إيكونوميست: منطقة الخليج مقبلة على تحولات خطيرة
قالت مجلة “إيكونوميست” إن عصر النفط قد انتهى لدى دول الخليج العربية وأنها لم تعد
قادرة على سد العجز في ميزانياتها بسبب انخفاض أسعار النفط.
وأضافت المجلة في تقرير أن هناك فرصة للتحرك بعيدا عن
عصر الطاقة الهيدروكربونية.
وأشارت إلى بدايات عصر النفط بداية القرن العشرين، حيث
بحث جورج بيرنارد رينولدز في رمال فارس (إيران) عن النفط بين أمراء الحرب وقطاع الطرق.
وعمل الجيولوجي البريطاني سبع سنوات في التنقيب ولكنه لم
يجد إلا القليل لدرجة أن الممولين له في بريطانيا قالوا إن هذا يكفي، وحان الوقت
للتخلي عن الموظفين وتفكيك المعدات والعودة إلى الوطن.
ولكن رينولدز واصل الحفر حتى عثر في صباح 26 آذار/مارس
1908 على تدفق للنفط وكان أول اكتشاف كبير للنفط في الشرق الأوسط ولكنه لم يكن
الأخير.
فسيحول النفط سريعا اقتصادات المنطقة ويثري
العائلات الحاكمة ويجذب التأثيرات الأجنبية.
وبعد قرن حدث تطور آخر، فقد تبنت الدول حول العالم مصادر
نظيفة للطاقة، فالحاجة القصوى للنفط ربما لا تزال بعيدة، ولكن كوفيد-19 منح دول
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مذاقا عما سيكون عليه المستقبل.
فقد تراجعت أسعار المادة السوداء في ظل إغلاقات الدول الشاملة
لمواجهة الفيروس. ويتوقع أن تتراجع موارد الدول المنتجة للنفط نصف ما حصلت عليه
عام 2019. ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشا في اقتصاداتها بنسبة 7.3% حتى بعد
تراجع الفيروس، فالتخمة في إمدادات النفط ستؤدي لانخفاض أسعاره.
ومن هنا فالدول العربية التي باتت تواجه وضعا لا تستطيع
فيه سد العجز بالميزانية وهي مطالبة بالتكيف مع الوضع الجديد.
وترى المجلة أن التحديات التي تواجهها الدول العربية
مرعبة. خذ مثلا الجزائر التي تحتاج لسعر 100
دولار لبرميل النفط. ولكن سعر خام برنت 40 دولارا للبرميل الواحد. ولهذا أعلنت
الحكومة الجزائرية أنها ستخفض نفقاتها للنصف.
والأمور ليست أحسن في العراق الذي يعد من كبار مصدري النفط
ويواجه حالة انهيار تقريبا. حتى الدول المستقرة مثل عُمان والكويت. فيما
باتت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم تغوص عميقا في احتياطاتها النفطية.
فالمال الذي كان سيستخدم لتسهيل عبور الدول نحو اقتصاد أقل اعتمادا على النفط بات
يدعم الدولة النفطية القديمة.
وتقول المجلة إن الآثار ستظهر في كل المنطقة. فمصر تصدر
نفطا قليلا ولكن 2.5 مليون من أبنائها يعملون في الدول الغنية بالنفط. وتبلغ تحويلات
هؤلاء نسبة 9% من الناتج المحلي العام.
ومع انخفاض أسعار النفط فإن بعض هذه الوظائف ستختفي وستعاني
مصر أيضا. ونفس الأمر يصدق على الأردن الذي اعتمد طويلا على الخليج لكي يستوعب
الجماهير العاطلة عن العمل. كما وتعتمد هذه الدول على دول الخليج كزبائن لمنتجاتها،
فثلث صادرات الأردن ولبنان تذهب إلى دول الخليج التي ترسل السياح الأثرياء. فثلث
السياح في لبنان هم من الكويت والسعودية والإمارات العربية المتحدة.
وتقول المجلة إن الأخبار الجيدة هي أن الكثير من الدول
العربية لديها خطط لفطم اقتصادها عن النفط. فبرامج إصلاحية بأسماء براقة مثل “رؤية 2030” تهدف بفتح المجال أمام القطاع الخاص وتوظيف
النساء وقطع الدعم والاستثمار في القطاع غير النفطي. ولكن الأخبار السيئة هي أن
الدول هذه تتحرك ببطء شديد.
