث شرحا عما إذا كان التخدير
العام يعمل بشكل مباشر على القنوات الأيونية، وخلص الفريق إلى أنه على الرغم من أن
التخدير يعمل على القنوات الأيونية، إلا أن هناك أمرا ما يخص الدهون. هذه النتيجة
مثيرة للاهتمام، لكنها بعيدة عن الإجابة النهائية.
وقال مايلز: “من المحتمل أن يكون جزء من القصة صحيحا، لكن القصة كلها غير
متسقة”.
ومع أن الفرضية الدهنية كانت فكرتها أن التخدير يعمل بنفس الطريقة من منظور جزيئي.
ولكن اليوم ومع الطرق المختلفة المستخدمة ذات التركيبات الجزيئية المختلفة، سيكون
من المعجزة أن يعملوا جميعا بنفس الطريقة تماما.
وأوضح مايلز: “هذا ما حير الباحثين لفترة طويلة، لأن أدوية التخدير سواء
الغازات أو الأبخرة أو الأدوية الوريدية، مختلفة تماما في هيكلتها، ولكنها تخلق
حالة نهائية متطابقة”.
وأضاف: “من الواضح أن فكرة أن جميع الأدوية تعمل من خلال آلية واحدة لن تكون
منطقية، هناك العديد من الأنواع المختلفة من المفاتيح التي تمر عبر قفل
واحد”.
ما هو محتمل هو أن المنتج النهائي -فقدان الوعي- يتم إنتاجه بواسطة عدد من الآليات
الجزيئية المختلفة، وليس مجرد سيناريو واحد يناسب الجميع.
ويقول مايلز: “ربما تكون هذه الأقفال مرتبطة ببعضها البعض داخل الخلية، وربما
يمكنك الدخول وفتح هذه الخلية من خلال إحدى الآليات المختلفة”.
لهذا السبب، ما زال هذا الأمر محيرا، ولا نعرف حتى الآن المدى الكامل لما هي عليه
أو كيف يحدث ذلك.
لحسن الحظ، كلما تم البحث أكثر في التخدير العام اقتربنا من الإجابة الكاملة.
وأشار مايلز إلى أن السنوات العشر الماضية على وجه الخصوص شهدت تقدما كبيرا في
الأبحاث، ونحن نحصل على فهم أفضل بكثير على المستوى الخلوي. آمل أن لا ننتظر طويلا
حتى نتمكن من قول إننا حللنا اللغز.