احتجاجات فلويد.. كيف تعامل رؤساء أميركيون مع عنف الشرطة؟
الاحتجاجات التي تفجرت في الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، في أعقاب وفاة جورج فلويد، المواطن من أصول أفريقية خلال اعتقاله في ولاية مينيسوتا، ليست الأولى في التاريخ الحديث للبلاد، كما أنها لا تتزامن مع رئاسة دونالد ترامب لوحده بل اندلعت أيضا خلال فترات حكم أربعة من أسلافه بينهم باراك أوباما، أول أميركي من أصول أفريقية يصل إلى البيت الأبيض.
واضطر كل من الرؤساء الخمسة إلى التعامل مع غضب شعبي أعقب مقتل رجل أسود أو إصابته بجروح خطيرة على يد شرطي أبيض في إحدى المدن.
لكن استجابة كل من ترامب وباراك أوباما وبيل كلينتون وجورج بوش الأب والابن، كانت مختلفة، ولم يكن تعاملهم مع التحدي أمامهم ناجعا أيضا إذا تم قياسه من خلال تهدئة الاضطرابات، وفق صحيفة نيويورك تايمز.
واستعرضت نيويورك تايمز مواقف الرؤساء الخمسة والتي تراوحت بين الصمت وتجنب ذكر أسماء الضحايا إلى التعاطف والدعوة للإصلاح وحتى التهديد باستدعاء الجيش وإعادة الأمن بالقوة.
جورج بوش الأب بين التنديد بعنف الشرطة واستخدام “قانون الانتفاضة”
في 1991، خلال رئاسة جورج بوش الأب، أدى ظهور فيديو لأربعة ضباط في شرطة لوس أنجليس، ثلاثة منهم من البيض، وهم يعتدون وينهالون بالضرب على رودني كينغ، إلى جعل عنف الشرطة قضية تتصدر عناوين الصحف.
وضرب الضباط الرجل بهراواتهم أكثر من 50 مرة ما أدى إلى كسر في جمجمته تسبب في تلف دائم لدماغه.
الرئيس بوش وصف سلوك الضباط بأنه مثير للاشمئزاز، وقال إن “تلك المشاهد الرهيبة تدفعنا إلى المطالبة بوضع حد للعنف غير المبرر والوحشية”، مضيفا أن “مسؤولي قوات إنفاذ القانون لا يمكنهم وضع أنفسهم فوق القانون الذي أقسموا أن يدافعوا عنه”.
ووجهت تهم الاعتداء إلى أربعة ضباط، ثم قررت هيئة محلفين تبرئتهم جميعا في عام 1992. وأشعل الحكم إلى جانب عقود من عدم المساواة العرقية والاقتصادية في لوس أنجليس، أحداث شغب بدأت بعد ثلاث ساعات فقط على صدوره واستمرت لخمسة أيام.
وأضرم مواطنون النيران ودمروا محلات لبيع الكحول ومحلات سوبر ماركت ومتاجر أخرى ومطاعم للوجبات السريعة. واستهدف سائقو السيارات من ذوي البشرة الفاتحة سواء من البيض أو المتحدرين من أصول لاتينية، وأجبروا على النزول من سياراتهم وتعرضوا للضرب.
وفي الشهر الذي جرى فيه الاعتداء على كينغ، أطلق مالك محل بقالة من أصل كوري النار على فتاة سوداء في الـ15 من عمرها اسمها لتاشا هارلينغز، وقتلها ظنا منه أنها كانت تحاول سرقة قنينة عصير برتقال. وتبين لاحقا أن الضحية كانت تمسك بثمن العصير في يدها. السلطات طلبت من صاحب المحل دفع غرامة قدرها 500 دولار مع إخضاعه للمراقبة.