وقامت بعض هذه الدول بتخفيض حجم البيروقراطيات المتضخمة
وتقليص الإعانات. ولكن القطاع العام لا يزال مصدر التوظيف الأكبر. ورغم حديث دول
الخليج عن تنويع الاقتصاد فإنها لا تزال تعتمد على النفط. ويتحدث القادة
العرب اليوم عن موجة من الخصخصة من أجل توليد موارد جديدة، وماذا ينتظرون؟ والجواب
أو جزء من الجواب على السؤال هو أن الإصلاحات المطلوبة ستكون مؤلمة وشاقة. إلا أن
الأزمة تمثل فرصة لبناء اقتصاديات حية ومستدامة وحكومات ممثلة. فلن يكون الحكام
قادرين على شراء الولاء من خلال خدمات قليلة وتوفير الوظائف.
فالخطط التي وضعها محمد بن سلمان تقوم بتمزيق العقد الاجتماعي،
حيث يتساءل السعوديون عن سبب عدم بيعه يخته الذي اشتراه بنصف مليار دولار بدلا من
رفع الضريبة. فالغضب يتزايد في كل أنحاء المنطقة.
وخلال القرن الماضي حكم العرب قادة قمعيون سرقوا ثروات
بلادهم. ويطالب هؤلاء القادة من شعوبهم تقديم تضحيات دون تقديم الكثير لهم أو
السماح لها بإبداء الرأي. وهذه وصفة لاستمرار الفوضى والقمع الوحشي. ولو اراد الحكام
العرب من مواطنيهم الدفع فيجب عليهم العمل للحصول على موافقتهم.
وحللت المجلة في تقرير طويل ما أسمته أفول الزمن ونهاية
عصر النفط العربي التي باتت قريبة. وأشارت فيه إلى المشاكل التي تواجه الدول
العربية في مرحلة ما بعد كوفيد19، فعُمان تعاني للاقتراض بعدما صنفت شركات التصنيف
الائتماني دينها بغير المرغوب به. وربما وصل العجز للكويت إلى 40% من الناتج
المحلي العام، وهو الأعلى في العالم. وتقول إن كوفيد-19 أسهم في تراجع أسعار النفط
بسبب توقف حركة السفر لاحتواء الفيروس. ومع ان الاسعار بدأت بالارتفاع شيئا فشيئا
إلا أن الطلب المتزايد على النفط بعيد عنا سنوات.
وتقول المجلة إن على الدول العربية أن لا تخدع نفسها
فالتنافس على الطاقة النظيفة والإمدادات المفرطة للنفط تعني أن أسعاره ستظل متدنية
في المستقبل المنظور.
وما يعانيه سوق النفط من اضطرابات ليس حالة شاذة ولكنه
صورة عن المستقبل. فقد دخل العالم عصر أسعار النفط الرخيص ولن تتأثر منطقة بهذا
التحول أكثر من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقالت المجلة إن قادة العرب كانوا يعرفون أن أسعار النفط
لن تظل مرتفعة. مشيرة لرؤية 2030 لمحمد بن سلمان، مع أن الدول النفطية لدى كل منها
خطة لتنويع الاقتصاد، لكن خطة 2030 تحولت إلى 2020 كما قال مستشار لمحمد بن سلمان.
وانحفضت موارد النفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تنتج المادة السوداء أكثر
من أي منطقة في العالم من تريليون دولار 2012 إلى 575 مليار دولار، حسب أرقام
صندوق النقد الدولي. ويتوقع أن تحصل الدول العربية هذا العام على 300 مليار دولار
من عائدات النفط، وهي ليست كافية لتغطية النفقات.
ومنذ آذار/مارس تم تخفيض النفقات وفرض الضرائب وزادت القروض
وهناك الكثير من هذه الدول تغطي عجزها من الصناديق السيادية التي من المفترض أن
تنفق احتياطاتها لتمويل الإصلاحات.
وترى المجلة أن الألم سيظهر في الدول التي تعتمد اقتصاداتها
على النفط، حيث تبلغ تحويلات العاملين من دول النفط نسبة 10% من الناتج المحلي
العام. هذا بالإضافة للتجارة والسياحة والاستثمار. كما ويعاني الشرق الأوسط من
أعلى نسب البطالة بين الشباب في العالم. وتقول المجلة إن النفط مول اقتصادات غير
منتجة ودعم أنظمة بغيضة وجلب تدخلات أجنبية غير مرغوبة.
