الجنرال الأسود “براون”.. منقذ ترامب؟
رمزية
تعيينه في موقع عسكري كبير تعني الكثير بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في
هذه اللحظة الحاسمة لمستقبله السياسي، في مواجهة الحراك المناهض للعنصرية وعنف
الشرطة.
محاولة مغلفة بمعايير وطنية ودستورية لتخفيف حدة الاحتجاجات في عدة مدن أمريكية
هزت صورة ترامب وباتت تهدد فرصة انتخابه ثانية بشكل كبير.
هل يشكل تعيين الجنرال تشارلز كيو. براون جونيور، المولود عام 1962 في مدينة لوبوك
بولاية تكساس، رئيسا لأركان القوات الجوية، طوق نجاة لسيد البيت الأبيض؟
الجنرال براون خريج جامعة تكساس التقنية التحق بسلاح الجو الأمريكي عام 1984، وقاد
مقاتلة “أف-16” وحارب في منطقتي المحيط الهادئ والشرق الأوسط، وفي سجله
2900 ساعة طيران بينها 130 ساعة أثناء معارك، بحسب سيرته الذاتية الرسمية
المنشورة.
وكان أخر موقع له قبل تعيينه في منصبه الجديد، توليه منصب قائد القوات الجوية في
منطقة المحيط الهادئ.
رشحه ترامب رئيسا لأركان القوات الجوية إثر اندلاع الاحتجاجات العنيفة بعد مقتل
جورج فلويد ذو الأصول الأفريقية، اختناقا تحت ركبة شرطي أبيض أثناء توقيفه في
مدينة مينيابوليس في 25 أيار/ مايو الماضي، ليصبح بذلك أول رئيس أركان من أصل
أفريقي في القوات الجوية للولايات المتحدة.
ويرأس “براون” بذلك أحد أسلحة “البنتاغون” الستة: سلاح الجو، وسلاح البحر، والقوات البرية، ومشاة البحرية، وخفر السواحل، والقوة الفضائية.
وبصفته قائدا لسلاح الجو فإن براون سيصبح ثاني جنرال من أصول أفريقية في تاريخ
الولايات المتحدة يشارك في عضوية هيئة أركان الجيوش المشتركة، بعد وزير الخارجية
الأمريكي الأسبق كولن باول الذي ترأسها بين عامي 1989 و1993.
ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على تعيينه (98 صوتا). وكان السناتور دان
سوليفان، الجمهوري من ألاسكا، قد أوقف ترشيح براون، مطالبا بضمان موافقة الأخير،
إذا ما عين، على وضع سرب من مقاتلات “كي سي 46 تانكر” في الولاية، ورغم
ذلك، فقد أشاد سوليفان في قاعة مجلس الشيوخ بمؤهلات براون للمنصب، وقال إنه
:”لم يدرك حتى وقت قريب الطبيعة التاريخية لترشيحه”.
وأضاف سوليفان: “أعتقد أن هذا مهم للغاية الآن، وأن بلدنا يغضب بسبب مقتل
جورج فلويد والاحتجاجات التي تجري بسلام الآن – وهو أمر عظيم – للمطالبة بالعدالة
له ولأسرته”.
ورأس مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي جلسة المجلس الذي يتمتع فيه الحزب
“الجمهوري” بالأغلبية، وذلك في ظهور غير معتاد.
وسارع الرئيس ترامب إلى الترحيب بمصادقة ” الشيوخ” على تعيينه براون،
وقال:”هذا يوم تاريخي لأميركا، متحمس للعمل بشكل أوثق مع الجنرال براون، الرجل
الوطني والقائد العظيم”.
وكان براون قد أدلى بشهادة مؤثرة حول العقبات التي واجهته بسبب لون بشرته أثناء
صعوده السلم الوظيفي في الجيش، مؤكدا أن حياته المهنية “لم تكن دوما مثالا
للحرية أو العدالة”.