بوش قال في إطار تعليقه على أعمال الشغب “التدمير الوحشي للحياة والممتلكات ليس تعبيرا مشروعا عن الغضب إزاء الظلم، بل إنه في حد ذاته ظلم. لا يوجد تبرير مهما كان خالصا، ومهما كان بليغا، يمكن أن يجعل من الأحداث غير ذلك”.
واستجاب بوش، لطلب حاكم كاليفورنيا بيت ولسون المساعدة في إنهاء أعمال الشغب، فاستخدم “قانون الانتفاضة” الذي سن في عام 1807 ويسمح باستدعاء الجيش للتصدي للاضطرابات الخارجة عن السيطرة.
صمت كلينتون
رئاسة كلينتون شهدت سلسلة من أحداث العنف على يد الشرطة، كان أشدها إطلاق أربعة من عناصر شرطة مدينة نيويورك نيران أسلحتهم على أمادو ديالو، المتحدر من غينيا في فبراير 1999.
وأصيب ديالو بـ19 رصالة، فيما أطلق الضباط 41 طلقة باتجاهه. وقال الضباط إنهم ظنوا أن الشاب كان بصدد إخراج مسدس من جيبه عندما اقتربوا منه، في حين أنه كان يمسك بمحفظته.
وأدت الحادثة التي وصفها نشطاء آنذاك بأنها أسوأ مثال للاستخدام المفرط للقوة من قبل الأمن، إلى العديد من الاحتجاجات في المدينة.
وخلال الفترة الممتدة بين قتل ديالو الذي كان في الـ23 من عمره، وتبرئة الضباط، التزم كلينتون الصمت التام تقريبا.
وقال بعد شهر على الحادث، إنه “يشعر بقلق شديد إزاء المزاعم الأخيرة حول التجاوزات الخطيرة للشرطة واستمرار التقارير عن التنميط العنصري الذي هز ثقة بعض المجتمعات في الشرطة التي دورها حمايتهم”.
ولم يشر الرئيس الديمقراطي إلى ديالو بشكل مباشر. وقال بعد صدور الحكم القضائي “لا أتظاهر للحظة بأنني أشكك في قرار هيئة المحلفين. لكنني أعلم أن معظم الناس في أميركا من مختلف الأعراق يعتقدون أنه لو كان الرجل أبيض في حي جميع سكانه من العرق الأبيض، لما حدث هذا على الأرجح”.
“لا رد رسميا” من بوش
خلال رئاسة بوش وقعت حوادث مماثلة، لكن نيويورك تايمز قالت إنها لم تجد أي رد رسمي له على أبرزها وهما قضيتا جسر دانزغر في 2005 وشون بال في 2006.
بالنسبة للأولى، قتل عناصر في شرطة نيو أورلينز شخصين غير مسلحين وأصابوا أربعة آخرين على جسر دانزغر خلال الأيام العصيبة التي أعقبت إعصار كاترينا المدمر، الذي أغرق المدينة وأسفر عن مقتل المئات وتشريد الملايين في مناطق مطلة على خليج المكسيك.
وبعد حوالي 10 أعوام على الحادث، أقر خمسة ضباط تورطوا في القضية بالذنب واعترفوا بإطلاق النار على مدنيين عزل.
أما القضية الثانية، فتتعلق بمقتل شون بال على يد ضباط خلال مغادرته ملهى ليليا كان يخضع لمراقبة الشرطة، في حي كوينز بمدينة نيويورك.
ووقع الحادث قبل ساعات على حفل زواج الشاب، وأصيب اثنان من أصدقائه بجروح.
وتحدث شهود عن فوضى ووابل من الطلقات النارية التي وقعت لحظة خروج الأصدقاء من المكان وركوبهم سيارة بال المتوقفة على جانب أحد الأرصفة. وقاد بال سيارته واصطدم بشاحنة صغيرة تابعة للشرطة بعد أن كاد يدهس شرطيا بلباس مدني.
وردا على ذلك أطلق الضباط 50 طلقة نارية على الأقل باتجاه السيارة.