وفي الوقت نفسه يتزايد الغضب، حيث يتزايد الهمس بين السعوديين
عن الضرائب التي تصيب الفقراء، وقالت أم لأربعة أطفال من الشمال:
“لماذا لا يفرض محمد بن سلمان الضريبة على
الأغنياء”. وفي العراق دعم الموظفون الغاصبون على خفض رواتبهم حركة الاحتجاج
المطالبة بتغيير كامل النظام. وفي الجزائر التي
انخفض فيها دخل الفرد من 5.600 دولارا عام 2012 إلى 4.000 دولار بدأ المتظاهرون
بالعودة من جديد إلى الشوارع. وشهد لبنان عودة التظاهرات بعد إغلاق بسبب كورونا.
ومع أن البلد ليس منتجا للنفط إلا أن اقتصاده يعيش أزمة بسبب الفساد ونظام ما بعد
الحرب الأهلية السياسي. ويتوقع أن يتراجع الناتج المحلي العام إلى 13%
هذا العام. وسيفاقم البطء في دول الخليج من الأزمة خاصة
أن البلد يعتمد في اقتصاده على الخدمات والسياحة. وتعتبر التحويلات من دول الخليج
مصدرا للدخل العام، فهناك 2.5 مليون مصري يعملون في الخليج. فيما تبلغ نسبة
تحويلات العاملين 5% للأردن ولبنان و 9% للمناطق الفلسطينية. ومع تراجع النفط
ستنخفض التحويلات ويخسر الكثيرون وظائفهم فيما ستكون رواتب من يحصلون على وظائف
قليلة.
وبهذه الطريقة سيتفكك العقد الاجتماعي في الدول التي اعتمدت
على الهجرة لامتصاص المواطنين العاطلين عن العمل، فعدد المتخرجين من الجامعات
اللبنانية كل عام يصل إلى 35.000 خريج لا يجد سوى 5.000 منهم عملا في السوق
اللبناني أما البقية فتبحث عن عمل في الخارج.
وأدت الهجرة لخروج العقول. وكانت مصر ترسل عمالا يدويين
إلى دول الخليج ومعظمهم أميين، أما اليوم فنسبة الخمس من المهاجرين العاملين في
السعودية أكملوا الدراسة الثانوية ولديهم مؤهل جامعي. وتعاني مصر اليوم لمواجهة
فيروس كورونا لعدم توفر الأطباء، حيث هاجر أكثر من 10.000 منهم منذ عام 2016
معظمهم في دول الخليج. وبنقص الفرص في دول الخليج فقد لا يهاجر الكثير منهم ولكن
بلدهم لا يوفر لهم فرصة العيش الكريم. فراتب الطبيب في مصر لا يتجاوز 3.000 جنيه
أي 185 دولارا في الشهر، وهو جزء يسير مما يحصلون عليه في الخليج. ومن هنا فتخمة
من المتخرجين هي وصفة للاضطرابات.
وتشير المجلة للتغيرات بالمنطقة في ظل إدارة ترامب التي
تجاهلت “عقيدة كارتر” التي تعهد فيها بالدفاع عن دول الخليج حالة تعرض
النفط للخطر. لكن دونالد ترامب لم يتحرك عندما تعرضت منشآت النفط السعودية للهجوم
العام الماضي. وبدا ترامب أقل فهما واهتماما لنزاعات أخرى في سوريا وليبيا التي
تركها مساحة تنازع بين روسيا وتركيا والإمارات. ومن هنا فشرق أوسط أقل مركزية للنفط
سيظل غير مهم لأمريكا. وربما حاولت روسيا ملأ الفراغ مثل تصميمها على قاعدتها
العسكرية في طرطوس وحماية مصالحها في شرق الأوسط. ولكنها لا تستطيع مد مظلتها
الأمنية إلى الجزيرة العربية. وحاولت الصين البقاء بعيدا عن التنافس وفضلت تحقيق
عقود إنشاء في الجزائر وتنازلات في موانئ مصر وعقودا أخرى في الخليج.
وكلما أصبحت الدول العربية فقيرة كلما تغيرت
علاقتها مع الصين. وهذا يحدث الآن مع إيران التي تعاني من وطأة العقوبات الأمريكية
وتبحث عن مخرج في شراكة استراتيجية مع الصين.