وروى الجنرال في شريط فيديو، كيف أنه كان يجد نفسه في أغلب الأحيان “الطيار
الأسود الوحيد في سربه أو الضابط الأسود الوحيد في غرفة مكتظة بالضباط” وكيف
كان هؤلاء يسألونه عما إذا كان فعلًا ضابطًا مع أنه كان يرتدي نفس الزي العسكري
الذي يرتدونه ويضع نفس الشارات العسكرية التي يضعونها.
ويعاني الجيش الأميركي من غياب التنوع في قيادته، فبحسب آخر أرقام
“البنتاغون”، والتي أوردتها شبكة “سي أن أن” الأميركية، فإن
18.7 بالمئة من المجندين في الجيش هم من أصحاب البشرة الداكنة، لكن 8.8 بالمئة فقط
من الضباط هم من أصول أفريقية، مقارنة بـ76.1 بالمئة من البيض.
ومن هؤلاء، 71 جنرالا أو لواء، فقط، يتمتعون برتب من نجمة واحدة إلى أربع نجمات.
ويقدم موقع القوات الجوية الأميركية في الهادئ، براون، بوصفه قائدا متآلفا مع
منطقة آسيا، وبالخصوص شبه الجزيرة الكورية. ويأتي ذلك، بحسب الموقع، نتيجة قيادته
لهذه القوات، المؤلف عديدها من 46 ألف جندي في سلاح الجو، منتشرين في نصف الكرة
الأرضية تقريبا، ونتيجة إشرافه ودوره في وضع الخطط والتكتيكات التي تضمن نجاح
المهمات في منطقة تزداد “تعقيدا وخطورة”.
وفي خلفية تعيينه قال براون: “أفكر في الأميركيين الأفارقة الذين سبقوني لجعل
هذه الفرصة ممكنة. أفكر في التوقعات الهائلة التي تأتي مع هذا الترشيح التاريخي،
خاصة من خلال عدسة الأحداث الجارية التي ابتليت بها أمتنا”.
وأضاف براون، في المقطع المصور: “لا يمكنني إصلاح قرون من العنصرية في
بلادنا، ولا يمكنني إصلاح عقود من التمييز التي ربما أثرت على أفراد من قوتنا
الجوية. أفكر في كيفية إجراء تحسينات شخصية ومهنية ومؤسسية حتى يتمكن جميع
الطيارين، اليوم وغدا، من تقدير قيمة التنوع، والعمل في بيئة يمكنهم فيها تحقيق
إمكاناتهم الكاملة”.
وتساءل مراقبون عن مغزى تعيين جنرال من أصول أفريقية في مرتبة مرموقة في هذا
التوقيت، وأرجعه البعض إلى أن ترامب يسعى لامتصاص غضب الشارع الأمريكي، بعد
المواقف التي اتخذها عقب وفاة فلويد.
وبعد أن حاول في بداية الاحتجاجات الزج بالجيش الأمريكي ليكون طرفا فيها، وحاول
إقحامه لمواجهة التظاهرات التي عمت البلاد. لكن الجيش الأميركي، الذي نأى بنفسه عن
ما يجري، يعاني بدوره من مشكلة العنصرية المزمنة، وأصدرت معظم قياداته، وكذلك من
المتقاعدين، بيانات، دعت فيها إلى تصحيح هذا الخلل، فيما أعرب الجيش عن نيته
التفكير في إعادة تسمية عشرات القوات والمنشآت، التي تحمل اليوم أسماء قيادات
كونفدرالية.
وتسببت قضية فلويد التي تصدرت الاهتمامات في العالم في حرج شديد للرئيس ترامب خاصة
بعد المطالبات بضرورة إصلاح إدارات الشرطة، وهو أمر يرفضه الرئيس
“الجمهوري” بشدة مما وضعه في الطرف المعادي لمطالب المحتجين.
تعيين بروان، ربما يخفف الضغط على ترامب، ويؤكد على أن الجيش ليس طرفا في الحياة
المدنية، لكنه ليس صكا بالبراءة من “العنصرية”، وليس شيكا على بياض
للعودة إلى البيت الأبيض في واشنطن العاصمة.