باراك أوباما: هذه مشكلة أميركية وليست قضية السود فقط
رئاسة أوباما، رافقها الاستخدام المتزايد للهواتف المحمولة التي تسمح بتصوير ما يحدث إما من قبل الشخص المعني أو من المارة الذين يقررون توثيق ما يدور حولهم.
التسجيلات التي يصورها مواطنون عاديون، تتعارض في كثير من الأحيان مع التقارير الأولية الصادرة عن الشرطة، وحصلت حوادث تصور عنف قوات إنفاذ القانون تجاه مواطنين على انتباه الشعب والرئيس أوباما.
وفي حادث مشابه للنهاية المأساوية لجورج فلويد، جرى تصوير شرطي في مدينة نيويورك وهو يضغط على رقبة إريك غارنر المتحدر من أصول أفريقية، بعد طرحه أرضا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في يوليو 2014.
كلمات غارنر الأخيرة كانت “لا أستطيع التنفس”، وهي نفس الكلمات التي رددها فلويد وهو يتوسل الشرطي الأبيض الذي كان يضغط على رقبته بركبته في مينيابوليس.
وفي 2014 أيضا، كانت كلمات “لا أستطيع التنفس” شعارا مرفوعا في المظاهرات المنددة بالوفاة العلنية للرجل الذي لم يكن يحمل سلاحا أيضا.
وقال أوباما في خطاب بعد رفض هيئة محلفين توجيه اتهام إلى الضابط المتورط في قتل غارنر، “في الوقت الحالي، لسوء الحظ، نرى حالات كثيرة جدا تجعل من الناس لا يثقون في أن الأفراد يعاملون بشكل عادل. وفي بعض الحالات، تكون تلك تصورات خاطئة، ولكن في حالات أخرى تلك هي الحقيقة. ويتحتم علينا جميعا كأميركيين، بغض النظر عن العرق والمنطقة والدين، أن نعترف بأن هذه مشكلة أميركية وليست مشكلة السود أو مشكلة السمر أو مشكلة السكان الأصليين فقط”.
وأردف “هذه مشكلة أميركية. عندما لا تتم معاملة أي شخص في هذا البلد على قدم المساواة أمام القانون، فهذه مشكلة”.
وبعد أقل من شهر على مقتل غارنر، قتل ضابط في مدينة فرغسون في ميزوري، الشاب الأعزل مايكل براون، ما فجر احتجاجات استمرت لأسابيع واستدعت الولاية خلالها الحرس الوطني لمساعدة قوات الشرطة في التعامل مع الأوضاع.
وعندما رفضت هيئة المحلفين توجيه تهم إلى الضابط المتورط في الحادث، قال أوباما “علينا أن نقر بأن هذه ليست قضية فرغسون لوحدها. إنها قضية لأميركا. لقد أحرزنا تقدما هائلا على مستوى العلاقات العرقية خلال العقود الماضية. لقد شهدت على ذلك في حياتي. وفي إنكار إحراز تقدم، إنكار لقدرة أميركا على التغيير. لكن ما هو حقيقي أيضا، هو أن هناك مشاكل لا تزال قائمة، ومجتمعات الأميركيين السود لا تقوم بمجرد اختلاق هذه المشاكل”.
وفي الخامس من يوليو 2016، جرى تصوير مقتل ألتون سترلينغ على يد الشرطة في باتن روج بولاية لويزيانا، وبعد يوم على ذلك انتشر فيديو لمقتل فيلاندو كاستيل في فالكون هايتس بمينيسوتا على يد الشرطة أيضا. وفي السابع من الشهر ذاته، قتل خمسة عناصر شرطة خلال هجوم استهدفهم في مدينة دالاس بولاية تكساس. وقد شهدت الولايات المتحدة أحداثا انتقامية يهاجم فيها عناصر شرطة أيضا.
أوباما قال هذه المرة “ليست المسألة أن نقارن بين قيمة الأرواح. إنه اعتراف بوجود عبء معين على مجموعة من مواطنيننا. وعلى أن نهتم بذلك. لا نستطيع رفض ذلك”.
وأضاف “وإن الأمر يتعلق بالاعتراف بحقيقة أن لدينا تاريخ صعب ولم نتجاوز كل ذلك التاريخ الآن. ولا نتوقع ذلك خلال حياتي، وربما لن يحدث خلال حياة ابنتيّ، أن جميع مخلقات ذلك الماضي سيتم علاجها وحلها، لكننا قادرون على فعل ما هو أفضل من هذا. الأشخاص ذوو النوايا الحسنة قادرون على عمل ما هو أفضل”.
ترامب: وفاة فلويد مأساة خطيرة
وخلال عهد الرئيس الحالي، وقعت عدة حوادث شهدت مقتل مواطنين عزل على يد ضباط في الشرطة. لكن ترامب وفق نيويورك تايمز، نادرا ما يعلق على تلك الحوادث ويتحدث على الأرجح في الحالات التي يكون فيها الضحايا من الشرطة.
ولكن ترامب أعلن في تغريدة الأربعاء أن مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل، وبناء على طلبه، يحققان في الوفاة المحزنة جدا والمأساوية لفلويد.
وقال “طلبت تسريع هذا التحقيق وأقدر كل العمل الذي تقوم به قوات إنفاذ القانون المحلية. أتعاطف مع أسرة وأصدقاء جورج. سيتم تحقيق العدالة”.
وأعرب في مؤتمر صحافي الخميس عقده مع وزير العدل وليام بار، عن استيائه إزاء الفبديو وقال “أنا مستاء جدا. إنه مشهد صادم للغاية” ووصف الحادث بأنه “دنيء ومفجع”.
وأعلن الجمعة أنه تحدث إلى أسرة الرجل وقال في تصريح في البيت الأبيض “أتفهّم ألمهم”، مضيفا “عائلة جورج لها الحق في العدالة”.
ومع تحول الاحتجاجات السلمية على مقتل فلويد، إلى أعمال شغب وعنف في عدد من المدن، كتب ترامب على تويتر “هذه مجموعات منظمة لا علاقة لها بمقتل جورج فلويد، محزن” في إشارة إلى مثيري الشغب الذين أحرقوا ودمروا الممتلكات.
وقال “لدينا متظاهرون سلميون وندعم حقوق المتظاهرين السلميين، لا يمكننا السماح لموقف مثل ما حدث في مينابوليس بالهبوط بنا إلى أبعد من هذا”.
وندد مجددا بأعمال العنف وقال إن “وفاة جورج فلويد في شوارع مينيابوليس مأساة خطيرة”، لكن ذكراه أساء إليها “مشاغبون ولصوص وفوضويون”، داعيا إلى “المصالحة، لا الكراهية، وإلى العدالة، لا الفوضى”.
وأضاف “لن أسمح للحشود الغاضبة بالسيطرة، علينا حماية جوهرة تاج الديمقراطية الأميركية وهو الأمان وتطبيق القانون”، مشددا “إدارتي لن تسمح لأي شخص من أي عرق بأن يحرق الأرض ويدمر المدن، هذا لن يحصل”.
ويوم الاثنين، هدد الرئيس الأميركي باللجوء إلى قانون الانتفاضة ونشر الجيش في المدن لوضع حد للتظاهرات العنيفة، وقال “إذا رفضت مدينة أو ولاية اتخاذ القرارات اللازمة للدفاع عن أرواح وممتلكات سكانها، فسأنشر الجيش الأميركي لحل المشكلة سريعا بدلا عنها”.
وقد انتشرت قوات تابعة للحرس الوطني في عدد من المدن التي تشهد أعمال عنف، من أجل مساعدة السلطات المحلية في السيطرة على الوضع.